علي الأصولي
يرى هذا الاتجاه: أن
تبادر الوجوب من صيغة - أفعل - بما هي وبلا قرائن لفظية ، لا يمكن أن نسلم بها،
بل غاية ما يمكن
قبوله مع هذه الصيغة هو أن المتكلم في رتبة سابقة مما يحكم العقل بلزوم امتثال
أمره بلحاظ مولويته، وأما الصيغة بما هي هي فهي حاكية عن تعلق إرادة المتكلم،
الآمر بالأمر، فلا نلتفت إلى وجوب هذه الصيغة إلا بعد إثبات لزوم الطاعة أولا،
يعني أن استفادة الوجوب لا نأخذها من حاق الصيغة ولفظها، إذ كنا نحن والصيغة فهي
لا تدل على أكثر من النسبة الطلبية، ولولا العقل لما تحرك المكلف للامتثال، فلا
المدلول الوضعي للصيغة. ولا التبادر المحاوري هو المحرك، إذ أن المنشأ هو الحكم
العقلي القطعي بلا بدية الإتيان بالمراد المولوي المعلوم المرادية،
بعبارة ثانية : أن المدلول الوضعي للصيغة ليس هو إلا
إنشاء النسبة الطلبية المظهرة للإرادة الآمرية، وأما كطلب إلزامي وندبي فلا يمكن استفادته
من حاق اللفظ،
إذن: نحن والعقل، ما
لم نحرز ترخيص المولى بالترك،
ومع إحراز الترخيص
بالترك يستكشف العقل ان الطلب المولوي ليس الزاميا، بل هو من الطلبات الندبية،
وعلى ذلك طبع الطلب
بحكم العقل إلزامي - انظر ميزان الأصول للسيد راغب آل كمونة بتصريف ج٢ )
قال الماتن:
أقول : أنه بعد
التنزل عما قلناه، فإن للمحقق النائيني أن يجيب ببعض الوجوه:
أولا: إن عدم بيان الترخيص بيان العدم،
ثانيا: إن عدم بيان الترخيص مأخوذ طريقا إلى بيان
كون الإرادة قوية في نفس المولى،
وكلاهما غير تام : أما
الأول، فواضح العدم عرفا، وأما الثاني: فلأن أخذ البيان طريقا ممكنا، أما كون عدم
البيان هو الطريق، فغير صحيح لأنه أعم،
فإن قلت: فإنه لو
أراد الترخيص لبين ولم يبين،
قلنا: عدم الورود لا
يدل على عدم الوجود،
إلا أن جواب أستاذنا
لا يتم إلا مع عودته إلى جوابنا. أما إذا تنزلنا عما قلناه، فإنه يكفي أن يكون نفس
الأمر ظاهرا، بشدة الإرادة المولوية، لا بنحو الدلالة الوضعية بل السياقية
العقلائية،
أو قل: إن الأصل هو
شدة الإرادة، ما لم يصدر الترخيص. ويكفيه أن يؤمن السيد الأستاذ بأن السيرة
العقلائية على ذلك، - وهي غير السيرة على الوضع كما سبق - غير أننا قلنا أنه لا
يحتمل أن يكون الأمر موضوعها أو موضوع حكم العقل هو الأعم، بل هو خصوص الحصة
اللزومية. فينعكس الحال، فيما لو كان الآمر موضوعا للأمر . إذ يحتاج اللزوم عندئذ
الى إقامة القرينة وليس الاستحباب.
أقول ( الماتن أعلاه
حاول التبرع بالجواب عن المناقشة التي عرضها سابقا بإيراداتها الثلاثة، في خصوص
عدم بيان الترخيص. إذ يمكن أن يقول المحقق النائيني: ان المولى لم يبين الترخيص
ومعه فهو بيان بالعدم، ولا اقل القول، ان عدم بيان الترخيص، فهو طريق لمعرفة كشف
الإرادة الشديدة للمولى، وكلا الوجهين لا يتمان بنظر الماتن:
وعدم التمامية، وأن
كان عدم بيان الترخيص بيان للعدم عرفا ومنه نفهم أن هذا العدم - عدم البيان - بالترخيص
من الإمكان ان نستكشف شدة الإرادة بالترك، في نفس المولى، غير ان اتخاذه طريقا
للاستكشاف بهذا الوسع الوسيع، غير صحيح لأن عدم البيان أعم من الترك وحصة الإرادة
قوة وضعفا، فكيف لنا إحراز ما في نفس المولى،
فان: قيل لو كان
لبان،
قلنا: ان عدم الورود
الترخيصي لا يدل على عدم وجود الترخيص،
ومن هنا قال الماتن،
أن جواب أستاذنا لا يتم على المحقق إلا بعد الرجوع لجوابنا، اي مع وجود - أو قل
إفتراض الجواب النائيني الفرضي –
ويمكن أن نتنزل عن كل
المناقشات، فإنه يكفي بالرد على مبنى المحقق النائيني، بالقول: أن نفس الأمر
المولوي ظاهرا بشدة في الطلب، وهذا يمكن ملاحظته بالقرينة السياقية العقلائية،
بصرف النظر عن الدلالة الوضعية،
بعبارة أخرى: أن
الأصل هو شدة الإرادة، ما لم يصدر ترخيص ما، وهذا كاف بملاحظة السيرة العقلائية )
قال الماتن:
ويرد عليه عدة وجوه:
أولا: أن هذه النتيجة
تصح لو كانت الدلالة إطلاقية لمقدمات الحكمة، لأن الدليل الأخير، إن كان بالاطلاق
تعارضا وتساقطا، وإن كان بالعموم تقدم العموم وصلح أن يكون قرينة على الإطلاق،
وكان وأردا عليه، كوروده على حكم العقل، لأن مقدمات الحكمة معلقة على عدم البيان
والعموم يصلح للبيان، كما أن حكم العقل معلق أيضا،
ثانيا: للشيخ
النائيني أن يقول: إن القرينة - وهي الدليل الثاني - متاخر مرتبة عن حكم العقل.
