آخر الأخبار

( رمضانيات 7): عيد العمال… وفلسفة العمل










عز الدين البغدادي

مارست لفترة غير قليلة التدريس كمدرس فيزياء ورياضيات في إحدى مدارس الوقف الشيعي، وفي أيام المناسبات الدينية كان مدير المدرسة يطلب مني أن اقتطع عشر دقائق من الدرس للحديث عن المناسبة (ولادة أو وفاة احد الأئمة "ع") إلا أني كنت اعتذر منه لأن لكل مقام مقالا، ولأني لا أقبل أن أمارس دور الواعظ أثناء تدريسي للفيزياء، ولأني بالكاد أتم المنهج، وعشر دقائق يمكنني أن أعطي فيها مادة علمية أو أحل مسألة رياضية..



لكن المناسبة الوحيدة التي كنت أصر على أن أقف عندها وأتحدث عنها كل سنة هي مناسبة عيد العمال العالمي.


قبل الإسلام كان العرب يأنفون من العمل، ويعتقدون بأن الرجل الحقيقي هو من يأخذ رزقه بسيفه ورحمه، ولهذا كانوا يسمون العمل مهنة من الامتهان والمذلة.. أما في الإسلام فتغير الأمر بشكل تام، وانقلب الوعي نحو تقديس العمل، وقد روي أن النبي (ص) رأى احد أصحابه وهو معاذ بن جبل فأخذ بيده وقال له: كبنت يداك يا معاذ (أي تصبلت واخشوشنت وبالتعبير العامي جبنت) قال: من أثر المسحاة يا رسول الله، فقبلها وقال: هذه يد يحبها الله ورسوله.




ويروي عن الخليفة عمر بن الخطاب أنه كان يقول: أني لأرى الرجل فيعجبني، فأسال عن عمله فإذا قيل: لا عمل له سقط من عيني.



كان الرئيس السابق صدام حسين يحمل حقد استثنائيا على العمال، لأن الرجل كان يحب مظاهر الترف، ويكره قيم العمل والجد والمهنية والعمل ضمن فريق واحد وما يستدعيه ذلك من قيم الوفاء والفتوة التي كان يفتقدها، لذا فقد صب جام غضبه عندما حدثت مجزرة الخلد على المكتب العمالي وتعامل معهم بقسوة منقطعة النظير.


في عيد العمال فان ما نحتاج إليه واقعا ليس الدعوة لزيادة راتب العمال مثلا او نصب تمثال لعامل النظافة، لأن ما صار ينقصنا بشكل خطير هو غياب فلسفة العمل، لم يعد العمل مقدسا، ولم تعد قيم احترام الوقت، وكسب اللقمة بالحلال أمورا محترمة، فالكسب السريع عن طريق العمل السياسي أو البغاء أو التجارة بالمخدرات أو فتاوى الربا المحلل أو الزواج من لص أو مصاهرة أسرة لص أو أي عمل غير نظيف كلها صارت أمورا مقبولة، المهم ان يكون هناك كسب سريع بأسرع ما يمكن وبأكثر ما يمكن.. "من وجد وجد" و"من تعب لعب" أمثلة مضحكة تجاوزها الزمن وفلسفة الحياة المعاصرة.




لم يعد شيئا هاما ان تنام مبكرا و تستيقظ صباحا، فالليل ليس للنوم والنهار ليس للعمل، بل الليل للتكنيك والنهار للنوم. العطلة الصيفية لم تعد وقتا للعمل على تطوير الذات أو المساهمة في عمل جماعي، بل وقت للكسل والنوم.

ما نحتاج إليه ونحن نسنتذكر العمال وعيدهم الأغر ان نعيد قيمة العمل، وان نقلل من كتلة التفاهة الهائلة التي تحيط بنا. وان نعرف بأن الإنسان صار إنسانا بالعمل.




إرسال تعليق

0 تعليقات