على الأصولي
قال الماتن:
النقض الثاني: على الشيخ النائيني - قدس سره - :
إن موضوع حكم العقل عنده، عدم صدور الترخيص متصلا أو منفصلا. فعلى المسلك
الاعتيادي نقول: إن ظهور الأمر بنفسه كاف بالوجوب. ويتوقف على عدم القرينة المتصلة.ومع
عدمها ينعقد الظهور بالوجوب.
أما على مسلكه، فإنه لو صدر الترخيص منفصلا لزم خروجه عن موضوع حكم العقل
بالطاعة. فلو احتملنا الترخيص المنفصل توقف العقل عن الحكم. لأن حكمه غير محرز
الشرط، بخلافه على المسلك المشهور. ولا شك أن المسلك بالفقه كونه متوقفا على عدم
الدليل المتصل لا المنفصل.
أقول: يمكن أن يجاب ذلك على عدة مستويات:
أولا: بالنقض باحتمال التخصيص والتقييد المنفصل. بل احتمال المتصل أيضا. حيث
يكون التمسك بالعام من قبيل التمسك بالشبهة المصداقية. مع العلم أنه من الضروريات
في الفقه. فما قلتموه هنا قولوه هنا أيضا.
وملخصه: أنه يكفي في ذلك عدة أمور:
١- طريقية عدم الورود بعد الفحص عن عدم الوجود بنحو الإمارية.
٢- أو أصالة عدم الورود ولو باستصحاب العدم الأزلي.
٣- أو الاكتفاء بعدم الورود وهو قطعي.
وبه ننقح صغرى حكم العقل هنا، كما ننقح صغرى عدم التخصيص والتقييد هناك.
وكذا لو شك في قرينية الموجود المنفصل، فإنه لا يعنني بقرينيته، ولا
بتقييده ولا بترخيصه. ما لم يرجع إلى احتمال عدم قرينة المتصل.
ثانيا: ما قلناه من كون حكم العقل في مرتبة الأمر عرفا، وليس متأخرا عنه. أو قل
هو سابق رتبة على التخصيص المحتمل. فيؤخذ بما هو أسبق وهو الدلالة على الوجوب. ولا
يختلف عندئذ عن المشهور.
أقول ( وهذا النقض الثاني على مسلك النائيني. بناء على مسلك المشهور ومسلك
حكم العقل).
وحاصله: لو صدر طلب. ولم يقترن هذا الطلب بترخيص متصل. ولكن احتملنا ورود
ترخيص منفصل. فمن الواضح في هذه الحالة الفقهاء يفتون بالوجوب وهذا تفسيره على
مسلكنا واضح إذ الأمر دال على الوجوب والظهور حجة فيؤخذ به بالتالي. ما لم يصل
المعارض.
وأما على مسلك المحقق النائيني. فالوجوب لا يثبت لأن الوجوب حكم عقلي
موضوعه هو أن يصدر الطلب ولا يصدر الترخيص. وهذا غير معلوم. بل يمكن الرجوع للأصول
المؤمنة كحديث رفع عن أمتي. حيث شككنا في تحقق ما هو موضوع لوجوب الطاعة. وهو
الطلب مع عدم الترخيص.
ولذا ذكر أستاذ الماتن عبارة أن ظهور الأمر بنفسه كاف بالوجوب مع عدم
القرينة الصارفة لانعقاد الظهور بالوجوب.
الماتن: هنا حاول الإجابة على أستاذه،
بالقول: نقضا، باحتمال التخصيص والتقييد المنفصل بل بالمتصل. حيث يكون من
قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وتخليصه: عدم الورود بعد الفحص أو أصالة عدم الورود باستصحاب عدم صدور
الترخيص.
أو الاكتفاء بعد الورود وهو قطعي، ويمكن تنقيح صغرى حكم العقل وصغرى عدم
التخصيص والتقييد. وكذا لو حصل شك في قرينية الموجود المنفصل فلا نعتني بقرينيته
ولا بتقييده ولا بترخيصه إلا بعد الرجوع لاحتمالية عدم قرينة المتصل.
ناهيك. عن أن حكم العقل في مرتبة الأمر واحدة عرفا. فلا تأخير. أو قل هو
سابق رتبة على التخصيص الذي هو محتمل. وفي مثله. يؤخذ بالأسبق وهو الدلالة على
الوجوب.
ثانيا: ما قلناه من كون حكم العقل في مرتبة الأمر عرفا، وليس متأخرا عنه. أو قل
هو سابق رتبة على التخصيص المحتمل. فيؤخذ بما هو أسبق وهو الدلالة على الوجوب )
قال في المتن:
الاحتمال الآخر: الذي بينه السيد الأستاذ أيضا: أن تكون دلالة الأمر على
الوجوب بالإطلاق ومقدمات الحكمة، كأسماء الأجناس.
