آخر الأخبار

التصوف الفاطمي في المغرب العربي (3)




التصوف الفاطمي في المغرب العربي

تعايش وتسامح ورفض التعصب الوهابي (3)

 

 

 

 

بقلم / محمود جابر

 

 

 

 

 

 

 

ثانيا: العقيدة الأشعرية بالغرب الإسلامي :

 

 

إن أول ملاحظة قد يسجلها الباحث وهو يتناول قضية الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي بالدراسة والمتابعة،هي قلة الدراسات التي اهتمت بهذا الجانب مقارنة مع مختلف ما ألف ونشر في قضايا الفكر الإسلامي عموما.. ولعل من أبرز أسباب هذه الندرة الركون إلى التقليد حينما استقرت أمور التوحيد على هذه العقيدة السنية..

 

 

 الحاصل أن  المغرب لم يكن بمعزل عن التحولات الفكرية التي تعرفها بلدان المشرق. كما أن علماء المشرق أنفسهم كانوا حريصين على أن تصل آراؤهم ومذاهبهم إلى مختلف ربوع العالم الإسلامي.

 

 وكانت بوابة الغرب الإسلامي ومعبر الآراء والمذاهب إليه تونس – أو إفريقية بتعبير القدماء- وخاصة حاضرة القيروان.

 

 

تاريخ دخول المذهب الأشعري إلى بلاد المغرب:

 

تختلف آراء الباحثين في من كان أول من أدخل مبادئ الفكر الأشعري إلى الغرب الإسلامي، إلا أنها جميعها تكاد تجمع على أن إرهاصات هذا الفكر ظهرت في القرن الرابع الهجري. ومنها ما يزعم أنه كان في حياة أبي الحسن الأشعري. ومن المؤكد أن هذا الفكر كان موجودا ومعروفا زمن المرابطين، وقد دل على ذلك استقراؤنا لمختلف الأدبيات التي أرخت للفكر الأشعري بالمغرب، ومن ذلك ما أورده محمد بن تاويت الطنجي في تقديمه لكتاب "ترتيب المدارك"[1]، إذ يقول عن المدرسة الأشعرية المغربية أيام المرابطين: "هذه المدرسة المغربية كانت على علم تام بالجدل والمناظرة وأصول الدين والكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري، وإن كتب الأشاعرة في علم الكلام كانت معروفة بين رجال المغرب يتدارسونها في كافة أنحاء المغرب.."، ومما يؤيد كلام ابن تاويت هذا ما لمح إليه الناصري في "الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى" حيث يقول بعد أن نقل كلام ابن خلدون([2]) وانتصر له، ثم تحفظ قليلا فقال: "... وإن كان (المذهب الأشعري) قد ظهر في المغرب قبل ابن تومرت ظهورا ما..."([3])

 

 


ثم إن القول بأن بداية دخول الفكر الأشعري رسميا إلى المغرب زمن المرابطين، فيه إشارة إلى أن المذاهب الكلامية التي سبقت المدرسة الأشعرية كانت قد تسربت إلى المغرب خصوصا مع بداية القرن الثاني الهجري بدخول العرب الفاتحين إلى المغرب، ومن هذه المذاهب: مذهب الخوارج والمعتزلة والشيعة والمرجئة، ورافق ظهور المذهب الخارجي بالمغرب دخول مذهب المعتزلة الواصلية أتباع واصل بن عطاء الذين ظهروا في طنجة وسجلماسة ومكناسة([4]).

 

 

وعن تسرب الفكر الشيعي يقول الناصري في "الاستقصاء": "حج أبو عبيد الله المحتسب، داعية الفاطميين، واجتمع بمكة بحجاج كتامة من أهل المغرب، فتعرف إليهم، ووعدهم بظهور المهدي، من آل البيت على يدهم، ويكون لهم به الملك والسلطان، فتبعوه على رأيه، وصحبهم إلى بلادهم، ورأس فيهم رئاسة دينية، وقرر لهم مذهب الشيعة، فاتبعوه وتمسكوا به، ثم بايعوا مولاه عبيد الله المهدي، أول خلفاء الفاطميين، فاستولى على إفريقية"([5]).

