علي الأصولي
قال الماتن:
ثم أن الشيخ الآخوند - قدس سره - بعد أن بحث عن معنى مادة الأمر لغة، بحث
عن معناها اصطلاحا، والكلام يقع في ذلك من ناحيتين:
الأولى: عن أصل المعنى،
والثانية: عما إذا كان لهذا البحث نتيجة لغوية أو شرعية،
إما من الناحية الأولى: فقد قال: الغير وإما بحسب الاصطلاح فقد نقل على أنه
حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره،
أقول: يرد بالقول المخصوص عدة محتملات:
١- نفس هذا المفهوم بعنوانه،
٢- صيغة الأمر: أفعل، دون سواها،
٣- كل ما يفيد الإلزام التشريعي،
أما الاحتمال الأول، فيرد عليه:
أولا: إننا نعلم ببطلانه، لعدم مرادفته للأمر اصطلاحا قطعا،
ثانيا: ما أورده الشيخ عليه من أنه حينئذ يكون غير قابل للاشتقاق، لأنه لا
يكون معنى حديثا، مع أنهم استعملوه مشتقا، بنفس المعنى الاصطلاحي،
ثم أمر - قدس سره - بالتدبر، وحاصله أن - القول - مصدر قابل للاشتقاق، غاية
الأمر أنه مقيد بالمخصوص في تقلباته،
وأما الاحتمال الثاني: فهو وان كان محتملا ثبوتا، إلا أنه غير محتمل إثباتا،
لوضوح ما قالوه - مثلا - في الجملة الخبرية: من أنها أظهر في الإلزام أو الأمر من
صيغة افعل، فتكون أولى اندراجا، بالاصطلاح منها،
وأما الاحتمال الثالث: فهم لا يقصدونه قطعا، لأنه يشمل صيغة الأمر ومادته،
والجملة الخبرية، والدلالات الإلتزامية وغيرها، والمهم فيه هو أن الأمر ما يفيد
الإلزام، وهذا هو الظاهر، وأن كانت الحكمة تقول: لا مشاحة في الاصطلاح،
أقول ( نقل صاحب - الكفاية - الاتفاق الاصطلاحي عن معنى مادة الأمر، على
أنه، حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره - يعني اتفقوا على أن معنى مادة الأمر
حقيقة بصيغة أفعل، وكل ما كان دون صيغة افعل فهو مجاز - هذه الجهة بحثها الآخوند
في بحثه،
وبحث كذلك، الجهة الثانية، أن هذا البحث المعقود حول المعنى نتيجته لغوية أم
شرعية،
أورد الماتن على صاحب - الكفاية - بإيراد له جملة من المحتملات بعد أن نقل
الشيخ الآخوند المعنى المتفق اصطلاحا، حول معنى الأمر،
أولها: اول هذه المحتملات، هو معنى الأمر نفس هذا المفهوم بعنوانه، غير أن
هذا الاحتمال، باطل لعدم الترادف الاصطلاحي،
ثانيها: نفس صيغة الأمر دون غيره ، إلا أن هذا أورد عليه نفس الآخوند كونه
غير قابل للاشتقاق، يعني بناءا على كون لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص يرد عليه
إشكال بعدم صحة الاشتقاق، وعلى حسب تعبير الماتن: لأنه لا يكون معنى - حدثيا - مع أنهم
استعملوه مشتقا بنفس المعنى الاصطلاحي، بمعنى : حين يكون معنى لفظ الأمر هو القول
المخصوص، فهذا معناه حينئذ لفظ الأمر معنى جامد، لعدم كونه حدثا، وقد قرر في محله
أن مبدأ الاشتقاق هو المصدر الذي يكون مدلوله، معنى حدثيا جامعا بين المشتقات، وما
نحن فيه قول مخصوص لمعنى لفظ الأمر الذي هو ليس معنى حدثي، فهو عندهم بالتالي اسما
للقول المخصوص،
وكيف كان: قد ضعف الآخوند قولهم بالاتفاق وهو القول أن معنى لفظ الأمر بحسب
الاصطلاح حقيقة في القول المخصوص،
