آخر الأخبار

فقه أصول المنهج




 

 

 

علي الأصولي

 

 

 

قال الماتن:

 

 

أقول: كان ينبغي القول: بأنه لم ينحصر وجه الدلالة بالوضع، وليس السيرة ، لأن السيرة ليست فرعا عن الوضع، لأنها غير العرف اللغوي، وبينهما نسبة العموم من وجه،

 

 

وعلى اي حال، فتعليقنا على كلام السيد الأستاذ إلى هنا: إن كان هناك دليل على الوضع، فإنما هو بأدلة الحقيقة والمجاز. كالتبادر، وهو أسبق رتبة من السيرة، كما هو أسبق رتبة من الإطلاق وحكم العقل،

 

 

فإن تم التبادر لم نحتج إلى شيء من ذلك، لإثبات ظهور المادة، وإن لم يتم كفت السيرة لو كانت، ولكننا نفيناها. ولكنها لا تدل على الوضع وإنما تدل على التسالم على ترتيب الأثر على الوجوب، ولو باعتبار الاستعمال مجازا. وهو ممضي على الفرض،

 

 

غير أنه من الواضح أن نفي الإطلاق ونفي حكم العقل. لا يعين الظهور بالوجوب مع عدم التبادر ولا السيرة. ومع وجود التبادر أو السيرة لا حاجة إلى هذين الأمرين. لوضوح أن ملاكه يكون هو النصوصية وليست الإطلاق ولا حكم العقل.

 

 

نعم، لو ثبت الإطلاق أو حكم العقل مع ثبوت السيرة كان وجها، ولو أنتفت السيرة والوضع كان الإستعمال مجازيا على الفرض. فلا يكون موضوعا للإطلاق ولا لحكم العقل فتأمل،

 

- إشارة إلى أن الاستعمال في الوجوب حقيقي على كل حال، سواء كان موضوعا للأعم أو للأخص، نعم لو كان موضوعا للأعم واستعمل في الحصة بشرط لا عن الزيادة كان مجازا. وحيث كان ثبوت الاحتمال الأول، متوقفا على نفي الاحتمالين الآخرين، فقد بدأ السيد الأستاذ من الاحتمال الأخير. وهو أن تكون الدلالة على الوجوب بحكم العقل،



أقول ( اعترض الماتن على أستاذه في مسألة وجه الانحصار في السيرة لأنها ببساطة اي السيرة لا تتفرع من الوضع أو قل هي ليست عرفا لغويا في المقام، وبينهما نسبة العموم من وجه اي من جانب، على ما يعبرون منطقيا ،



وكيف كان: يفترض على السيد الشهيد الصدر الأول، أن يستدل على مدعاه - إذا كان هناك دليلا على الوضع - بأدلة الحقيقة والمجاز وما يفهم من التبادر الذي هو أسبق رتبة من دعواه وتمسكه بالسيرة، بل وأسبق حتى من الإطلاق وحكم العقل، إذ أن التبادر يلحظ أن الأمر دليل الوجوب فحسب،

 

فإن تم فلا حاجة بعد والتوسل باي طريق آخر،

 

وهذه السيرة التي تمسك بها أستاذ الماتن - اعني به السيد محمد باقر الصدر - مخدوشة بل منفية لا اقل بلحاظ أن استعمال مادة الأمر نادرة والنادر كالمعدوم لا تنعقد به السيرة،

 

 

نعم، غاية ما يمكن أن يستدل بالسيرة هو التسالم، على ترتيب الأثر على الوجوب،

 

 

ومع نفي الإطلاق ونفي حكم العقل فالوجوب لا يمكن أن نستفيده ما لم يكن هناك تبادر وسيرة، ومع وجود التبادر والسيرة فنحن في غني عن فرض أي محتمل آخر،

 

 

ويكون والحال هذا، ملاكه يستفاد من النص وليس من الإطلاق او حكم العقل )


قال في المتن:

 

قال: وخلاصة ما أفاده المحقق النائيني في توضيح ذلك:

 

إن المدلول اللفظي للصيغة أو المادة هو الطلب،بمعنى تصدي المولى إلى تحصيل هذا الفعل من المكلف، فإن بين المولى الترخيص بالترك لم يكن موضوعا لحكم العقل، بوجوب الطاعة والتحرك نحو الامتثال، وأما إذا لم يبين الترخيص اتصف الأمر بعنوان الوجوب. فالوجوب يأتي في الرتبة المتأخرة عن الأمر ، وليس اللفظ دالا عليه،

 

ويمكن مناقشة ذلك بعدة وجوه:

 

 

أولا: أنه أخذ في هذا الوجه مسلما عدم دلالة الأمر على الوجوب. ولم يبرهن فيه على ذلك. وإنما تكلم بناءا عليه،

 

وكل دليل يدل على الوجوب وضعا أو إطلاقا أو قرينة أو تضمينا، يكون حاكما عليه.

 

 

ثانيا: إن عدم بيان الترخيص لا يعين الاستعمال في الحصة الوجوبية، بل المفروض أن الاستعمال مطابق للوضع، وهو الجامع. ومع الاستعمال في الجامع وقصده. كيف يكون موضوعا لحكم العقل. بالامتثال. فإن ما هو موضوع لحكم العقل ليس هو بيان الجامع، بل هو خصوص الحصة الإلزامية.

