آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (19)





 

 

علي الأصولي

 

 

قال الماتن:

 

 

وأما الاستدلال للأعم :

 

 

فقد ذكر في الكفاية أمرين:

 

 

الأمر الأول: صحة تقسيم الأمر إلى الإيجاب والاستحباب، فلو لم يكن موضوعا له، لما صح تقسيمه إليهما، والتقسيم إلى الفرد الحقيقي والمجازي غير صحيح، ولا يعمله أهل التحقيق،

 

 

وجوابه من وجوه:

 

 

أولا: ما ذكره الشيخ الآخوند: من أنه إنما يكون قرينة على إرادة الأعم في مقام تقسيمه وهو اعم من الحقيقة، إذ لعله على نحو المجاز ، هذا قد تحصل مما سبق جوابه،

 

 

١- أنه على هذا يكون تقسميا إلى الفرد الحقيقي والمجازي، وهو ساقط بل المفروض للمستدل ان يسلم بكونه حقيقيا، وإلا لم يتم الاستدلال، وإذا سلم كونه حقيقيا تعين كون الاستعمال حقيقيا لا أعم،

 

 

٢- إن الاستعمال في الأعم إن كان مجازيا احتاج الى قرينة والمفروض عدمها،

 

 

٣- أننا عرفنا أن هذا التقسيم يصح بالتضمين الوجداني للمعنى الأعم وجواب الآخوند يصح بعد التضمين الوجداني للزوم وهما أول الكلام ولا يمكن أخذ أحدهما دليلا على نفي الآخر،



أقول ( وبعد أن رفض الماتن الاستدلال على ظهور مادة الأمر بالكتاب والسنة بالمعنى الأخص، ورفض ما ذكره المشهور، انتقل إلى الاستدلال الآخر للمشهور وهو استدلالهم على المطلب من خلال الأعم وأن وافقهم في هذا النحو غير ان الماتن لم يرتضي طريقة استدلالهم في الإثبات أو في طريقة الاستدلال والإثبات،

 

 

وهنا ذكر صاحب - الكفاية - أمرين على المدعى :

 

أولهما : هو صحة تقسيم الأمر،

 

 

إذ أفاد المشهور أن صحة تقسيم الأمر على الوجوب والاستحباب دليل على كون ان لفظ مادة الأمر موضوعة لهذا المراد،

 

 

بعبارة أخرى: عندما قسموا الأمر إلى الإيجاب والاستحباب فهذا يعني إشارة إلى دليل القول بوضع الأمر لمطلق الطلب، الجامع بين الوجوب والاستحباب،

 

 

 

وحاصل ما أفادوا: الأمر أما للوجوب أو الاستحباب دليل على كون الموضوع له هو الجامع بينهما، وإلا فلا معنى للتقسيم إليهما، إذ لا بد في صحة التقسيم وجود مقسم في جميع الأقسام،

 

 

إلا أن صاحب - الكفاية - أورد عليهم بما حاصله: إن التقسيم المذكور إلى الفرد الحقيقي والمجازي غير صحيحة عند أهل التحقيق، يعني أن التقسيم إلى الوجوب والاستحباب لا يدل على أكثر وأزيد من إرادة الجامع، جامع الطلب من المقسم اعني به الأمر، وأما كون هذه الإرادة بنحو الحقيقة كما هو المدعى، فلا دلالة للتقسيم المذكور عليه أصلا، لكون الاستعمال اعم من الحقيقة كما هو معلوم،

 

 

 

هذا ما أفاده الآخوند على الدليل أو الأمر الأول، وقولهم صحة التقسيم دال كما أعلاه،

 

 

 

ويمكن صياغة الكلام بنحو آخر: بتقريب ان لا كلام في ان الاستعمال، استعمال الأمر في كل من الوجوب والاستحباب فإن كان موضوعا للجامع، لجامع الطلب فهو المطلوب، وأن كان حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك وأن كان حقيقة في أحدهما لزم المجاز في الآخر، وكل من الاشتراك اللفظي والمجاز خلاف الأصل فتعين الأول حسما لمادتي الاشتراك اللفظي والمجاز،

 

 

 