 

 

وبالنسبة لدخول الفكر الخوارجي إلى المغرب قبل الأدارسة في منتصف القرن الثاني الهجري/ 8م على يد الفرقة الخوارجية "الصفرية" يقول أيضا صاحب الاستقصاء: "اجتمعت الصفرية (وهي إحدى فرق الخوارج التي انتشرت بالغرب الإسلامي) بناحية مكناسة بالمغرب الأقصى، فنقضوا طاعة الأمويين وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود، من رؤوس الخوارج، واختطوا مدينة سجلماسة سنة 140 من الهجرة، ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم.."([6](

 

 

وفي هذا الصدد يقول " ابن عذارى" في البيان المغرب.." وهو يتحدث عن دخول الفكر الخوارجي الإباضي إلى المغرب قبل دخول الأدارسة ما يلي: "فر عبد الرحمن بن رستم إلى الغرب بمن خف من أهله وماله، واجتمعت إليه الإباضية" وعزموا على بناء تجمعهم، فنزلوا بموضع تيصرت، وهي غيضة بين ثلاثة أنهار.. وكان ذلك سنة 161"( ([7]

 

 

ومن هنا ندرك أن الفكر الاشعرى قد وفر قاسما مشتركا بين المعتزلة والاباضية والتشيع ،فحيث أن جميعهم يقيم وزنا للتأويل والعقل وهو ما وفره الفكر الاشعرى ليكون قاسما مع الجميع .

 

 

مراحل دخول الفكر الأشعري إلى المغرب:

 

 

 ترجح بعض الدراسات أن يكون الفكر الأشعري قد دخل المغرب الأقصى مباشرة وبالضبط إلى مراكش العاصمة زمن المرابطين، قبل أن ينتشر في أماكن أخرى من المغرب العربي، بدليل منشأ ومسكن ووفاة أبي الحسن المرادي الحضرمي([8]) الذي عاش ومات بين مراكش وأغمات والصحراء المغربية. جاء في كتاب "الغنية" وهو الكتاب الذي ترجم فيه القاضى عياض لشيوخه ما يلي: "الحسن المرادي الحضرمي هو أول من أدخل علم الاعتقاد إلى المغرب الأقصى".

 

 

فكان المرادي الحضرمي أول من أدخل علم الاعتقاد الاشعرى للمغرب، كما تذكر بعض الروايات أن أبا الحجاج يوسف بن موسى الكلبي (ت 520هـ) هو أول من اشتغل بالفكر الأشعري وعلمه ودرسه للمغاربة.. وفي هذا الصدد يقول صاحب "الغنية" وهو يتحدث عن شيوخه في علم الكلام، والعقيدة الأشعرية ما يلي: "..أن أبا الحجاج يوسف بن موسى الكلبي كان من المشتغلين بعلم الكلام، على مذهب الأشعرية بالمغرب، وقرأت عليه أرجوزته الصغرى في الاعتقاد... وهو من تلاميذ أبي الحسن المرادي الحضرمي.."

 

 

 

ويعلق الأستاذ الكنسوسي في بحثه حول "القاضي عياض"([9]) ، فيقول: "وعلى أن المرادي هو أول من أدخل هذا العلم للمغرب يكون أبو الفضل من السابقين الذين درسوا علم الكلام لأول مرة بالمغرب.." ثم ينقل كلام ابن تاويت، فيقول: " وقد فند ابن تاويت في مقدمته للمدارك دعوى ابن تومرت بأن أهل المغرب لم تكن لديهم العقائد، وذكر كذبته الشنيعة التي خلدها عليه التاريخ.." ([10])

 



[1] - ترتيب المدارك، للقاضي عياض.

[2] - ابن خلدون يرى أن المذهب الأشعري دخل المغرب في عهد الموحدين، على يد المهدي بن تومرت..

[3] - الاستقصاء، للناصري، 1/ 132.

[4] -  عبد المنعم ماجد : قيام الدولة الفاطمية وسقوطها، المقدمة .

[5] - الاستقصاء، الناصري، 1/140.

[6] - المصدر نفسه، 1/124.

[7] - البيان المغرب، ابن عذارى،1/196.

[8] - أبو الحسن المرادي الحضرمي توفي سنة 489هـ/1086م. قيل عنه بأنه هو أول من أدخل هذا الفكر العقدي الأشعري الكلامي إلى الغرب الإسلامي عموما، والمغرب خصوصا...

[9] -  انظر ندوة الإمام مالك، دورة القاضي عياض، مقال: "القاضي عياض" لولا عياض ما ذكر المغرب، أحمد الكنسوسي، 2/174-175. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1401هـ/1981.

[10] -  انظر ندوة الإمام مالك، دورة القاضي عياض، مقال: "القاضي عياض" لولا عياض ما ذكر المغرب، أحمد الكنسوسي، 2/200. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1401هـ/1981.




التصوف الفاطمي في المغرب العربي تعايش وتسامح ورفض التعصب الوهابي (2)



إرسال تعليق

0 تعليقات