محمد البسفي
رغم بريق ما يظهر من
الجبل الثلجي تحت وهج شمس "الحقيقة".. تبقى أهم أجزاءه مستورة في سراديب
القاع.
العصر العبري..
بقليل من التأمل في
مُركبات الصراع الدولي المُستعر حاليًا.. يمكننا الزعم بأن السياسة الأميركية لـ"هندسة
المجتمعات" لم تقتصر على المجتمع المصري فقط، خلال اجتماع ثنائي ضم الرئيس
المصري، "أنور السادات"، مع وزير الخارجية الأميركي، "هنري كيسنغر"،
في بدايات حقبة السبعينيات من القرن المنصرم، وإنما هي سياسة صُنعت لمجتمعات الشرق
أوسطية خاصة، والمنتسبة لدول العالم الثالث عامة، رغم استياء "المعولمين"
من ذلك التصنيف.
بل يمكننا القول بأن
أهداف العمليات الدؤوبة لهندسة المجتمعات تمحورت، طوال تلك العقود الممتدة فيما
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، حول مطلبين رئيسيين مُلحين:
رتق الكيان الصهيوني
بالجسد الدولي وتسوية نتوؤه على خريطة الشرق الأوسط والعالم كدولة شرعية لا تُخلف
وراءها أي تاريخ استعماري أو ماضي اغتصابي؛ أولاً.. وفتح بلدان تلك المجتمعات أمام
إمبراطورية "السوق الحر" بسياساتها واقتصادياتها السيادية، وخاصة آخر
طبعاتها من "النيوليبرالية"، الأحوج حاليًا لمقدرات وموارد تلك الدول
الطبيعية والبشرية والسوقية؛ ثانيًا.. وهما هدفان اختلطت فيهما آليات التنفيذ بقدر
ما توحد بينهما المقصد..
تُردد حاليًا، ومنذ
فترة ليست بالقليلة، جميع وسائل الإعلام الكبرى عالميًا بلهجة أشبه بالتفاخر، عدم
إستحواذ "القضية الفلسطينية" على اهتمام الرأي العام الدولي أو حتى
الإقليمي، بل ذهبت إلى أن تسبق ذكرها بجملة "التجهيل" الاعتيادية في
تأكيدها على أن ما يسمى بـ"القضية الفلسطينية" لم تُعد تحظى بأي اهتمام
جماهيري طبقًا لأغلب استطلاعات الرأي والدراسات المسحية لقياس الرأي العام لجماهير
متابعيهم، وبالطبع أكثر العازفين لهذه النغمة هي وسائل الإعلام الإسرائيلية، فضلاً
عن مراكزها التحليلية والبحثية..
في أعقاب الأزمة
الحكومية التي واجهتها حكومة اليميني، "بنيامين نتانياهو"، باستقالة
وزير دفاعه، "أفيغدورليبرمان"، كرد فعلٍ على الصمت الإسرائيلي إزاء
الهجمة التي شنتها الفصائل الفلسطينية على قوات الكيان الصهيوني في "قطاع غزة"،
في منتصف شهر تشرين ثان/نوفمبر 2018، أكد المحلل الإستراتيجي الإسرائيلي، "إيال
زيسر"، على أن العلاقات بين "إسرائيل" و"العالم العربي" تعيش
حاليًا أزهى عصورها، إذ أن الكثيرين في العالم العربي، بدءًا من دول الخليج وحتى
دول شمال إفريقيا، أصبحوا لا يعتبرون "إسرائيل" دولة معادية أو كيان
غريب في المنطقة، لكنهم يعتبرونها لاعبًا دوليًا وإقليميًا مهمًا، بحيث يمكن
التعاون معه، بل والاعتماد عليه عند الضرورة.
مبررًا ذلك بـ"إن
العالم العربي مُنشغل تمامًا بمشاكله الداخلية، ومعظم الدول العربية غير قادرة على
أن تستفيق مما هي فيه كي تتعامل مع مشاكل وأزمات الآخرين".
قائلاً: ولا عجب إذاً
أن الدول العربية لم تُعد تهتم، منذ زمن بعيد، بالصراع "الإسرائيلي-الفلسطيني"،
وكل ما تأمله تلك الدول هو تنحية "القضية الفلسطينية" عن الأجندة
الإقليمية، حتى لا تُمثل عقبة تحول دون تحُسن العلاقات "العربية-الإسرائيلية".
