عز الدين البغدادي
قبل سنتين أو أكثر
اتصل بي احد الأصدقاء وسألني عن رأيي في قصة امرأة يعرفها وهي مطلقة رجعية في
عدتها (أي أن طلاقها رجعي وليس بائنا يجوز للزوج ان يرجع إليها دون عقد جديد، وهذه
في حكم الزوجة حتى تنقضي عدتها) ذكرت له بأن احد الأشخاص زنا بها، وأن هذا الشخص
فعل ذلك رغما عنها، عندما استدعته للقيام بعمل في بيتها، إلا أن هذا الشخص رجع ليخطبها
بعد أن خرجت من عدتها.
قلت له بأن المشهور أن المرأة تحرم عليه، لكن لا
يوجد دليل صالح يمكن الاستناد به، فيجوز لها أن تتزوج منه لا سيما وأن هناك بعض
المعاصرين (وذكرت له الشيخ الفياض) لا يرى حرمة ذلك يمكن الاستناد الى فتواه تخلصا
من القيل والقال. بعدها اتصلت المرأة وسألتني عن الموضوع لأنها تريد أن تسمع مني
مباشرة، ووضحت لها ذلك.
وأمس سألني أخ عزيز
عن هذا الفديو لجناب السيد رشيد الحسيني وهو يجيب عن نفس المسألة ويطلب رأي فيها،
فأجبته:
من المسائل التي
انفرد بها الامامية مسألة تقول "من زنا بذات بعل حرمت عليه مؤبدا" فأي
شخصن زنى بامرأة متـزوجة ولو كان زواجاً منقطعاً، فإنها تحرم عليه مؤبداً، فلا يحل
له أن يتزوجها بعد ذلك إذا فارقها زوجها أو توفي عنها.
وهذا هو المشهور، بل
كاد ان يكون إجماعا، إلا أن المحقّق الحلي في "شرائع الإسلام" ذكر
المسألة وقال بأن هذا هو المشهور، وهو ما يشعر بتردّده في المسألة، لذا قال الشهيد
الثاني زين الدين العاملي في تعليقه على كلام المحقق " إنما نسبه إلى الشهرة
مع عدم ظهور المخالف لعدم وقوفه على مستند صالح له من النص، وعدم تحقق الإجماع على
وجه يكون حجة".
عوما من ذهب الى
التحريم ذكر أدلة، يمكن أن نقف عندها، وهي:
ما ورد في كتاب الفقه
الرضوي المنسوب إلى الإمام الرضا (ع) حيث جاء فيه: ومن زنا بذات بعل محصناً كان أو
غير محصن، ثم طلقها زوجها أو مات عنها، وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها، لم تحل
له أبداً.
إلا أن نسبة الكتاب إلى
الإمام الرضا (ع) أمر مشكوك به، فلم يثبت ذلك، واشتهر القول بأنه رسالة كتبها
الشيخ ابن بابويه القمي إلى ولده الشيخ الصدوق، وقيل غير ذلك.
نعم هناك من وجه الاستناد
للرواية بدعوى أن القدماء لا سيما الصدوقين كانوا يفتون بنصوص الروايات، فتكون
الفتوى بحكم الرواية مرسلة، إلا أنه حتى لو سلمنا بذلك فإن الرواية تبقى ضعيفة من
جهة الإرسال.
وهناك من احتج
للتحريم بالإجماع الذي ادعاه عدد من أهل العلم، ومنهم المرتضى حيث قال في "الانتصار":
والحجة في ذلك إجماع الطائفة" إلا أن هذا الإجماع غير متحقق، كما ان المعروف
عندهم بأن الإجماع ان كان مدركيا ولو احتمالا (اي ان يكون الإجماع مستندا على فهم
الفقهاء لرواية ما ) فانه لا يكون حجة، وان كنت شخصيا لا آخذ بهذا الرأي.
ومنها: ما قيل من
وجود روايات لم تصل إلينا، حيث قال الشريف المرتضى: وقد ورد من طرق الشيعة في حظر من
ذكرناه أخبار معروفة.