ولذلك عدة تقريبات:
التقريب الأول: ما ذكره المحقق العراقي - قدس سره - من أن الأمر مادة
وصيغة يكون دالا تصديقيا على وجود الإرادة المولوية القائمة في نفس المولى.وهذا
الإرادة أمرها مردد بين أن تكون قوية وهي الوجوب، أو ضعيفة وهي الأستحباب. ونريد
أن نثيت بمقدمات الحكمة أن هذه الإرادة المدلول عليها بالأمر قوية وليست ضعيفة.
وذلك ببيان: أن الإرادة القوية والضعيفة تشتركان في أصل الإرادة. وتمتاز
الشديدة بشدتها وهي - أي شدتها - أيضا إرادة فيكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز.
بخلاف الضعيفة فإن ما به الامتياز فيها ليس هو الإرادة.
وبناء عليه نقول: بأن الأمر الصادر من المولى يدل على الإرادة. فإن كانت
الشديدة، فهذا الخطاب قد بين تمام الحقيقة بلحاظ ما به الاشتراك وما به الامتياز. لأن
كل ذلك هو إرادة. والخطاب المولوي يناسب التعبير عن الإرادة بكل هويتها.
وأما إن كان في نفس المولى الإرادة الضعيفة، فخطاب المولى يعبر عما به الاشتراك
من هذه الإرادة دون ما به الامتياز. لأن ما به الامتياز هو فقدان الإرادة، وليس
سنخها.
ومعه تجري مقدمات الحكمة. وذلك بأن يقال: إن الأصل هو كون المولى في مقام
بيان تمام مرامه. فإن كان تمام مرامه هو الإرادة القوية، فقد بينها. وإن كان تمام
مرامه هو الإرادة الضعيفة فهو لم يبينها. لأنه إنما بين ما به الاشتراك دون ما به الامتياز
منها. فلو كان يريد تلك المؤونة الزائدة لنصبت القرينة، ولم ينصب، فتحمل على
الإرادة القوية.
أقول ( هذا ما ذكره المحقق العراقي كما في - المقالات - ويمكن تقريب معناه
بما حاصله: يرى المحقق ان التمسك بإطلاق الصيغة اي بإطلاقها اللفظي لعدم جريان
مقدمات الحكمة بالنسبة إلى مدلول الصيغة، لأن الصيغة عبارة عن النسبة القائمة بين
الذات والمبدأ وهي لا بفرق بين كونها بنحو الوجوب أو الندب، كما لا تجري بالنسبة
إلى الإرادة التي تتضمنها الصيغة، لكونها إرادة شخصية جزئية، فلا إطلاق فيها وليست
الشدة والضعف من عوارضها بعد وجودها، لكي يكون لها إطلاق معينا احدهما، بل توجد أما
شديدة أو ضعيفة، واما تمسك المحقق العراقي - كما في أحد دورات بحثه - بالإطلاق
اللفظي لتعيين الوجوب بالنسبة إلى مادة لأمر لأنها كلية طبيعية، فتجري مقدمات
الحكمة،
فإذا جرت - أي مقدمات الحكمة - دلت على المصلحة اللزومية، ومنها تنشأ
الإرادة التشريعية الشديدة بالدلالة الإلزامية، وهذا معناه لا يتأتى في دلالة صيغة
الأمر لعدم جريان مقدمات الحكمة، في تعيين إطلاقها.