وهذا التضعيف كما عرفت، هو لعدم صحة الاشتقاق من لفظ الأمر بمعناه المصطلح
عليه بين الأصوليين مع أن الظاهر اصطلاحا يكون مبدأ للاشتقاق فعدم الصحة بالاشتقاق
منه بمعناه المصطلح يكشف على أن معناه الاصطلاحي ليس هو القول المخصوص، ولذا ذيل
الآخوند عبارته بالكفاية بقول فتدبر، وهذا التذيل يعني ان التدبر شرط الكشف عن
قولنا بالتضعيف،
والاحتمال الثاني: وهو صيغة افعل دون ما سواها،
فهو مردود بالجملة الخبرية، فإن احتمالناه ثبوتا غير ان الاستدلال عليه
إثباتا، غير ممكن والمدار الحجية الأصولية هو الإثبات،
والاحتمال الثالث: غير مقصود في كلماتهم وقولهم أنه حقيقة في القول المخصوص
ومجاز في غيره، لأنه شامل لكل شؤون وتقلبات معنى الأمر،
وقد فصل في الكفاية هذا الكلام وختمه بقول ولا مشاحة في الاصطلاح،
قال الماتن:
فإن قلت: على ذلك تكون مادة الأمر شاملة لمادة نفسها أيضا، ويستحيل ان يشمل
الشيء نفسه،
قلنا: هذا قابل للمناقشة كبرى وصغرى، أما الكبرى فالإمكان أن يشمل الشيء
نفسه، فيكون، هو هو، بالحملين الأولي والشايع، اي مفهوما ومصداقا، كاللفظ والقول
والكلام، وكلفظ القرآن الوارد في القرآن الكريم، فإنه قرآن مفهوما ومصداقا،
وأما الصغرى، فلتعدده مصداقا، فبعضها يفيد مفهوم الأمر والآخر يفيد مصداقه،
ولا يجتمعان،
والأمر الثاني، هو نتيجته عمليا: فإنما هي للتعرف على مضامين كلام
الأصوليين، وهذا لا شك فيه،
الناحية الثانية: عن نتيجة البحث وأثره من الناحية اللغوية والشرعية،
أما أثره اللغوي، فهو منتف كبرى قطعا، لوضوح أن الأجيال المتأخرة ليس لها
حق الوضع والنقل، والاشتراك بعد اختلاط اللغة مع الأعاجم على المشهور، لا يختلف في
ذلك الاختصاصيون الذي يعملون بالاصطلاحات، أو العرف العام،
وأما صغرى: وهي ان إيجاد الاصطلاح لا يدخل ضمن اللغة، وأن دخل في ضمن العلم
أو لغة العلم، إذن: فليس له أثر في اللغة العامة،
وأما شرعا، فهو أوضح من ناحية عدم الأثر، لما ذكره الآخوند من ان المهم هو
بيان معناه عرفا، ولغة ليحمل عليه اللفظ، فيما إذا ورد بلا قرينة في الكتاب
والسنة، ومن الواضح أن المعاني المتأخرة عن عصر النص لا يمكن أن يحمل عليها النص،
حتى لو كان المعنى عرفيا، فضلا عما إذا كان اصطلاحيا، كما يمكن تأسيس كبرى أخرى - بعد
الغض عن الكبرى السابقة - وهي ان نحمل الكتاب والسنة على الأمور الإصطلاحية
العلمية، غير ممكن حتى لو ثبت معاصرته لعصر النص، لوروده طبقا لعرف العلم لا
للمصطلح المعين،
نعم قد يصبح اللفظ مصطلحا في عرف المتشرعة، وشائع الاستعمال، فيمكن أن يحمل
عليه النص بمنزلة الحقيقة الشرعية،
أقول ( وهنا افترض الماتن، اعتراضا على الاحتمال الثالث - السالف الذكر - وهو
شمول صيغة الأمر ومادته، بكافة أنحاء الشمول من نفس الصيغة والمادة والجملة
الخبرية والدلالات الإلتزامية ونحوه، ولذا جاء الإيراد: وهو أن لازم ما ذكر في
الاحتمال الثالث، هو حمل الشيء على نفسه، يعني ان حمل مادة الأمر، على نفس مادة
الأمر وهذا محال، منطقيا.
0 تعليقات