لذلك؛ فإن الدول
العربية مستعدة لدعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل للنزاع "الفلسطيني-الإسرائيلي"،
شريطة أن يكون حلاً مقبولاً لدى "إسرائيل" و"العرب"، وإن لم
يكن بالضرورة مقبولاً لدى "القيادة الفلسطينية" (1).
وبالفعل.. مع بداية
العقود الثلاث الأخيرة من القرن الماضي، والتي شهدت تحولات مفصلية في السياسات
الخارجية الدولية وتأثيرات هامة في موازين القوى، دخلت المنطقة على إثرها، كشبيهاتها
من أغلبية دول العالم الثالث، في صراعات آثنية وعرقية بل وجهوية أغرقت مجتمعاتها
تحت أغطية دينية أو قومية انفصالية تذكيها ثقافات ما بعد الحداثية التي تُصّدرها
وتنشرها العولمة الثقافية والاجتماعية بآلياتها وإمكانياتها الضخمة، والتي تُسوقها
عبر الفلسفات العدمية والفوضوية والتفكيكية نافخة بها الروح بتحديثها وترسيخها
مرجعيًا وإيديولوجيًا.. ولعل أبرز محطات إغراق المنطقة في فيضان العنصرية
والطائفية الدينية، خلال تلك الفترة، كان في لبنان؛ فـ"عندما نستدعِ للذاكرة
أحداث سوداوية الدماء أنتجت بأرض عربية؛ 150 ألف قتيل و300 ألف جريح ومعوق و17 ألف
مفقود - في أشهر التقديرات الإحصائية - وهي أحداث «الحرب الأهلية اللبنانية»، التي
أستمرت لنحو 15 عامًا متواصلة وهُجّر بسببها أكثر من مليون نسمة في بلد كان عدد
سكانه ثلاثة ملايين، ونُزح نحو 600 ألف شخص من 189 بلدة وقرية مسيحية وإسلامية، أي
ما يعادل 21.8% من مجموع السكان، كما قدرت خسائر الحرب المباشرة التي أصابت رأس
المال الإنشائي والتجهيزي في القطاعين العام والخاص بنحو 25 مليار دولار أميركي"
(2).
"الحرب
اللبنانية الأهلية" التي اندلعت، فيما بين أعوام 1975 إلى 1990، نتيجة "انتفاضة
شعبية" حملت مطالب تقدُمية محددة كان من أبرزها تمثيل عادل ومناسب للطوائف
الإسلامية سُنية/شيعية بمقاعد مجلس النواب وتغيير صيغة وأسلوب الطبقة الحاكمة من
صيغ طائفية وعشائرية لآخرى ديمقراطية تُنمي العدالة الاجتماعية/الاقتصادية لأغلبية
سكانية ترزح تحت خطوط الفقر والفاقة، ولكن نتيجة استدعاء الحرب الأهلية لأطراف
إقليمية بمصالحها المتعددة، وأحيانًا المتشابكة التعقيد، خلقت أوضاعًا جيوسياسية
شديدة الإرتباك والحساسية؛ كانت نتيجتها النهائية احتلال الآلة العسكرية
الإسرائيلية لعاصمة عربية مباشرة لأول مرة !
