على الأصولي
قال الماتن:
الجهة الثالثة: في
ظهور مادة الأمر في الوجوب وعدمه، بمعنى هل تدل على جامع الطلب، أو خصوص الحصة
اللزومية منه،
ويقال: هنا مشهوريا :
إنه بعد ثبت أن كلمة الأمر موضوعة للطلب، يقع الكلام في دلالتها على الوجوب،
فيقع الكلام في
مقامين:
الأول: في دلالة الأمر على الوجوب،
الثاني: في ملاك الدلالة بعد التصديق بوجودها، هل
هو الوضع أو الإطلاق أو أي شيء آخر ،
أما المقام الأول: ففي
البحث عن دلالة الكلمة على الوجوب، وهنا لا بد من ذكر أدلة الوجوب وأدلة عدمه،
أقول ( بعد الانتهاء
من جهة الأولى ومادة الأمر، والثانية في اعتبار العلو في الأمر ، انتقل الماتن،
وجريا على عادة الأصوليين بالتسلسل المنهجي، إذ وصلت النوبة للجهة الثالثة،
ولا يخفى بإن هذه
الأبحاث من الأهمية بمكان إذ ان بحث الألفاظ بصورة عامة ومبحث الأوامر بصورة خاصة،
ضرورة أصولية لا محيص عنها في الصناعة الأصولية، لا اقل أن يقال: بإن هذه المسائل
هي من المسائل التشخيصية لصغريات أصالة حجية الظهور، والتي تعتبر عندهم من أهم
الأصول النظامية العقلائية، والعرف يلعب دورا محوريا فيما نحن فيه لأنه المرجع في
كل ذلك على ما أفاد صاحب - التهذيب - ما يهمنا في هذه الجهة هو : أن ظهور مادة
الأمر من الوجوب هل يدل على جامع الطلب أو الحصة اللزومية منه، على ما سوف تعرف،
ويقال مشهوريا : إنه
بعد ثبوت كون ان كلمة الأمر موضوعة للطلب، وهنا يقع الكلام حول دلالة استفادة هذا
الوجوب، من جهة، وعلى ملاك هذه الدلالة من جهة اخرى، بعد اختلافهم إلى عدة أقوال:
منها : بالوضع ،
ومنها: الإطلاق، اي
دلالة الأمر على الوجوب بالإطلاق وقرينة الحكمة، كما هو مختار المحقق العراقي - مقالات
الأصول ج١ - و - بدائع الأفكار - ومنها: أنه يستفاد من دلالة الأمر على الوجوب من
حكم العقل، على ما ذهب إليه المحقق النائيني وتبعه السيد الخوئي - وأجود التقريرات
ج١ - و - المحاضرات - وقد استعرض الماتن جملة من الأدلة في البحث ودلالة الكلمة
على الوجوب، من عدمه )
قال الماتن:
أما أدلة الوجوب، وهو
المشهور، فيكون بثلاثة أجناس من الأدلة،
الجنس الأول: الاستدلال
من الكتاب والسنة تؤيد الدلالة على الوجوب، كقوله تعالى - فليحذر الذين يخالفون عن
أمره - إذ لو يكن للوجوب لما لزم الحذر، وقوله - ص - لولا أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك، إذ جامع الطلب قدره المتيقن هو الاستحباب فلا مشقة فيه،
وقوله: لبريرة بعد
قولها: اتأمرني يا رسول الله قال: لا بل أنا شافع، ويندرج هنا أيضا قوله تعالى - ما
منعك أن لا تسجد، لأن سياقها التوبيخ في المستحب ولا توبيخ في المستحب أو جامع
الطلب،
الجنس الثاني: من
الأدلة: الاستدلال بالسيرة العقلائية، في علاقة الموالي والعبيد، فإنهم يعتبرون
عصيان الأمر سببا للمؤاخذة، وهو دليل اللزوم أو الوجوب، وإلا لم تصح المؤاخذة،
والحق بها الشيخ الآخوند قوله تعالى - ما منعك إلا أن تسجد إذ أمرتك، الدالة على
المؤاخذة والتوبيخ على عدم السجود،
أقول ( صنف الماتن
أدلة الوجوب تبعا لمنهجية صاحب - الكفاية - في العرض، وزاد عليه على ما سوف تعرف،
وتقريب دليل الكتاب
حاصله: أن الله حذر مخالفة الأمر، وهذا التحذير دليل على الوجوب، إذ لا معنى لندب
الحذر أو اباحته،
ولذا قالوا: ومع
التنزل فلا أقل من دلالته على حسن الحذر عن مخالفة الأمر، ومن المعلوم أن حسنه
موقوف على المقتضي له، وإلا كان التحذير سفها وعبثا، وذلك محال على الله، وإذا ثبت
المقتضي له، ثبت الوجوب لعدم القول بالفصل، فالآية تدل على كون الأمر حقيقة في
الوجوب، هكذا بين المشهور،
نعم: يمكن الاعتراض
على هذا الوجه بدعوى: أن التقريب غاية ما يستفاد منه إطلاق الأمر على الوجوب
واستعماله فيه، والمعروف أن الاستعمال اعم من الحقيقة، فلا تكون الآية تدل على
المدعى وهو أن الأمر حقيقة على الوجوب، ولذا ذكر هذا المعنى في - منتهى الدراية - وأفاد
بإن الآخوند لم يجعلها دليلا بل عدها من المؤيدات، بينما نجد الماتن اعلاه جعل
الآية من الأدلة،
وحديث الوسائل - ج١
من أبواب السواك - لولا ان أشق على أمتي - وحديث بريرة - اتأمرني يا رسول الله - كما