إلا أن هذه الدعوى
غير مقبولة لأن الفقيه يتعامل مع رواية موجودة عنده ينظر في سندها ومتنها
ودلالتها، وأما وجود رواية لم تصله فإنها في حكم العدم فلا تكون حجة. مع ان السيد
الخوئي رد على ما قاله، فقال: حيث لم ترد ولا رواية ضعيفة تدلّ على مدعاه.
وهناك من تمسك
بالأولوية القطعية، أي أن يستفاد من ثبوت الحكم في مورد ما ثبوته في مورد آخر من
باب أولى، فقيل بأنه لما كان كان الزواج بذات بعل يوجب حصول الحرمة بينهما كما دلت
عليه الروايات، فمن باب أولى أن تتحقق الحرمة فيما لو زنا بها لأن الزنا أقبح ويناسبه
التشدد في النتائج والآثار المترتّبة عليه.
وأجيب عنه، بمنع
الأولوية، لأن الأولوية لا تكون إلا مع فهم واحاز مناطات الأحكام، وهذا غير ممكن
لا سيما مع القول بأن هذه أحكام تعبدية. كما الزواج قد يكون اقبح إذا كان عن علم
وعمد، لأنه يتزوج امرأة متزوجة وهو أقبح من الزنا.
وعلى هذا، والنتبجة
ومع عدم وجود دليل على الحرمة فإنه يكون الرجوع إلى الأصل، وإلى عموم قوله تعالى:
( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) لا سيما وأنها جاءت بعد ذكر المحرمات ( حرّمت عليكم
أمهاتكم وأخواتكم …… )، فضلا عن روايات تؤيد الإباحة من قبيل ما روي عن الامام
الصداق (ع) بسند صحيح: أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالاً، قال: أوله
سفاح وآخره نكاح، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ثم اشتراها بعد
فكانت حلالا.
وهو ما ذهب اليه عدد
من المعاصرين منهم الشيخ الفياض والسيد فضل الله والفاضل اللنكراني السيد صادق
الروحاني والسيد كمال الحيدري والسيد كاظم الحائري وآخرون، ونقل لي بعض الإخوة ذلك
عن كلام للسيد الصدر الثاني وغيرهم من الإعلام، وهو رأيي.
وأما ما ذكره جناب
السيد الحسيني في إجابته عن مفارقة الرجل لها والتزامها بالعدة ثم إنشاء عقد جديد
بعد ذلك، فهذا غير مفهوم لأن زواجه منها إما أن يكون مشروعا فلا يكون هناك وجه
للعدة وتكرار العقد وإما أن لا يكون كذلك فلا يصححه العقد الثاني، اللهم إلا إذا
كان هناك إشكال في صيغة العقد أو في شروطه من غير هذه الجهة، وهو ما لم يذكره في
السؤال.
بقي ان اشير الى امر
يتعلق بالوعي الاجتماعي لبعض الفقهاء والمشايخ، فإهمال الجانب الاجتماعي وعدم
ملاحظته هو أمر خطير لا سيما وأن هذا الزواج يمكن أن ينتج منه أطفال، والإفتاء
بالتفريق تدمير للأسرة لا سيما المرأة والأطفال. كما ان على من ينقل الفتوى من
المشايخ بغض النظر عن مضمونها وتوجهها يفترض فيه أن يتعامل مع الكثير من الأمور
بطريقة عقلانية ومتفهمة لطبيعة السلوك البشري، وأذكر هنا أن شخصا اتصل بي وهو
عراقي يقيم في الخارج وسألني عن هذه المسألة حيث ابتلي بها ولم يكن يعرف الحكم،
والمشكلة كما قال أن هناك معممين يستفسر منهم فبدل أن يجيبوه فإنهم يوبخونه وأحدهم
اغلق الهاتف في وجهه، وهذا خطأ كبير، بل ينبغي بيان الحكم له دون اهانة لا سيما
وأن مجرد سؤال الشخص عن حكم شرعي يعني بأنه انسان مؤمن يريد أن يبرئ ذمته، وفي
الخبر: اذا قارف اخوكم ذنبا فلا تكونوا اعوانا للشيطان عليه.
0 تعليقات