علي الأصولي
قال الماتن:
أقول: ويرد عليه عدة أمور :
أولا: إن هذا ليس من سنخ مقدمات الحكمة وأن شابهها
بيانا.
وأوضح تنبيه على ذلك : عدم مجيء هذه المقدمات في
العموم . بالرغم من صحة هذه المقدمة فيها.
وهو توقف العموم على عدم القرينة على التخصيص ...
فكذلك في المقام. فليس كل ما يتوقف على عدم البيان يكون من مقدمات الحكمة. وإنما
ذلك خاص بالإطلاق اصطلاحا.
ثانيا: إن المولى لم يكن في مقام البيان إلا من
ناحية المعنى الوضعي الذي هو للأعم. ويكفي الشك في ذلك لنفي النتيجة.
ثالثا: أنه يستحيل أن يكون ما به الاشتراك عين ما
به الامتياز ، كما قال في الإرادة القوية ، وإلا لم يكن امتيازا أو - فصلا -
حقيقة. لذا ما كان بسيط الحقيقة، فإنه لا فصل له. وإلا لأمكن فيه نفس الكلام، وهو
ممنوع في علم الكلام.
رابعا: أنه يستحيل أن يكون الفصل نقيضا للجنس كما
قاله في الإرادة الضعيفة. حيث كان فصلها عنده هو عدم الإرادة. فأصبح عدم الإرادة
فصلا للإرادة وهو مستحيل.
خامسا: إننا إذا قلنا بأن الدلالة على الوجوب
بالإطلاق، يعني ليس بالوضع. يعني أن الوضع للجامع بين الحصة اللزومية
والاستحبابية. وعندئذ فالدلالة الوضعية تدل على أصل الإرادة أو القدر المشترك
منها. ولا دلالة لها على الفصل، لأن المعنى الوضعي يقتضي ذلك.
ولا بد بالفصل من البحث عن دليل خارجي كقرينة
ونحوها. ومجرد كونه لم ينصب قرينة على الاستحباب لا يعني كونه قد استعمل اللفظ في
خصوص الحصة اللزومية.
سادسا: يمكن أن يقال: إن الإرادة غير ناقصة في كلا
الفرضين: وهما من الناحية المقولية أو الماهوية من سنخ واحد. وفصلها ليس هو ضعفها
وشدتها. بل يفترقان من ناحية المتعلق. فإن أحدهما متعلقها هو الطلب التشريعي
اللزومي. والأخرى متعلقها هو الطلب التشريعي الراجح أو المرجوح.
إذن ، فالنقض في المراد لا في الإرادة.
على أننا يمكن أن نطعن حتى في ذلك. بإعتبار أن
الرجحان أو الاستحباب ليس نقصا عن اللزوم. إنما هو من سنخ آخر من الطلب بدليل له.
ولو مشينا على مذاقه، كان بالإمكان إعتبار أن
اللزوم نقصا، لأن فيه تحميلا من ناحية واستحقاقا للعقاب على تقدير العصيان من
ناحية أخرى. بخلاف الاستحباب. فإذا كان الإطلاق نافيا للنقص.
إذن، يكون نافيا للزوم.
أقول ( وجه السيد الماتن جملة من الإيرادات على من
حاول توجيه ترديد ضعف الإرادة وشدتها على الوجوب والاستحباب بمقدمات الحكمة.
المحقق العراقي ذهب إلى أن صيغة الأمر وأن لم تدل
على الوجوب بالوضع ، لكنها تدل عليه بالإطلاق ومقدمات الحكمة ،
بتقريب: إن الإرادة المتعلقة بفعل الغير تختلف شدة
وضعفا حسب اختلاف المصالح والأغراض الداعية إلى ذلك. فتارة تكون إرادة شديدة وأكيدة
وتارة تكون ضعيفة، والأولى لا يريد المولى تخلف إرادته عن مراده والثانية لا يمنع
المولى العبد بالتخلف عن تحصل مراده. فلا إلزام في البين.
وهذا هو معنى إرادة الوجوب والاستحباب عند المحقق
العراقي.
وما أفاده المحقق غير تام لأننا ان تصورنا المعنى
فهو جار في الأوامر العرفية دون الشرعية لأن المولى العرفي هو الذي نتصور في نفسه
الإرادة المشككة والمرددة بين القوة والضعف لا المولى الشرعي الحقيقي.
ناهيك عن كون الإرادة التكوينية التي هي عبارة عن
الشوق النفساني المحرك للعبد نحو المراد إنما نتعقلها بفعل الغير إذا كانت فيها
مصلحة راجعة إلى نفس المريد لا إلى غيره.