ولكن قبل انتهاء "الحرب
الأهلية اللبنانية"، كان يجب، على هامشها، "تسريع" دفع الشارع
العربي عامة في طريق الطائفية والعنصرية، وتذكية النعرات السلفية - سواءً قبلية
كانت أو دينية أو طائفية أو عنصرية - لقتل وسحق جميع "الحركات التحررية
التقدُمية" بمعظم البلدان العربية والنامية، فتم تفتيت و"سحق" الثورة
الفلسطينية المقاومة في "بوتقة" لبنان بعد ضربها في "محرقة" الأردن،
استعدادًا لـ"تصفية" القضية "المزمنة" بخلق وضع جديد. في
الوقت الذي يُعلن فيه، "صدام حسين"، في العراق، الحرب لثماني سنوات
متواصلة ضد إيران تحت شعارات و"قشرة" دينية، ويُعلن "حافظ الأسد"،
في سوريا، عن ثورته التصحيحية التي من أهم بنودها تعديلات "إسلامية" لدستور
البلاد وتشريعاتها. لتعلو موجات تيار الإسلام السياسي وتقوى شوكته لدرجة نجاحه في
اغتيال "أنور السادات"، في مصر، بعد سنوات قلائل من إعلان "الجهاد
ضد الإلحاد" في أفغانستان، لإزاحة آخر فلول النفوذ السوفياتي من المنطقة، ثم
يأتي الدور على رفع شعار "الجهاد ضد الصليبية" في حروب الشيشان والبوسنة
والهرسك، والتي تم تطويرها وتماديها حتى وصلت إلى أوروبا والولايات المتحدة ذاتها -
في محاولة لإثبات الوجود وفرض النفوذ - أواخر التسعينيات وبداية العقد الأول من
القرن الحادي والعشرين.. موازيًا كل ذلك لتيار انتشار عناصر الإسلام السياسي وتنوع
وتوسعة خريطته الحركية والجغرافية داخل مجتمعات المنطقة المتباينة، حتى وصلت ذروته
في شكل تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش)، الذي لم يدخر جهدًا في إظهار كافة الوسائل
وحشية ودنائة لتمثيل "بروفة حية" لدولة/مجتمع العصور الوسطى، وأيضًا
إعلان نوايا وآليات وشكل الدولة "الثيوقراطية"..
بالإضافة إلى عامل
حاسم وهو غياب مفاهيم "الصراع الطبقي" وحوافز التناقضات الاجتماعية
وغيرها من الركائز العلمية عن الساحة الدولية بتفكك "الاتحاد السوفياتي"
الذي شجع القوى البورجوازية العالمية بقيادة "الولايات المتحدة"،
بالطبع، على شحذ جميع أفكارها وفلسفاتها في هدم تلك المفاهيم والإلتفاف عليها بخلق
محاور جديدة للصراع؛ ربما تدور حول "الحضارات" عمومًا أو بين "الديانات"
و"المذاهب" تحديدًا، ولكنها لا تقترب من الصراع الطبقي والمشاكل
الاجتماعية التي ذهبت إلى إنكارها كلية، حتى أصبح الوعي الجمعي عالميًا والشرق
أوسطيًا محصورًا بين نموذج الدولة الدينية الواحد سواء في "إيران" أو
داخل "إسرائيل".
وأمام شبح دولة
العصور الوسطى ذات مرجعيات "اليقين المطلق"، الزاحف بقوة وثقة.. ظهرت
أصوات حثيثة، كرد فعل عكسي، تتمرد على كل ما هو من الثوابت اليقينية اجتماعيًا
وسياسيًا وفكريًا قيميًا، مرتدية المسوح الثورية وسط انتفاضات الشارع اللاهبة
الثائرة، ضمن عوامل كثيرة ورئيسة للثورة، نتيجة فشل تطبيقات الطبقة الوسطى العربية
لمشاريعها السياسية في الوحدة العربية أو الاشتراكية اللاعلمية، (سواء فشلٍ موضوعي
تمثل بفساد نظرية القومية العربية ذاتها؛ أو ذاتيًا في ابتداع صيغة بورجوازية
للاشتراكية العربية)، ومردودها الاجتماعي، خاصة بعد الانقلاب عليها نحو سياسات
الانفتاح على النيوليبرالية والبراغماتية القومية الإنعزالية بصيغ حكم كولونيالية
أبوية تفرض سطوتها الاستبدادية من أعلى.. لتستغل الأصوات التمردية، كقرينها من "الإسلام
السياسي"، الوجه الآخر من عُملتهما، ذلك الحراك الثوري وليّ عنقه في اتجاه
الليبرالية السياسية الأميركية خاصة والغربية عامة، بما يخدم السياسات
النيوليبرالية في شموليتها وهيمنتها العالمية..