 

 

ثالثا: إن المفروض بالدلالة اللفظية أن الشارع بين الجامع، وكأنه بين الترخيص. غاية الأمر أن بيان الترخيص تارة بالخصوصية وأخرى بالإطلاق، فلا يتعين الإلزام من قبل الشارع، لتجب طاعته عقلا.

 

 

أو قل، إنه بين الترخيص بالإطلاق، وبيانه حاكم على حكم العقل بوجوب الطاعة.



أقول ( المحقق النائيني كما في - اجود التقريرات ج١ - والمحقق الخوئي كما في - محاضرات أصول الفقه - ذهب إلى أن دلالة ملاك الأمر للوجوب فهمناها بحكم العقل، بمعنى أن الوجوب ليس من مدلولا للدليل اللفظي، وإنما مدلوله - اي مدلول الأمر - مادة أو هيأة - هو مطلق الطلب - الأعم من الوجوب - وكل طلب لا يقترن بالترخيص في المخالفة يحكم العقل بلزوم امتثاله - وهنا ينبغي ملاحظة أن العقل حسب مراد الأصوليين وحكمه هو كاشفيته لا حكمه حكم المولى إذ العقل ليس مولى حتى يحكم أو لا يحكم ويطاع في أحكامه -.المهم ان كل طلب لا يقترن بالترخيص في المخالفة يحكم العقل بلزوم امتثاله، وبهذا اللحاظ يتصف بالوجوب، بينما إذا اقترن بالترخيص المذكور لم يلزم العقل بموافقته وبهذا اللحاظ يتصف بالاستحباب - راجع الحلقة الثالثة بتصريف مني -



وقد ناقش الماتن دعوى المحقق النائيني، بما حاصلة:

 

 

إن المحقق أخذ هذا الوجه مسلما بعدم الدلالة على الوجوب، ولا ندري من اين جاء بهذا المنشأ،

 

منشأ حكم العقل بالوجوب وكيف يستفاد العقل ويستكشف الوجوب؟

فإن. رجع المنشأ إلى اللفظ فقد ثبت المطلوب، وأن أنكر منشأ اللفظ فلا دليل على الوجوب، بل هنا يتعين الاستحباب لأنه القدر المتيقن من المطلوبية، وما زاد ينتفي بالبراءة !

 

 

وهذا اللازم لا يلتزم به حتى أصحاب هذا المبنى حيث لا يبقى حجر على حجر بالواجبات والمحرمات ما سوى الضرورات،

 

 

أضف إلى ذلك أن عدم البيان الترخيصي لا يعني او يعين الاستعمال في حصة الوجوب، إذ يفترض بالاستعمال بما هو استعمال يطابق الوضع. وهو الجامع بالمقام، ومعه فلا معنى لإدراج موضوعه لحكم العقل بالامتثال، لأن حكم العقل لا يستطيع بيان الجامع، بل خصوص معنى الإلزام،

 

 

وكيف كان: إن المفروض بالدلالة اللفظية أن الشارع بين الجامع وهذا يفهم منه بيان الترخيص في أحد الحصص تارة بالخصوصية وأخرى بغيرها وإلا فلا يتعين الإلزام شرعا لتجب طاعته عقلا )




قال في المتن:

 

 

وقد أجاب السيد الأستاذ على المحقق النائيني - قدس الله سرهما - : بأننا نمتع أن موضوع حكم العقل بوجوب الطاعة هو صدور طلب من المولى، مع عدم بيان الترخيص، لوضوح أنه لو حصل ذلك وكنا نعلم واقعا، بأن هذا الطلب نشأ من ملاك غير شديد في نفس المولى، وأن المولى تطيب نفسه بتفويت هذا الملاك، فإن العقل فيه يحكم بلزوم الامتثال وأن العصيان منافق للعبودية،

 

 

وإنما الملاك لحكم العقل: هو صدور طلب من المولى وأن يكون الملاك شديدا، بحيث لا تطيب نفس المولى بتفويته، وهذا يحتاج إلى إثبات. وشدة الملاك وعدمه لا يمكن للعقل تشخيصه. إلا أن نقول: أن لفظ الأمر يدل بمادته أو هيئته على شدة الملاك وهذا رجوع إلى الدلالة اللفظية،

 

 



أقول ( يمكن إيجاز رد السيد الشهيد الصدر الأول بأمور:

 

 

أولا: إن دعوى موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال لعدم كفايتها بمجرد صدور الطلب مع عدم الاقتران بالترخيص،

 

لان المكلف إذا اطلع بدون صدور ترخيص مولوي على أن طلبه نشأ من ملاك غير لزومي ولا يؤذي المولى فواته لم يحكم العقل بلزم الامتثال، لأن الوجوب العقلي فرع مرتبة خاصة في ملاك الطلب، وتشخيص المرتبة لفظي لا عقلي، فلا بد والحال هذا من فرض أخذ المرتبة - اللزومية - في معنى اللفظ.