نعم، لا مانع من جريان مقدمات الحكمة بالنسبة إلى الإطلاق المقامي، فإنه
لما كان المتكلم في مقام البيان وكان كلامه صالحا لأن ينطبق على أحد أمرين، أحدهما
غير محتاج إلى مؤونة، والآخر في حاجة إلى ذكر مؤونة، فعدم ذكرها يدل على عدم
اعتبارها، بيان ذلك:
ان الوجوب عبارة عن الطلب الشديد، والندب عبارة عن الطلب الضعيف، اي يجوز
تركه، فالوجوب يفترق عن الندب بشدة الطلب والشدة من مراتبه، والندب يفترق عن
الوجوب بالضعف أي الأذن في الترك، وهو ليس من سنخ الإرادة، وإنما هو حد خاص لها،
فيكون الوجوب من قبيل الوجود المطلق اي غير محدد بحد. بلحاظ ان الشدة من سنخ
الطلب، وليس من حدوده، لأن حد الشيء لا يكون من سنخه، والندب من قبيل الوجود
المحدود لاشتماله على الضعف، وهو ليس من سنخ الإرادة، فالوجوب حينئذ يكون بسيطا،
والندب يحتاج إلى مؤونة زائدة، لكونه مركبا من الطلب مع الإذن بالترك، ويترتب على
ذلك إن المولى إذا كان بصدد البيان وقد أنى بكلام يكشف عن مراده وكان صالحا
لانطباقه على أحد الأمرين، مع ان أحدهما لا يحتاج إلى مؤونة زائدة فحينئذ يحمل
كلامه عليه، ولا يحمل على ما يحتاج إلى المؤونة، هذا إذا أحرز أن المولى في مقام
البيان، فمع الشك في أنه في مقام البيان يحمل عليه أيضا، لوجود أصل عقلائي مقرر في
رتبة سابقة يحرز ان المولى في مقام البيان فيعمل على طبقه في مقام الشك،
ولذا نجد المحقق العراقي أفاد بما نصه: ان الصيغة وأن لم تدل على الوجوب
بالوضع، ولكنها تدل عليه بالإطلاق ومقدمات الحكمة،
حيث يرى: ان الإرادة المتعلقة بفعل الغير تختلف شدة وضعفا حسب اختلاف
المصالح والأغراض الداعية إلى ذلك، فمرة تكون الإرادة شديدة أكيدة بحيث لا يريد
المولى تخلف إرادته عن المراد، ولا يريد تخلف العبد عن الطاعة والامتثال، وأخرى
تكون ضعيفة على نحو لا يمنع المولى العبد عن التخلف، ولا يكون العبد ملزما بالفعل،
بل ان شاء الفعل وان شاء الترك،
فعلى الأول يطلب المولى الفعل على سبيل الحتم والإلزام، ويعبر عنه بالوجوب،
فيكون الوجوب واقعه الموضوعي طابعا مثاليا للإرادة الشديدة الأكيدة ومرآة لها، فهي
روح الوجوب وواقعه الموضوعي، وعلى الثاني يطلب ذلك طلبا ضعيفا على سبيل الندب وعدم
الحتم، ويعبر عنه بالاستحباب، فيكون الاستحباب مثالا موضوعيا لتلك المرتبة
بالإرادة وهي روحه وواقعه الموضوعي، وهذا الاختلاف بالإرادة أمر وجداني حيث أننا
نرى بالوجدان ان إرادة العطشان مثلا لإتيان الماء البارد أشد وأكد من إرادته لإتيان
الفاكهة مثلا،
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان شدة الإرادة ليست بأمر زائد عن الإرادة،
بل هي عين تلك المرتبة في الخارج ونفسها، فما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز،
نظير السواد والبياض الشديدين، حيث إن ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز،
ومن ناحية ثالثة ان صفة الضعف في الإرادة حد عدمي، وعليه فطبيعة الحال تكون تلك
الصفة أمرا زائدا عليها، وتحتاج في بيانها إلى مؤونة زائدة في مقام الإثبات،
والنتيجة - على ما ذكرها المحقق العراقي - هي : قوله:
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي هي أن المولى إذا أمر بشيء وكان في مقام
البيان ولم ينصب قرينة على إرادة الإرادة الضعيفة، فقضية الإطلاق وعدم نصب القرينة
على إرادة المرتبة الضعيفة هي حمل الأمر على بيان المرتبة الشديدة، حيث قد عرفت ان
بيانها لا يحتاج إلى مؤونة زائدة دون بيان المرتبة الضعيفة، وبذلك نثبت إرادة
الوجوب الذي هو طابع مثالي لتلك المرتبة من الإرادة - انتهى كلام المحقق العراقي -
السيد محمد باقر الصدر، ذكر في - مباحث الدليل اللفظي تقريرات السيد محمود
الهاشمي الشاهرودي - ما نصه تعقيبا على بيان المحقق العراقي - إذ قال: وهذا البيان
وان كان صناعيا في الجملة إلا أنه يرد عليه بان الإطلاق ومقدمات الحكمة ظهور حالي
عرفي يقتضي ما دار أمر المتكلم فيه بين أن يكون مرامه سنخ مرام يفي به كلامه وليس
فيه مؤونة زائدة ينظر العرف أو كون سنخ مرام بحاجه الى مؤونة زائدة في نظر العرف
لم يف بها الكلام تعين الأول وأما لو فرض أن هذا التمييز والاختلاف بين المرامين
والحدين أمر عقلي بالغ الدقة لا عرفي فلا تكون مقدمات الحكمة مؤثرة في إثبات إطلاق
عرفي لتعيين أحدهما في قبال الآخر وما ذكر من الفرق بين الوجوب والاستحباب كذلك
فإن العرف لا يلتفت إليه ارتكازا،
وللسيد المحقق الخوئي تعقيبا آخرا حول بيان المحقق العراقي - كما في
محاضراته الأصولية - ما مضمونه: ان ما أفاده المحقق العراقي، من اختلاف الإرادة
باختلاف الأوامر وجوبا وندبا، لا يتم في الأوامر الشرعية، وإنما يتم في الأوامر
العرفية - راجع محاضراته ففيها تفصيل - ).
0 تعليقات