علي أبو الخير
من الأمور العبادية
الشائعة بين المسلمين صيام المسلمين ستة أيام من شّوال بعد عيد الفطر، ويسمّوها
الستة البيض، صيام متتابع أو غير متتابع، ويعتقد المسلمون الطيبون أنها من ضرورات
التقوى وأن صيامها دليل عن البر والإحسان، وربما ينظرون لمن لا يصومها بقليل من
الاستعلاء عليهم بعبادتهم.
ونحن عندما نكتب عن
تلك الأيام لا نتعمد التقليل من إيمان البشر، ولا قدسية العبادات، ولكننا فقط نريد
أن نقول إن كثيرا من العبادات النوافل لم يفعلها النبي ولا الصحابة، أو اختلف
الصحابة فيها، فهي في النهاية سنة غير مؤكده، مثلها مثل صلاة التراويح وركعتي
الضحى وغيرها مما عتاده الناس، ومن ضمنها ما يّقال عنه الست البيض من شوّال،
فالمسلمون السنة يصومون بناء على حديث رواه مسلم في صحيحة
عن أبي أيوب الأنصاري
أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من صام رمضان ثم أتبعه ستا
من شوال كان كصيام الدهر"،
وفي سنن ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله أنه
قال : "من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة"
وحسبوها على أن من
وصل صيام شهر رمضان بصيام ستة أيام بعد عيد الفطر، فإنه يعطى ثواب صيام سنة كاملة لقوله
تعالى في سورة الأنعام الآية 160 : "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا"،
وعشر أمثاله كالتالي : 30 من شهر رمضان + 6 من
شوّال = 36 يوماً،
يكون المجموع بعد
الضرب في عشرة هو 360 يوماً فيكون بقدر عدد أيام السنة،
ولا داعي للفذلكة والقول إن رمضان أحيانا 29
يوما، أو أن عدد أيام السنة القمرية تقل عن 360 يوما،
فتلك فروق لا تهم في
التقديرات العبادية، وفي كل الأحوال يعيش المسلمون على هذه العادة منذ قرون طوال.
ولكننا لو عدنا
للتأمل في هذا الصوم، نجد مشكلتين : الأولى أن تسميه تلك الأيام بالبيض خطأ مشهور،
لأن السِّت مِن شَوال لا تُسمّى الأيام البيض، إنما الذي يُسمّى بذلك هي أيام 13و14
و15 من كل شهر.
وسمّيت أيام البيض لأنَّ لياليها مُقْمِرة فهي
بيضاء ليلا ونهارا، وهو ما قالت به دار الإفتاء المصرية، حيث رأت أن الأيام البيض
هي أيام الليالي التي يكتمل فيها القمر ويكون بدرًا، وهى الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر من وسط كل شهر عربي، وسُمِّيَت بذلك لأن القمر يكون فيها في كامل
استدارته وبياضه؛ فالبياض هنا وصف للياليها لا لأيامها، وإنما وُصِفت الأيام بذلك
مجازًا، وهو قول صحيح ولكنه لا ينطبق عن أيام شهر شّوال، إذن فهي ليست بيضاء، أما
الأمر الثاني أن الإمام مالك بن أنس كره صيام الست من شوال بعد الفطر، لأنه لم
يبلغه صيامها عن أحد من السلف؛ ولأن إلحاقها برمضان قد يترتب عليه اعتقاد عوام
الناس كونها جزءا من رمضان، ففي شرح الموطأ: قال الإمام مالك في صيام ستة أيام بعد
الفطر من رمضان:
"إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه
يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته،
وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، لو رأوا أهل العلم يعملون ذلك،
وأفتى مالك بعدم جواز صيام ستة من شوال، كما رفض الاعتراف بالحديث الخاص بهذا
الصيام وأنكره ..
كما اعتبر أن عمل أهل
المدينة الذين توارثوا السنة امتنعوا عن صيام تلك الأيام الستة، وهي سنة النبي من
خلال عمل أهل المدينة أخذها آلاف عن آلاف، وهي بالتالي أولى بالإتباع من حديث نقله
آحاد عن آحاد، وقال أبو الوليد الباجي القرطبي في كتابه "المنتقى شرح الموطأ":
"وهذا هو ما قاله الإمام مالك، إن صوم هذه
الستة الأيام بعد الفطر لم تكن من الأيام التي كان السلف يتعمدون صومها، وقد كره
مالك وغيره من العلماء، وقد أباحه جماعة من الناس ولم يروا به بأسا، وإنما كره ذلك
مالك لما خاف من إلحاق عوام الناس ذلك برمضان، وأن لا يميزوا بينها وبينه حتى
يعتقدوا جميع ذلك فرضا ... وكراهة صيام تلك الأيام مشهور عند فقهاء المالكية"،
في كل الأحوال نجد أن صيام ستة أيام من شّوال ليست سنة مؤكده، من صامها خير له،
ومن لم يصمها وقام بعمله على خير وجه، ربما يكون أكثر فضلا ممن يبطله الصوم عن
العمل، أو البطالة الصومية لو صح هذا التعبير...
0 تعليقات