في - المستدرك ج١٥ باب ٣٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء - فهذه النصوص واضحة في
الاستحاب مع وجود الأمر كما في السواك، واما حديث بريرة وهي أمة لعائشة، وزوجها
كان عبدا ثم اعتقها، فلما علمت بريرة بخيارها في نكاحها بعد العتق إرادت مفارقة
زوجها، فاشتكى الزوج إلى رسول الله - ص - فتدخل النبي - ص - فقال - ارجعيه فإنه
ابو ولدك - فقالت اتأمرني يا رسول الله قال: لا إنما انا شافع، أن نفيه للامر دليل
على فهم بريرة أنه وجوب فلاحظ، أن مفردة الأمر مركوزة في الأذهان ومنصرفة إلى
الوجوب،
وفيه : ما ذكر في
الآية يذكر هنا فالاستعمال اعم من الحقيقة، والوجوب يستفاد من قرينة هنا على ما
أفادوا،
وتقريب دليل السيرة ،
وصحة المؤاخذة على كون الأمر حقيقة في الوجوب إذ لا ذم إلا على ترك واجب،
والكلام كسابقه إذ
يفترض إثبات أن الأمر حقيقة في الوجوب واستعمل فيه بدون لحاظ الوضع،
والأدلة غايتها تدل
على ظهور الأمر في الوجوب واما منشأ الأمر فلا يستفاد مما ذكر )
قال الماتن:
الجنس الثالث: من
الأدلة ولم يذكره المشهور، إلا أننا نذكره انتصارا له، وهو إستعمال علامات الحقيقة
والمجاز،
ولا ينبغي أن يناقش
في الكبرى، يعني بطلان استعمالها هنا، لأنه لو كان موضوعا للجامع كان إستعماله في
الحصة الإلزامية حقيقة، وبتعبير آخر: أنه يكون إستعمالا حقيقيا سواء كان موضوعا
لخصوصه أو لما يعمه،
وجواب ذلك: أنه يمكن
تضمين الحمل بالشرط لا عن الزيادة فيصبح السلب عن الزائد من الإلزام أو عن جامع
الطلب، فإن تم ذلك كان حقيقة في الحصة ومجازا في الجامع، وأن لم يتم كان حقيقة في
الجامع والحصة معا، وهنا ندعي انتصارا للمشهور: كون التبادر وصحة السلب وعدم صحة
السلب إلى جهة ظهوره في الإلزام، فيثبت ذلك وجدانا،
أقول ( لا زال الكلام
في - الجهة الثالثة - في ظهور مادة الأمر في الوجوب وعدمه، بمعنى هل تدل على جامع
الطلب أو خصوص الحصة الإلزامية منه، يعني هل هو حقيقة في خصوص الطلب الإلزامي أو
أنه حقيقة في طبيعي الطلب الجامع بين الإلزامي والندبي،
ووصلت النوبة للجنس
الثالث من الأدلة والتي لم يذكرها المشهور على ما افاد الماتن، وهو تحديد المعنى
المراد من خلال علامات الحقيقة والمجاز،
والعلامات تعرف
بالتبادر وصحة الحمل وعدم صحة السلب ،
فالأمر ظاهر في
الوجوب، ولو طبقنا عليه العلامات لستفدنا هذه النتيجة،
غير ان هذه الكبرى
فيها مناقشة: ولا نستفيد من الاستعمال في المقام، لأن الأمر لو كان موضوعا للجامع -
الالزام وغير الإلزام - لكان الاستعمال الحقيقي لخصوص الحصة الإلزامية على نحو
الحقيقة، يعني عندنا جامع الطلب فيه حصة وجوبية وأخرى ندبية، فيكون الاستعمال
حقيقة سواء كان لخصوص الحصة الوجوبية أو الاعم منه، وهذا هو الإشكال في الكبرى،
لأن الحصص هنا ليس كالأفراد في الانسان فالجامع ما بين الانسان زيد وعمرو وخالد
وأن كان أفراد وكل له حصة غير انهم متساويين بالحقيقة، بخلاف ما نحن فيه من جامع،
صحيح يقال الصلاة فيها حصة أمر ويصدق عليها أمر واغتسال يوم الجمعة امر بدوا، غير
أن حصة الصلاة أظهر بالأمرية من الغسل الذي يكون اضعف بالأمرية، وكما ترى ليس
كمثال أفراد الانسان الذي افترض فيه التساوي بين الأفراد،
ولكن الماتن ناقش هذه
الكبرى - ونقاشه علمي تنظيري وإلا النتيجة ليست في هذا المقام على ما سوف تعرف -
إذ قال: لنا أن نضمن
تضمين خاص بالحمل بشرط لا عن الزيادة، يعني لنا أن نقول اننا نحمل الأمر على
الوجوب بشرط لا نزيد على هذا الحمل، وإذا تم التضمين الحملي فيمكننا ان نسلب
الزائد مع الإلزام، يعني الحصة الأخرى من الطلب، وهي الحصة الغير الإلزامية، فإذا
تم هذا التضمين - و هو تام وجدانا على رأي الماتن - كان إستعمال لفظ الأمر في
الوجوب حقيقة وفي غيره محض مجاز، وهو في الجامع،
وأن لم يتم هذا التوجيه
كان إستعمال لفظ الأمر في الوجوب وغير الوجوب حقيقة، وهنا أردنا أن ننتصر للمشهور
بالتبادر وصحة الحمل وعدم صحة السلب، إلى كون لفظ أمر الوجوب ظاهر في الإلزام
وجدانا،
وفيه: أن هذا التضمين
الخاص والتوجيه يحتاج إلى عناية وإلا فدعوى الظهور مخدوشة على ما يبدو لي لأن
الأستحباب لو لا القرينة وجوب، ومع وجود القرينة فيه ظهور أمري ).
0 تعليقات