إذن: قول المشهور في الاعم رده الآخوند، لأننا إذا أردنا أن نقسم تقسيما ما، فليكن الإنسان مثلا فنقول ينقسم إلى ذكر وأنثى، وكما ترى الذكر معنى حقيقي والأنثى معنى حقيقي آخر لا معنى مجازي في قباله، يعني عند أهل التحقيق لابد قبل التقسيم ان نلحظ المقسم أما أنه على نحو الحقيقة كلاهما أو على نحو المجاز كلاهما، ولا يصح أن يكون أحدهما حقيقيا والآخر مجازيا،

 

 

 

ومادة الأمر كذلك لا يصح أن يقال عنها تتحصص بحصة حقيقية وجوبية وأخرى مجازية استحبابية، وعليه التقسيم المذكور غير صحيح،





وبعد إجابة الآخوند الخرساني، السالفة على ما أفاده المشهور،

واجه إيراد الآخوند ثلاث تعليقات اعتراضية من قبل الماتن.

بما حاصلها : يفترض على المستدل ان يسلم أولا. إن يكون تقسيم المقسم وهو مادة الأمر حقيقي، لأن تقسيم الفرد على حصتين حقيقية ومجازية ساقط رأس على عقب. ومع التسليم وكونه حقيقيا - اي المقسم- تعين الاستعمال أيضا حقيقيا لا الأعم.

 

 

والاستعمال بالأعم ان كان ضمن أفراده مجازيا فلا بد من احتياج قرينة للصرف. والمفروض عدمها كما هو المدعى وكونه حقيقيا.

الكلام كل الكلام : إن التقسيم للوجوب والمستحب أو قل مادة الأمر المستعملة في الوجوب والاستحباب. بنحو حقيقي - اي المقسم - لمادة الأمر يصح بناء على فكرة الماتن التي عبر عنها - بالتضمين الوجداني - للمعنى الأعم. وأما إجابة الآخوند صحيحة بالتضمين للزوم. وهما أول الكلام ولا يمكن أخذ أحدهما دليلا على نفي الآخر. لأن الآخوند في نقضه احتمل المجازية في المقسم. وهذا الاحتمال لا نعرف مصدره.

إذ ربما أخذ بالمقسم الحقيقي الأعم بعد التضمين الوجداني )



قال في الماتن:

 

 

ثانيا: في الجواب على أصل الوجه - وهو يتم على طريقة المشهور :

أنه لا بد من فرض عدم القرينة في المرتبة السابقة على التقسيم. في حين لم يلتفت إليها المستدل وحتى لو لم تكن موجودة فهذا أعم من الحقيقة والمجاز المشهور.

 

 

ثالثا: إن هذا التقسيم قد يكون اصطلاحيا غير لغوي. ولذا وقع في لغة الفقهاء دون لغة العرف وما هو حجة على الوضع هو الاستعمال اللغوي لا الاصطلاحي.

 

رابعا: إننا لو تنزلنا عن ذلك لم يكف إلا كقرينة ناقصة. كما قال الشيخ الآخوند: أنه قرينة على إرادة الأعم، وليس ذلك من علامات الحقيقة والمجاز . وتلك أسبق منها رتبة وهي صحة السلب وعدم صحته عن الحصة الاستحبابية.



أقول ( افاد الماتن. أنه لابد من إفتراض عدم القرينة في المقسم قبل التقسيم - تقسيم مادة الأمر - في رتبة سابقة لتصحيح أصل التقسيم في مادة الأمر للاعم الذي قالوا عنه يقسم إلى الإيجاب والاستحباب. و هذه اللابدية لم يلتفت إليها المستدل حيث ذهب صوب التقسيم. بل وحتى لو افترضنا وجود هذه القرينة فهي اعم بالمقسم من الحقيقة والمجاز المشهور.

 

 

أضف إلى ذلك. إن التقسيم السابق يحتمل كونه من التقاسيم الإصطلاحية ولذا وقع في في إستعمالات ألسنة الفقهاء. دون العرف والحجة على الوضع هو الاستعمال اللغوي لمادة الأمر لا الاصطلاحي.

 

 

ومع التنزل عن كل تلك الملاحظات. فإذا قلت: بإن تقسيم الأمر إلى الإيجاب والاستحباب قرينة على إرادة معنى المقسم

 

 

قلنا: إن هذه القرينة ناقصة ومحتملة لا تامة يمكن الركون إليها على إرادة معنى الاعم بالمقسم. وهذا ما نبه إليه الآخوند

 

 

وكيف كان: هذه القرينة الناقصة بالتقسيم وإرادة المقسم ليس من علامات الحقيقة والمجاز التي تكون أسبق رتبة بالتبادر من التقسيم )


قال الماتن:

 

 

الدليل الثاني: - على الوضع للأعم - ما أفيد - كما في الكفاية - من أن الإستعمال فيها ثابت، بعني الوجوب والاستحباب. فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو المجاز.

