احمد دياب
يرى جلال أمين في كتابه "العولمة" أنه بما أن العالم الثالث أصبح
في العصر الحالي مستهلكا فقط، ولا ينتج ما يكفي استهلاكه، فإنه يدفع ثمن ما
يستهلكه من خلال أربعة حلول:
الحل الأول: الاقتراض من الدول المتقدمة. ولكن عندما تزداد القروض
وفوائدها على تلك الدول يكون من الصعب الاستمرار في الاقتراض إلى ما لا نهاية،
فيكون الاتجاه إلى الحلول التالية.
الحل الثاني: أن تضغط الدول المتقدمة على دول العالم الثالث الريعية (المنتجة
للنفط مثلا) بأن تمول مشتريات دولة عالمثالثية أخرى أفقر منها (لا تمتلك ثروات طبيعية
تكفي سكانها).
الحل الثالث: إجبار دول العالم الثالث على "بيع الأصول" لتسديد
ديونها عن طريق "الخصخصة".
الحل الرابع: أنك قد تكون معدما وغير قادر على إنتاج أي شيء ولكنك
قد تكون صالحا "للفرجة"، لدرجة أن كثيرين قد يكونوا على استعداد لإعطائك
مالا لمجرد التفرج عليك. ومن هنا يكون الاهتمام بتنمية السياحة في البلاد الفقيرة.
أعتقد أن نفس الحلول التي أوضحها جلال أمين على مستوى الدول يتم القيام بها
على المستوى الفردي، الاقتراض من الغريب ثم من القريب ثم بيع أثاث المنزل والمنزل
نفسه للغريب والقريب، وأخيرا فتح كاميرا الموبايل وقول وفعل أي شيء يجذب أكبر عدد
من الناس لمتابعته، وبالتالي الحصول على أكبر قدر ممكن من المال بعد أن تختزل
كينونتك البشرية إلى مجرد "يافطة" أو لافتة إعلانية، يستخدمها التجار
للترويج لبضائعهم. يبدأ ذلك بالتفاهة والبذاءة، ثم العري والانحلال، وصولا إلى
التسول المباشر الذي أصبح مألوفا أن تراه على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة،
عندما تجد أحدهم مثلا يقول لك شاهد فيديوهاتي لتساعدني على الانفاق على أمي
المريضة أو ابني المعاق. وهكذا وجدها البعض ملجأ أخير لطلب المساعدة من الناس،
سواء كان متسولا حقيقيا أو محتالا. والبعض الآخر وجد في ذلك وسيلة لتحقيق الثراء
السريع. وآخرون وجدوها مهنة لكسب الرزق بديلة عن المهن التقليدية. وأصبح المجال
مفتوحا للجميع من سن المراهقة أو حتى الطفولة، إلى سن الشيخوخة.
هناك الآن ملايين من الحثالة في كل مجتمع يفتحون كاميرا الموبايل، ويسجلون
أي شيء يمكن قوله أو فعله لجذب أكبر عدد من المشاهدين. ثم تأتي مجموعات أخرى من
التافهين تقوم بإعادة تدوير ما أنتجه التافهون الأوائل، وتدعي تلك المجموعات أنها
تقوم بانتقاد تلك السفاهات، ولكنهم يفعلون ذلك عن طريق إعادة نشرها والترويج لها!
وهناك مجموعات أخرى في شرائح أعلى من الطبقة الوسطى تحاول أن تبحث بدورها
عن مصدر لزيادة الدخل عن طريق نشر محتوى في أغلب الأحيان لا يقل تفاهة عما يقدمه
ملايين الضائعين من الطبقات الدنيا، فنجد من يقدمون نقدا فنيا للأغاني والمسلسلات
والأفلام، وهناك من يقدمون نقدا فنيا لمباريات كرة القدم، وهناك من يقدمون طرقا
للطهي، وآخرون يقدمون مواهبهم في الغناء أو التمثيل أو الشعر...
وهناك من يقيمون بالخارج ويصورون مجريات حياتهم اليومية ويبثوها للمشاهدين
الحالمين بالسفر للخارج. وأخيرا هناك فئة محدودة جدا تقدم بالفعل محتوى جاد يحمل
أفكار أو معلومات مفيدة، ولكن في الغالب يتلاشى أثرها في ظل وجود كل تلك الفئات.
0 تعليقات