ونظرًا لافتقار
الأخيرة للفلسفات التي تبلورها فكريًا وتجعل لها مسوغٍ اجتماعي يضفي الشعبية
والمشروعية عليها، فقد تم إبتداع تخريجات وتطورات للفلسفات العدمية والفوضوية
والتفكيكية وغيرها من شلال مقومات ما بعد حداثية تخبطت - ومازالت - في جميع
الإتجاهات حتى كثيرًا ما استعانت بتضخيم وتطوير نظريات الاشتراكيين الديموقراطيين،
كما حدث مع تنظيرات الفيلسوف الألماني الأميركي، "هربرت ماركوز"، وأهمها
نظريته باستبدال "البوليتارية العمالية" بقوى الشباب والطلاب كمحركٍ
أساس ورئيس للفعل الثوري التقدمي، وتخريجاته عن "الإنعتاق الجنسي".. وهكذا
عملت النيوليبرالية على نشر كل ما يفيد الفكر الفردي وتنمية دوره الاستهلاكي في
المجتمعات وتفكيك المناهج الثورية التحررية التي تعتمد الاشتراكية العلمية، وذلك
عبر نظرياتها ما بعد الحداثية التي مهد التقدم التكنولوجي وانتشار وسهولة وسائل
الاتصال والإعلام الاجتماعي الطريق أمامها، وكان من أهمها وسائل التواصل الاجتماعي
التي كما أنها تُعتبر مورد ثمين وقيّم جدًا لكم هائل من المعلومات والبيانات عن
مجموع بشري مُعبر لكافة المجتمعات المتباينة يتم استغلاله مركزيًا من قِبل مؤسسات
استخباراتية أو شركات كبرى دعائيًا وتسويقيًا، هي أيضًا تدعم وتنمي الشعور الفردي
سيكولوجيًا داخل المجتمعات بما يُجذر نظريات الاستقطاب والتطرف والجُزر المنعزلة
من خلال الاستنزاف الحواري والاستعراض الاستهلاكي الغير مبني على أي أسس جدلية أو
علمية صحيحة، كما يحاول توضيحه الفصل القادم، وبالتالي التمهيد وتغذية الدعايات
الشعبوية والشوفينية؛ فنجحت الإعلانات السياسية من أمثلة (أميركا أولاً) و(مصر أم
الدنيا) و(فرنسا للأمام) وغيرها من الشعارات القومية الشعبوية في الوصول الى الحكم
عالميًا، حتى على المستوى الفكري والثقافي قويت أصوات التناحر القومي بما يُمثل
عودة "حرب الحضارات" وتلونت بين التمايز الفرعوني والبابلي وغيرها بين
نخب الشعوب ذوات الظهير الحضاري..
وبذلك التقت العناصر
النخبوية المروجة لثقافات ما بعد حداثية الخادمة للتوجهات النيوليبرالية تحت
مسميات "العلمنة" و"التنوير" وغيرها من اللافتات الخارجية
التي لا تعتمد أي أسس علمية أو منهجية، مع قرنائها من أصحاب توجه "الإسلام
السياسي" في دفع مجتمعات دول العالم الثالث إلى هوة واحدة؛ وهي العودة إلى ما
يُشبه العصور الوسطى قانونيًا واجتماعيًا وثقافيًا.. يرى المفكر الأردني الكبير، "ناهض
حتر" أن: "(ما بعد الحداثة) تعبير شامل عن الإنحطاط الفكري للرأسمالية
العالمية الشائخة، التي أصبحت حدود الحداثة الفكرية والقانونية والاجتماعية
والثقافية، تقّيدها عن اضطرارها لاستخدام المخلفات الرجعية من نزاعات ما قبل
الحداثة، (مقترنة بالطبع مع وسائل الحداثة المادية)، في ديماغوغية شاملة فانتازية
لرؤية تمزج بين العدمية والكلبية والبراغماتية، هي رؤية ما بعد الحداثة، حيث يمكن
نسف المنطق الداخلي والنسق التاريخي للخطاب، وممارسة الهذيان الذي يجمع، مثلاً،
بين مباديء الديمقراطية الليبرالية والمباديء التكفيرية للجماعات الأصولية
والإرهاب في أطروحة واحدة..." (3).