ونحن نلاحظ أن كل الأحكام الشرعية مصلحتها متعلقه
بالأفراد دون الشارع فلا معنى وإرجاع الإرادة قوة وضعفا للشارع لعدم الفائدة
والثمرة.
وعلى اي حال ان ملاحظة قوة الإرادة من ضعفها حيث
بساطة الإرادة القوية تركب الإرادة الضعيفة تلحظ بلحاظ دقي عقلي. فالفرق أمر عقلي
وليس عرفيا. ومن الطبيعي أن الإطلاق إنما يعين ما هو المتفاهم العرفي عرفا دون
غيره،
وبساطة مرتبة الإرادة وعدم وجود حد لها وتركب
الإرادة الأخرى ووجود حد لها أمران خارجان عن الفهم العرفي،
ومعه لا يمكن حمل الإطلاق على بيان المرتبة الأولى
دون الثانية. نظير إطلاق لفظ الوجود من متكلم ما ، مع عدم بيانه ما يدل على إرادة
معناه هل يقصد سائر الموجودات؟ وهل يمكن حمل إطلاق كلامه على إرادة واجب الوجود؟
بلحاظ عدم التحديد والتعيين!؟
وجوابه لا يمكن تعيين كلام المتكلم كما في المثال أعلاه
لخروجه عن المتفاهم العرفي. هذا ما ذكره الفقيه السيد الخوئي بتصريف.
وما ذكره السيد المحقق الخوئي فيه نقاش في مسألة
عدم تعلق الإرادة المولوية بمتعلقات التكليف بدعوى مصلحتها عائدة للمكلف، وكذا
مسألة قوة الإرادة وضعفها بلحاظ البساطة والتركب.
لأننا يمكن أن ندعي ان المصلحة المولوية ناتجة من
عناية للطفية للمكلف وإيصال الأمر للمكلف وكماله. واللطف عين ذاته سبحانه وتعالى.
ولأجل هذه النكتة أمكن القول بالمصلحة المشتركة بين الحق والخلق مع عدم التنافي
والتضاد كونه هو الغني عن العالمين. ومن هنا أمكن أن نتفهم قوة الإرادة وضعفها
تبعا لموصليتها ومحصليتها للكمالات الإمكانية شدة وضعفا بالإرادة الإلهية المنقدحة
بسبب تلك المصالح الكامنة بالأفعال.
وعليه قال أهل التحقيق: أن الإرادة تتحصص بحصتين
وتحدث بنحوين بالإرادة القوية والضعيفة هي إرادة بالحمل الشايع. بالإرادة ثبوتا
تنقسم إلى قسمين واستكشاف لون الإرادة في صقع المولى لابد لها من دليل إثباتي وهذا
الدليل يمكن معرفته من خلال كاشفية إطلاق صيغة - أفعل - عن الإيجاب وهذه الإرادة
من الوضوح بمكان تعلقت بطبيعة من الطبائع.
نعم: ما ذكره أهل التحقيق مبن على إذعان العقل
بمولوية الأمر وبعدها يستقل العقل بلابدية الإتيان بالمأمور وهو مسلك المحقق
النائيني كما لا يخفى على المتابع.
ثم دخل القوم حيص بيص في موضوعة الوجوب والاستحباب
على ما أفاد المحقق الأصفهاني في هامش - الدراية - كما في أواخر أيام حياته على ما
نقلوا : بما نصه: تنقيح المرام أن الإيجاب والاستحباب هل هما مرتبتان من الإرادة
أو انشائان منبعثان عن مرتبتين من الإرادة، أو انشائان منبعثان عن مصلحة ملزمة
وغير ملزمة، أو هما انشاءان بداعي جعل الداعي مع المنع من الترك وعدمه، أو انشاءان
بداعي جعل الداعي مع الرخصة في الترك وعدمها، أو انشائان بداعي البعث الأكيد وبداعي
البعث غير الأكيد، فهذه مجموع المحتملات. وقال: ويتفاوت بحسبها تقريب مقدمات
الحكمة واستفادة الوجوب والاستحباب. الخ....
وما يهمنا في المقام هو ما أفاده الماتن : ردا على
التقريب الاول الذي ذكره المحقق العراقي. ومحاولة إثبات أن مادة الأمر وصيغته يكون
دالا تصديقيا على وجود الإرادة المولوية في نفس المولى قائمة مع ترددها قوة -
وجوبا - وضعفا إستحبابا - ومحاولته إثبات الإرادة القوية المدلول عليها بالأمر من
خلال مقدمات الحكمة. كما بينا معنى مقدمات الحكمة في كلام سابق وبينا كذلك شرح
مراد المحقق العراقي في مسألة تفصيل الإرادة القوية ومعنى ما به الإشتراك عين ما
به الامتياز فراجع.
0 تعليقات