 

 

ثانيا: لازم قول المحقق النائيني، إنه يبنى على عدم الوجوب فيما إذا اقترن الأمر عام يدل على الإباحة، في عنوان يشمل بعمومه مورد الأمر - مثل العام - لا يجب إطاعة أحد من الناس - والأمر الخاص - أطع والديك - وتوضيح ذلك على ما في - الحلقة الثالثة - أنه إذا بنينا على اللفظ بنفسه يدل على الوجوب فالأمر في الحالة التي أشرنا إليها يكون مخصصا لذلك العام الدال على الإباحة ومخرجا لمورده عن عمومه لأنه أخص منه، والدال الأخص يقدم على الدال العام كما تقدم، وأما إذا بنينا على مسلك المحقق النائيني المذكور فلا تعارض ولو بنحو غير مستقر بين الأمر والعام ليقدم الأمر بالأخصية، وذلك لأن الأمر لا يتكفل الدلالة على الوجوب بناء على هذا المسلك، بل المتعين - بناء عليه - ان يكون العام رافعا لموضوع حكم العقل بلزوم الامتثال، لأن العام ترخيص وارد من الشارع، وحكم العقل معلق على عدم ورود الترخيص من المولى، مع أن بناء الفقهاء والارتكاز العرفي على تخصيص العام في مثل ذلك، والالتزام بالوجوب،



ثالثا: إن المحقق النائيني فرض ان العقل يحكم بلزم امتثال طلب المولى معلقا على عدم ورود الترخيص من الشارع، وحينئذ نتساءل - والتساؤل للسيد الشهيد الصدر - هل يراد بذلك كونه معلقا على عدم اتصال الترخيص بالأمر، أو على عدم صدور الترخيص من المولى واقعا، ولو بصورة منفصلة عن الأمر، أو عدم إحراز الترخيص ويقين المكلف به؟

 

 

والكل لا يمكن الالتزام به،

 

 

لما الأول: فلأنه يعني أن الأمر اذا ورد ولم يتصل به ترخيص تم بذلك موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال، وهذا يستلزم كون الترخيص منفصل منافيا لحكم العقل باللزوم فيمتنع - كونه ترخيصا بعد أن حكم العقل باللزوم - وهذا واضح البطلان - لأن بناء جميع الفقهاء على عدم التعارض بين هذا الترخيص المنفصل وبين الأمر، وإنما يحمل الأمر على الاستحباب –

 

 

ولما الثاني: فلأنه يستلزم عدم إحراز الوجوب عند الشك في الترخيص المنفصل، واحتمال صدوره، واقعا، لأن الوجوب من نتائج حكم العقل بلزوم الامتثال وهو معلق بحسب الفرض على عدم صدور الترخيص واقعا ولو منفصلا، فمع الشك في ذلك يشك في الوجوب،

ولما الثالث: فهو خروج عن محل الكلام، لأن الكلام في الوجوب الواقعي الذي يشترك فيه الجاهل والعالم لا في المنجزية - اي ان الكلام في خصوص دلالة الأمر مادة وهيئة على الوجوب الجعلي الواقعي فالكلام ليس في مرحلة المنجزية، وهل - أقيموا الصلاة - دالة على الوجوب الواقعي، هذا تمام ما ذكره في الحلقات بتصريف،



لا بأس وعرض المسألة النائينية أو مبنى المحقق النائيني،

 

 

فإنه يقال: بعد الفراغ من دلالة الصيغة وكونها عندهم دالة على إنشاء النسبة الطلبية، اختلف الأعلام في تحديد الطلب هل يكون حقيقة في مطلق الطلب أو في الوجوب أو الندب؟ اي هل أنها حقيقة في خصوص الطلب الإلزامي أو أنها حقيقة في طبيعي الطلب الجامع بين الإلزامي والندبي،

 

 

اختار الآخوند كونها حقيقة في الوجوب، إذ قال ما نصه: لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة ويؤيد ذلك صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو بمقال، وكثرة استعماله فيه في الكتاب والسنة وغيرهما، لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه، لكثرة استعماله في الوجوب أيضا، مع ان الاستعمال وأن كثر فيه، إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة، وكثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليترجح أو يتوقف على الخلاف في المجاز المشهور، كيف وقد كثر استعمال العام في الخاص بالمخصص المنفصل، حتى قيل ما من عام إلا وقد خص، ولم ينثلم به ظهوره في العموم حتى يحمل عليه، ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص، انتهى:

 

 

قالوا: إن مفاد الأمر هو بعث نحو المبعوث إليه ومقتضى الإطلاق كونه بداعي الطلب الحقيقي، فيحكم العقل بلزوم الامتثال ما لم تكن قرينة على الترخيص، فالوجوب حكم عقلي، بعد تمامية الحجة والبيان، كما أن الندب يستفاد من القرائن الخارجية لا من نفس الصيغة من حيث هي،

 

نعم، يصح إضافة كل منهما إلى الصيغة بعناية - انظر التهذيب .

 

 

فقه أصول المنهج (20)


إرسال تعليق

0 تعليقات