طارق آدم
كلنا تابعنا شخصية
أمير تنظيم «أنصار بيت المقدس» في مسلسل «الاختيار» واللي قام بتجسيد شخصيته
الفنان المتميز «ضياء عبد الحق» .. فهل تعرفون الشخصية الحقيقية لهذا الأمير ؟
أسمه الأصلي هو «توفيق
فريج زيادة» وكنيته «أبو عبد الله» ، وهو من مواليد شمال سينا ومن أبناء قبيلة «السواركة»
السيناوية الشهيرة.
«توفيق فريج زيادة» ده
كان حاصل على مؤهل متوسط «دبلوم تجارة» ، وبعد حصوله على هذه الشهادة المتوسطة لم
ينجح في الحصول على أي عمل ، فأفتتح محلا لبيع عسل النحل الجبلي في مدينة «العريش»
، وكان بيجمع العسل الجبلي من بدو شمال سيناء ، مما أكسبه شبكة واسعة من العلاقات
مع التجمعات البدوية في المنطقة ، رغم انه كان بيتميز في العموم بشخصيته
الانطوائية قليلة الكلام ، ولم يكن يبدو عليه أى إمكانات تؤهله حتى لقيادة مجموعة
صغيرة من رعاة الغنم ، فمابالك بقيادة تنظيم إرهابي خطير كتنظيم «أنصار بيت المقدس»
؟
المهم ، أثناء
مزاولته لمهنة تجارة العسل بدأ أخونا «توفيق» في التعرف على بعض مشايخ السلفية
الجهادية ومطالعة كتبهم التكفيرية ، فأعتنق هذه الأفكار بل وتشربها تماما ، ثم بدأ
في تكوين النواة الأولى لهذا التنظيم الدموي على أنقاض التنظيم الأم وهو تنظيم «التوحيد
والجهاد».
وقد قام هذا التنظيم
الوليد بتنفيذ تفجيرات شرم الشيخ، و3 تفجيرات أخرى بمدينة «دهب»، فتم القبض على
أغلب عناصر التنظيم ، ومنهم بالطبع «توفيق فريج زيادة».
لكن المفاجأة الحقيقة
كانت هي إفراج جهاز أمن الدولة عن المدعو «توفيق زيادة» عام 2009 بعد أن جاء تقرير
أمن الدولة عنه بما يفيد بعدم أهميته من الناحية التنظيمية !!، وهو ما ثبت فيما
بعد أنه كان تقريرا خاطئًا ألفًا بالمائة.
وبعد الإفراج عنه ظل «توفيق»
عنصرًا كامنًا فى سيناء، لا يخرج بعيدا عن محل إقامته بمنطقة مزارع العريش ، وفي
الفترة دي تزوج «توفيق» من شقيقة الشيخ «فيصل الحمادين» وهو أحد رجال السلفية
المشهورين فى شمال سيناء «معتقل الآن»، وكان يبلغ من العمر وقتها 48 عاما .
وقد استغل «توفيق» هذه
الفترة من الكمون في إعادة بناء التنظيم من جديد، وتحول من تاجر إلى إرهابى، ومن
مقيم فى مزرعته إلى شخص متحرك على مستوى الجمهورية.
والغريب أن هذا الـ «توفيق»
الذى كان ينظر له ضباط أمن الدولة على أنه شخص لا قيمة له ، استطاع التخطيط لبناء
التنظيم الارهابي بشكل يصّعب من تفكيكه بسهولة ، حيث قسَّم التنظيم إلى خلايا
عنقودية لا تعرف بعضها بعضًا، واتخذ لكل عضو منهم اسمًا حركيًا، حتى لا يعرفه
زملاؤه فى التنظيم، وذلك حتى لا تتمكن الأجهزة الأمنية من اكتشاف أمر التنظيم
بسهولة ، كما أنه جعل على قمة التنظيم مجلس شورى، ثم أسفل المجلس مجموعات التنفيذ،
ومجموعة التجنيد، وأخرى للدعم اللوجستى، ورابعة للتدريب وكان يقودها الضابط «عماد
رامي» و«هشام عشماوي» ، وأخرى للإعلام .. إلخ .
.
بل لقد قال بعض
أتباعه عقب القبض عليهم، إن «توفيق» كان يدرس لهم بنفسه بحثًا بعنوان «كيف تواجه
القوات الخاصة»، وألقى عليهم دورة بعنوان «صناعة الإرهاب»، تتضمن كيفية الاختراق
للأجهزة الأمنية، وأمن الاجتماعات، ومبادئ الأمن، والاستدراج، وعلم الطبوغرافيا،
وكيفية قراءة الخرائط، وكيفية رفع اللياقة البدنية، وشرح أنواع القاذفات وكيفية
استخدامها، وأوضاع الرماية والتسديد للسلاح ، وكان يقول لهم إن المرحلة الأولى فى
تنظيم بيت المقدس هى صراع فكري، ثم تأتى بعدها العمليات النوعية من مهاجمة أو
تدمير منشآت أو اغتيالات، ليبدأ الإسلاميون فى التعرف على نتائج عمل المجاهدين،
وأما المرحلة الثانية، فهى المرحلة الخاصة بالشرطة، وهى مرحلة استثمار غضب الثوار
وتحويلها إلى قوة سيطرة تتحرك على الأرض لقتل ضباط وجنود الشرطة عمومًا، ثم تبدأ
المرحلة الثالثة وهى الخاصة بالقوات المسلحة، وهى أصعب مرحلة، حيث سينتهى الصراع
الفكرى وتبدأ السيطرة على مخازن سلاح الجيش، لتبدأ مرحلة «التمكين» وإنشاء إمارة
إسلامية.
