عز الدين البغدادي
بلا شك فإن الرجم من
العقوبات القاسية، حيث يتم وضع الزاني المحصن الذي ثبتت عليه تهمة الزنا مع كونه
محصنا في حفرة الى حقويه (منتصف جسده) ثم يرجم بالحجارة الى ان يموت (مع تفصيل )..
وفي هذا العصر حاول بعض الكتاب ان يقدموا رؤية غير محرجة لقضية الرجم، حيث شكك
فيها البعض بدعوى انه لم يأت لها ذكر في القرآن الكريم، وهناك من شكك في صحة
الروايات التي وردت في ذلك.
الا ان هذا برأيي ليس
حلا منهجيا، لأن الروايات الواردة في ذلك صحيحة وقد أخذ بها كل الفقهاء تقريبا،
كما ان كتب الحديث والتاريخ تحتوي على عدد من الروايات التي تشير إلى الرجم،
وأشهرها قصة ماعز بن مالك الأسلمي وقصة المرأة الغامدية.
نعم خالف في ذلك قوم
من الخوارج والمعتزلة وأنكروا حد الرجم، وقد ذكر الفقيه المالكي الكبير ابن عبد
البر ذلك، فقال في كتابه الشهير" التمهيد" ما نصه: وأما أهل البدع من
الخوارج والمعتزلة فلا يرون الرجم على أحد من الزناة ثيبا كان أو غير ثيب، وإنما
حد الزناة عندهم الجلد"، وهو ما نقله أيضا ابن حجر في شرحه على البخاري
والنووي في شرحه على مسلم.
عموما في هذا الزمن
ظهرت دعوات تعتمد التشكيك في قضية الرجم، وربما كان أول من طرحها هو الفقيه المصري
الأزهري المعروف الشيخ محمد أبو زهرة حيث أعلن في ندوة حول التشريع الإسلامي
انعقدت في ليبيا عام 1972 أنه ينكر حد الرجم، وأن هذا هو رأيه الذي لم يجرؤ أن
يبوح به رغم انه يتبناه منذ 20 سنة، وهو ما أثار ردود فعل حادة ضده.
كما أن الأستاذ
العراقي د. مصطفى الزلمي ذهب الى هذا الرأي في كتاب له اسمه "لا رجم في
القرآن"، كما ذهب إليه لاحقا د. عدنان إبراهيم والأستاذ محمد المختار
الشنقيطي، وعدد من الكتاب.
أما رأيي فيمكن أن
اختصره في نقاط:
أولا: إن القول بعدم
ثبوت ذلك شرعا هو تهرب من حقيقية، لا سيما وأنّ السنة حجتها ثابتة بالقرآن، كما
قال تعالى: ( من يُطع الرسول فقد أطاع الله) وقال: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)..
وقد ورد فيها ما يدل على ثبوت ذلك شرعا وتطبيق العقوبة واقعا كما في حديث رجم ماعز
بن مالك، وحديث: رجم الغامدية، وحديث "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث… وذكر
منها : "زنا بعد إحصان".
وحتى لو حلت المشكلة
بدعوى أن هذه العقوبة القاسية غير مذكورة في القرآن، أو حجية الحديث موضع نقاش أو
شك أو رفض فهل سنستطيع أيضا أن نستعمل هذه الحجة في نفي عقوبة السرقة، وهي قطع
اليد التي قال عنها تعالى: ( والسارق والسارق فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا
من الله ).
ثانيا: إن علينا ان
ننظر في مقاصد الشريعة للوصول الى حل أو رؤية معتبرة، فالعقوبة ليس هدفها الانتقام
بل الإصلاح إذا أمكن، ماذا سنكسب فيما لو قطعت يد سارق وحولت إلى عالة على
المجتمع؟ أليس أفضل من هذا أن أصلحه وأعلمه عملا يكسب منه وأجعل فردا صالحا؟
وبالمناسبة فهناك مسألة تناقش في الفكر والفقه الإسلامي وهي أن الحدود هل هي زواجر
أم جوابر؟ أي هل إن هدفها هو زجر الشخص عن الخطأ حتى لا يتكرر منه أو من غيره، أو
أن الله سبحانه وتعالى جعلها جوابر أي كفارة للذنب كما يرى البعض، ويستدل بما روي
من قول النبي (ص): ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا،فهو كفارةٌ له،ومن أصاب
من ذلك شيئاً ثم ستره الله، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه.
مع العلم أن التكفير
عن الذنب –شرعا- لا يكون بالضرورة عن طريق العقوبة، بل يمكن ان تتحقّق بالتوبة او
بالعمل الصالح كما قال تعالى: (ان الحسنات يذهبن السيئات ) وقال النبي (ص): وأتبع
الحسنة السيئةَ تمحُها.
وبالتالي فعلى
التقديرين، فليس للعقوبة بذاتها موضوعية، وليس هي هدفا سواء قلنا بأنها جوابر أو
زواجر.
ثالثا: برأيي الذي
بينته وتبنّيته فإن الحكام الفقهية ليست بنحو واحد، فهناك أحكام توقيفية، أي أحكام
لا مجال على الإطلاق للاجتهاد فيها وهي العبادات، وهنا أحكام تدبيرية وإدارية ليست
تعبدية، فهي تجري وفق السيرة العقلائية ووفق المصلحة وأهم أمثلتها المعاملات
والسياسيات، وبين هذا وذاك هناك أمور هي موضوع الاختلاف حيث يعتبرها المشهور
توقيفية لا مجال لتغييرها او الاجتهاد فيها، وهي تشمل الحدود والأحوال الشخصية،
وبرأيي أن هذه ترجع الى المصلحة وليست توقيفية بحال، وبالتالي يمكن أن نستفيد من
الفقه الحديث (القانوني) في ذلك لا سيما وأن من درس الشريعة والقانون يدرك أن هناك
تطورا كبيرا في الفقه الحديث تأخر عنه الفقه الإسلامي بسبب طبيعته المحافظة ونزعة
التقليد فيه. والتعامل مع الحدود على أنها أمر تعبدي لا يجوز التغيير فيه هو أمر
غير صحيح أبدا، وقد قدمت أدلة فقهية على ذلك في كتاب "نقد الإسلام السياسي"،
والنتيجة أنا مع
ايقاف العمل بالرجم للأسباب التي بينتها، لكني لا أجده أمرا مقنعا أن نعمد إلى
تجاهل نصوص بدعوى أنها غير صحيحة وغير ثابتة، هذا منهج غير مقبول علميا ولا يمكن
أن ينتج عمليا عند التعامل مع فقه قديم لا يقتنع إلا بطرح يتكلم بلغته ووفق منهجه.
0 تعليقات