 

 

ويلزم الإشتراك اللفظي فيما لو كان موضوعا لكل منهما على حدة. والمجاز فيما إذا كان موضوعا لأحدهما دون الآخر ، يعني اللزوم دون الاستحباب.

 

 

وحيث أن كان كلا الأمرين أعني الاشتراك أو المجاز خلاف الأصل، إذن: تعين الوضع للجامع، أو الإشتراك المعنوي وهو المطلوب.

 

 

وأجاب عليه الشيخ الآخوند باقتضاب: بإنه غير مفيد لما مرت الإشارة إليه في تعارض الأحوال فراجع. ومرجعه إلى منع الكبرى وهي تعين الاشتراك المعنوي عند الدوران بين هذه المحتملات الثلاثة. فلا يتعين ذلك بل يبقى المجاز محتملا.

وجوابه من وجوه:

 

 

أولا: ما قلناه من حاجة المجاز إلى القرينة وهي غير مفروضة الوجود في المقسم.

 

 

ثانيا: ما قلناه من قبح استعمال المجاز في الأمور الدقية والتحقيقية.

ثالثا: أنه إن تردد الحال بين النحوين من الاشتراك فهذا بمجرده ينفي المجاز، وهذا يكفي لثبوت الوضع للحصة الاستحبابية على اي حال، أما وحدها أو للجامع. ولا يهم كوم التقسيم تقسيما للمتباينين أو للمتجانسين. وإنما المهم هو إثبات كون التقسيم حقيقيا، وبكلا الاشتراكين يثبت ذلك.

 

 

أقول ( وهذا الدليل هو الإشارة إلى الوجه الثاني الذي ذكره صاحب - الكفاية - من قوله أمرين: وهو استدلالهم على الوضع بالأعم بدلالة الإستعمال. إستعمال وضع الأمر للجامع. من أنه: الإستعمال فيهما اي في الوجوب والاستحباب. ثابت. ولو لم نقل ذلك ولم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما - بين الوجوب والاستحباب - لزم الاشتراك اللفظي أو المجاز،

 

 

وكلا هذين اللازمين معلوم البطلان. لأنه خلاف الأصل.

 

 

إذن: تعين وضع اللفظ، لفظ مادة الأمر. للجامع أو الاشتراك المعنوي. ومعنى ان الأمر مشترك معنوي بمعنى أنه وضع لمعنى جامع بين الوجوب والندب. حذرا من الاشتراك اللفظي المخل بالمقصود، وعن المجاز لانه خلاف الأصل،



وأجاب صاحب - الكفاية - بشكل سريع على ذلك، بان ما ذكر غير مفيد لتعارض أحوال اللفظ لما مرت إليه الإشارة في الجهة الأولى - ويقصد في كتابه الكفاية –

 

 

ومحصل الجواب كالآتي: أنه لا مجال لهذا الاستدلال بعد ابتنائه على الترجيح بالوجوه في باب تعارض الأحوال،

 

 

بعبارة أخرى: أن للفظ أحوال خمسة، وهي :

 

أولا : التجوز.

 

ثانيا: الاشتراك.

 

ثالثا: التخصيص.

 

رابعا: النقل.

 

خامسا: الإضمار.

 

إذ قال الآخوند: ولا يكاد يصار أحدها فيما إذا دار الأمر بينه - اي بين أحد هذه الأحوال وبين المعنى الحقيقي - إلا بقرينة صارفة عنه إليه - اي عن المعنى الحقيقي إلى أحد الأحوال الخمسة - لأصالة الحقيقة التي هي شرط في العدول،

 

 

وأما إذا دار الأمر - والكلام لصاحب الكفاية بتصريف - بينهما أي بين نفس الأحوال الخمسة في انفسها لا بينها وبين المعنى الحقيقي، فالاصوليون وأن ذكروا لترجيح بعضها على بعض كترجبح المجاز على الاشتراك لكثرته بالاستعمال ونحو ذلك، إلا أنها إستحسانية. لا إعتبار لها، إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك الظهور،