وحين جاءت أحداث
يناير 2011 ، كان «توفيق» يحرص على الانتظام فى الحضور إليه، لمقابلة رفقاء السجن
من السلفية القاهرية المنسوبة فى الأغلب إلى تيار الحركيين، أو أتباع «رفاعي سرور»
، الذين انبثقت منهم فيما بعد ما يسمى بـ«الجبهة السلفية»، و«حازمون»، وحركة «طلاب
الشريعة»، وغيرها من المجموعات الإرهابية الأخرى.
وكان ممن قابلهم
وتعرف عليهم في هذه الفترة كل من «محمد على عفيفى بدوى ناصف»، «صاحب مطعم» فى
حلمية الزيتون، و«محمد بكرى هارون» (وهم الذين نفذوا عملية اغتيال ضابط الأمن
الوطني الشهيد «محمد مبروك» فيما بعد) بعد أن نجح «توفيق» فى إقناعهم بالانضمام
لجماعة التوحيد والجهاد التى أصبح اسمها الآن تنظيم «أنصار بيت المقدس»، وكلفهم
بعمل فروع للتنظيم بالمحافظات لتخفيف الضغط عن سيناء، وتشكيل تنظيم يواجه الجيش
المصري، مستفيدين من غياب الجهاز الأمنى وانهياره في تلك الأثناء.
وقد نجح التنظيم
برجاله الجدد في تشكيل خلايا لهم فى المطرية بالقاهرة، والقليوبية، والجيزة، وكفر
الشيخ، والمنصورة، والسادس من أكتوبر، وقنا، وبنى سويف، والشرقية. ، وبذلك فقد بدأ
التنظيم ينتشر ويتوغل فى المحافظات المصرية.
وكانت إشارة البدء
للإعلان عن هذا التنظيم هي تفجيرات أنبوب الغاز المار بشمال سيناء والموصل
لإسرائيل والتي كانت فكرة «توفيق» نفسه ، وساعتها ضج ميدان التحرير أيام الثورة
بالتهليل والتكبير، وهم لا يعرفون أن تلك التفجيرات لم تكن سوى شهادة ميلاد هذا
التنظيم الارهابي الجديد.
ثم توالت عمليات
التنظيم داخل سيناء وخارجها، وكان أخطرها ذبح جنود الجيش برفح، واغتيال المقدم «محمد
مبروك»، وغيرها من العمليات الارهابية الكبرى. ، ومنها على سبيل المثال تفجير
مديرية أمن جنوب سيناء ، ومديرية أمن الدقهلية في مدينة المنصورة ، ومديرية أمن القاهرة.
وكان «توفيق» الذي
أصبح الآن قياديا كبيرا في أوساط السلفية الجهادية على مستوى العالم هو القائد
الميداني لعملية عرب شركس ، كما شارك هذا الإرهابي في توصيل الانغماسيين داخل حدود
فلسطين ، كما أنه كان المشرف والمدبر الرئيسي لمحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق
اللواء «محمد ابراهيم» ، و ، وكذلك كان هو العقل المدبر لعمليات السطو على محلات
الصاغة الخاصة بالأخوة الأقباط ، وأيضا استهداف المجرى الملاحي لقناةِ السويسِ
والسفنِ المارة به ، وتفجير حافلة سياحية في جنوب سيناء عام 2013 ، وكذلك إسقاط
مروحية عسكرية في هجوم أسفر عن مقتل خمسة عسكريين في سيناء في 25 يناير عام 2014.
.
وفجأة أعلن التنظيم
في مارس عام 2014 عن مقتل قائده ومؤسسه أبو عبدالله «توفيق فريج زيادة»، وأنه
أثناء تركيبه لبعض القنابل انفجرت به إحداها، وقاموا بدفنه في مكان مجهول، ثم نعيه
في شريط مصور على اليوتيوب.
.
ثم دبت الخلافات
التنظيمية والعقائدية في صفوف هذا التنظيم حين قررت قياداته اللاحقة التخلي عن
أفكارهم المعتمدة على فكر تنظيم القاعدة وإتجهوا لمبايعة تنظيم داعش الإرهابي ،
وتغير اسم التنظيم من «أنصار بيت المقدس» إلى «ولاية سيناء» تحت قيادة التكفيرى المُكنَّى
«أبو همام الأنصاري»"، ونوابه كمال علام، وشادى المنيعى، وسلمى المحسانة ،
وهو ما دفع الإرهابي «هشام عشماوي» ورفيقه «عماد » إلى نقض بيعتهم للتنظيم
والانسلاخ عنه ليتجها غربا نحو «ليبيا» ليؤسسا هناك تنظيم «المرابطون» المرتبط
عضويا بتنظيم «القاعدة» .
.
وهكذا لم يكن «تاجر
العسل» الكتوم الإنطوائي مجرد قيادي إرهابي استثنائي فقط يقود ويوجه ضباطاً
وأساتذة جامعة وأطباء ومهندسين ، بل أصبح جزءا مهما من تاريخ أخطر تنظيم إرهابي
عرفته «مصر» في تاريخها الحديث ، ألا وهو تنظيم «أنصار بيت المقدس".
0 تعليقات