نعم، لو كان الدليلان
سابقين عليه لتم الإشكال. ولكن حكم العقل وأن كان متأخرا رتبة على الأمر، إلا أنه
لصيق به عرفا وعقلائيا. بحيث يكتسب منه دلالة مطابقية. وأن لم تكن وضعية. وعندئذ
يكون حكم العقل متقدما رتبة على الدليل الثاني، فيرد الدليل الثاني بعده، فلا يكون
حاكما عليه، بل العكس،
ثالثا: للفقيه أن
يقبل بعدم وقوع التعارض، بين الدليلين، لدلالة الخاص على الأستحباب والعام على عدم
الوجوب. إلا أننا نفهم من عدم الوجوب: الإباحة. وهذا أمر خارج عن محل الكلام، فلو
ورد الأمر بمادته في الخاص - ونحن نقول بوضع المادة للأعم - بدون قرينة على الحصة
اللزومية، لزم هنا القول بعدم التعارض. وأن التخصيص المشار إليه باعتبار هيئة
الأمر لا مادته،
أقول ( وهنا أورد
الماتن على نقض أستاذه السالف الذكر، بثلاثة وجوه،
هذه الوجوه هي:
إن قول السيد محمد
باقر الصدر بلزوم رفع اليد عن دلالة الأمر على الوجوب على مبنى المحقق النائيني - والاستشهاد
بمثال إكرم الفقيه ولا يجب إكرام العالم - وبالتالي الجمع بين هذين النصين، وكون
دلالة الوجوب يلزم ويشترط في كونها لفظية أو إطلاقية مادة أو هيئة، وحل التعارض
حينئذ بالقرينة المقيدة،
صحيح وتام، فيما لو
كانت الدلالة الإطلاقية استفدناها بمقدمات الحكمة، لأن الدليل الأخير - لا يجب
إكرام العالم - ان كان بالإطلاق فمعلوم السقوط بالتعارض، وأن كان بالعموم فالعموم
مقدم وهو صالح بأن يكون قرينة على الإطلاق، وكان وأردا عليه، ولا ننسى بأن مقدمات
الحكمة شغلها هو التعرف على إرادة المتكلم، للإطلاق من اسم الجنس، فهو كالتقييد
خارجان عما هو الموضوع له اسم الجنس، كما هو المعروف بين الأصوليين بعد سلطان
العلماء،
وكيف كان: لقرينة
الحكمة مقدمات متى ما توفرت عرفنا أن المتكلم أراد الإطلاق ومتى ما اختلت بعض
المقدمات يكون إستظهار إرادة الإطلاق غير ممكن في المقام،
المقدمة الأولى: هي
إحراز عدم المانع من تقية ونحو ذلك عند المتكلم،
المقدمة الثانية: إحراز
كون المتكلم في مقام البيان لا ان يكون في مقام الإهمال أو الإجمال،
المقدمة الثالثة: أن
لا ينصب المتكلم قرينة على التقييد، وعند الآخوند بأن المانع من انعقاد الظهور في
الإطلاق هي القرينة المتصلة، بخلاف المنفصلة، والمحقق النائيني وتلميذه المحقق
الخوئي ذهبا إلى الأعم، على تفصيل ليس هنا محله،
وكيفما كان: أن
مقدمات الحكمة معلقة على عدم البيان والعموم يصلح للبيان، كما أن حكم العقل معلق
أيضا،
أضف إلى ذلك إفترض
الماتن جوابا تبرعيا للمحقق النائيني مفاده: يمكن أن يقول الشيخ المحقق النائيني،
إن القرينة وهي الدليل الثاني نلحظه بالتأخر الرتبي، عن حكم العقل،
نعم لو كان الدليلان
اللذان مر ذكرهما، لهما السبق على حكم العقل لتم الإشكال، وأن كان متأخرا رتبة على
الأمر،
غير اننا نرى
الالتصاق العرفي العقلائي بين حكم العقل وبين الأمر
بل يمكن للفقيه ان
يدعي بعدم وجود التعارض اصلا لدلالة الخاص - اكرم الفقيه - على إستحباب الاكرام
والعام - لا يجب إكرام العالم - على الإباحة وهو عدم الوجوب، وهذا خارج ما نحن
فيه،
نعم، لو ورد الأمر
بمادته في الخاص - ونحن نقول بوضع المادة للأعم - بدون قرينة على الحصة اللزومية،
لزم هنا القول بعدم التعارض. وأن التخصيص المشار إليه باعتبار هيئة الأمر لا مادته
).
0 تعليقات