"حتر"؛
الذي سجل في العام 2013، ملاحظته المندهشة، قائلاً: "أبهذه السرعة يتحرك
التاريخ في العالم العربي الجديد، فينحدر بطل المرحلة، الإسلام السياسي، من ذروة
الهيمنة على الاجتماعي الوطني، إلى حضيض سلطوية مهزوزة ومعزولة ؟.. كان ذلك
الإنحدار متوقعًا من قِبل منظرين ماركسيين، أبرزهم المصري، سمير أمين، بالنظر إلى
إفتقار الإسلاميين إلى إجابة تقدمية عن أسئلة التنمية وبناء الاقتصاد العادل
والديموقراطية الاجتماعية. وهو ما فجر الصراع في تونس بين الحزب الإسلامي الحاكم، (النهضة)،
وقوى اليسار، لكن المفاجأة المصرية، كمنت في تجاوز المستوى الاجتماعي للاعتراض
الشعبي المتوقع على السياسات الاقتصادية الإخوانية، نحو صراع تاريخي بين إجماع
مدني علماني، (تقوده جبهة الإنقاذ)، مع إسلام سياسي بلا حلفاء؛ بذلك، يكون الآخير
قد فقد هيمنته - وليس، بالضرورة، سيطرته السلطوية العارية أخلاقيًا والمؤقتة
سياسيًا - وخسر مشروعه، كما سبق لمحمد مرسي أن وصفه، لدى مثوله بين يدي ملك
السعودية، طائفي صريح هو «مشروع أهل السُنة والجماعة» الذي «ترعاه الرياض وتحميه
القاهرة»".
موضحًا أن: "جوهر
«المشروع» الانتحاري؛ هو تحويل جسم الأمة السُني - ومركزه مصر - إلى «طائفة» مغلقة،
يهيمن التحالف الإخواني السلفي عليها، وتقودها الرجعية الخليجية، وتستخدمها لبناء
دكتاتوريات شبه فاشية تحظى بدعم النظام الإمبريالي مقابل تأمين استمرار سيطرته في
البلدان العربية، في ثلاثة مجالات رئيسة: الكمبرادورية، (نظام اقتصادي يديره
الوكلاء التابعون للرأسمال العالمي، ومنه فرعه الخليجي)، والإبقاء على خضوع منظومة
النفط والغاز العربية للمصالح الغربية، وتوفير الدعم الشعبي للسلام الواقعي مع
إسرائيل".
ومن ثم؛ يكون
الإسلاميون أحرارًا بتشكيل المجال "الثقافي-السياسي" الداخلي اللازم
لتطييف الأكثرية، ووضعها في حالة صراع دائمة مع المكونات الطائفية والمذهبية
العربية الأخرى، المسيحية والشيعية والعلوية.. إلخ (4).
وبالتالي؛ حينما
نتذكر مقولة "ديفيد بن غوريون" المأثورة: "مصلحتنا في أن تكون في
المنطقة دول طائفية عدة لتُبرر وجود إسرائيل".. ونستدعي المكونات الأساسية
للآخيرة نجدها كيان نجح في إنشاء دولة تحت دعايات دينية شديدة العرقية تقترب من "الثيوقراطية"
رغم إعلاناتها عن تطبيق أساليب الحكم العلمانية الديمقراطية، تُلملم شتات شعب هو
في حقيقته ألوان متباينة الجذور الإقليمية والحضارية لا تجمع بينهم سوى الأساطير
الدينية التي تُحاول خلق حضارة موهومة موحدة تتجذر عبر شعائر وموروثات قانونية
شديدة الخصوصية، وتكفل لدولتهم شن "الحروب المقدسة".. ولكن لم ينجح كم
تلك الأساطير والموروثات الدينية في تجنيب الدولة التناقضات العنصرية والطبقية
والآثنية داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته.
وأخيرًا.. على
المستوى العربي وانتفاضات شعوب دول العالم الثالث عامة؛ التي مازالت تشتعل على
مدار العقد الحالي، نلحظ، كما يؤكد "حتر"، أنه: "لم تثُر الجماهير
الشعبية المسحوقة تحت جنازير البلدوزر الكمبرادوري، من أجل تطبيق الشريعة،
واستمرار الخضوع لمصالح رجال الأعمال ووصفات صندوق النقد الدولي تحت لافتة
إسلامية، وإنما للتحرر من القهر والإفقار والتهميش. بالأساس، لجأت تلك الجماهير
إلى الإسلام السياسي كتعبير عن احتجاجها على وضعها الاجتماعي. وكان طبيعيًا،
بالتالي، أن تلفظه حين يغدو هو في الموقع السلطوي المضاد".. ولكن كان يجب، من
أجل سحق هذه الانتفاضات الشعبية التحررية وعدم إنماء شعوبها ومجتمعاتها، خلق عالم "إسرائيلي"
الفكر والممارسة السياسية خدمة لإزدهار وتوسع "الكيان الصهوني" داخل
عالم تسوده سياسات نيوليبرالية؛ الكلمة العليا فيه لمصالح السوق الحر المفتوح.
0 تعليقات