 

 

والمتحصل: أن مجرد الاستعمال في الجامع لا يكون دليلا على وضع لفظ الأمر له. لان الاستعمال اعم من الحقيقة كما هو معلوم، هذا أولا: وترجيح الاشتراك المعنوي على سائر الاستعمالات مجرد استحسان. ثانيا: ومعارض بترجيحات أخرى ثالثا:



وعليه: يبقى المجاز محتملا، لمنع الكبرى. وهي تعين الاشتراك المعنوي عند الدوران بين هذه المحتملات،

 

وقد أجاب الماتن بوجوه:

 

أولها: قلنا فيما سبق من حاجة المجاز لقرينة وهي غير مفروضة في المقسم لان المستدل لم يلتفت إليها أصلا،

 

ثانيها: ليس في منطق العلم والبحث المنهجي العلمي الموضوعي ان نستعمل المجاز في الأمور الدقية التحقيقية. لان غرض المحقق رفع وكشف اللثام عن المعاني لا ان يستعمل المجاز في البحث والشرح والإستنتاج،

 

 

ثالثها: إن مجرد التردد بين الاشتراك اللفظي والمعنوي فهو يخرج المجاز من المورد، وهذا كاف لثبوت الوضع في الحصة الاستحبابية. سواء وحدها على نحو الحقيقة أو للجامع بينها وبين الحصة الوجوبية، بصرف النظر عن التقسيم سواء كان تقسيما مباينا - مثل للفظ العين فأنها وأن اتفقت باللفظ إلا أنها اختلفت بالمعنى - أو متجانسا - اللفظ الواحد لمعاني متعددة - المهم هو إثبات لفظ مادة الأمر قسمت على نحو حقيقي بين الطلب الوحوبي والطلب الأستحبابي وهذا كاف بالمطلوب )



قال في المتن:

الدليل الثالث: الاستدلال بإن فعل المندوب طاعة، وكل طاعة فهي فعل المأمور به، إذن فالمندوب فعل المأمور به ، إذن: فالأمر موضوع لما يعم المندوب. وهو المطلوب.

 

 

أجاب عليه الشيخ الآخوند بمنع الكبرى، وهي قولهم : أن كل طاعة فعل المأمور به الحقيقي. بل هي الأعم من الحقيقي والمجازي أو هو محتمل المجازية. فنمنع الكبرى إذا أريد به خصوص الحقيقي، ولا يفيد إذا كان أعم من ذلك.

 

 

وأحسن ما يجاب به على ذلك، ويعم الجواب أصل الدليل وجوابه: ما قلناه عن التضمين. الوجداني. فإن كان الأمر مضمنا معنى الإلزام سقطت الكبرى، كما قال الشيخ الآخوند. وأن كان مضمنا معنى الأعم. صحت. وأخذ التضمين المقابل لا يفيد في الإستدلال لأن كليهما أول الكلام.

 

 

إلا أنه مع ذلك. لا يتم لأنه من الاستدلال بالمعلول على العلة. لأن مرتبة صدق الصحة والامتثال متأخرة رتبة عن صدق الأمر. ولو كانت علل حقيقية لأمكن الاستدلال. غير أن تقدم الرتبة حقيقي. إلا أن العلية عرفية وليست حقيقية. إذ من الواضح أن عنوان الطاعة. عنوان انتزاعي. وليس معلولا حقيقيا لعنوان الأمر.



أقول ( نقل الماتن ما ذكره صاحب - الكفاية - واستدلالهم حول مادة الأمر. إذ قالوا : إن فعل المندوب طاعة - صغرى - وكل طاعة فهو فعل المأمور به - كبرى - فيكون فعل المأمور المندوب مأمورا به - نتيجة - فيثبت بذلك وعلى ضوء هذا القياس من الشكل الأول. إن الأمر لا يدل على الوجوب وعليه فأما أن يكون مشتركا لفظيا بينه وبين الندب أو مشتركا معنويا بينهما، وأن قال صاحب - منتهى الدراية - هذا من أدلة الاشتراك المعنوي. وهذا القياس برهان على وضع الأمر للطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب،

 

 

وكما ترى صحة استدلال هذا القياس منوط بكلية كبرى التي هي شرط إنتاج الشكل الأول كما قرر في محله.



 


فقه أصول المنهج (18)

 

 

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات