علي الأصولي
قال الماتن:
أقول: يرد عليه جملة من إشكالاتنا السابقة على
المسلك السابق.
وذلك:
أولا: أن تسميتها بمقدمات الحكمة يتحوي على تجوز
وعلى خلاف الاصطلاح.
ثانيا: أنها إنما تتم إذا كان التكلم في مقام
البيان من جميع الحيثيات. وهذا لا يكون دائما بل أحيانا كما قال السيد الأستاذ - أو
كما قلنا - إنه في مقام البيان من ناحية المدلول اللغوي فقط. ولا قرينة زائدة على
خلال ذلك على الفرض.
ثالثا: إننا إنما نصير إلى هذا المسلك إذ نفينا
الدلالة الوضعية على الوجوب، وقلنا بأن الأمر دال وضعا على الجامع. ومعه يكون
الإطلاق بالعكس. وهي عدم إرادة الوجوب ما لم يقيد. ولا اقل من الإجمال، ما لم يختر
أحد الحصتين أعني الوجوب أو الاستحباب.
رابعا: ما قاله: من أن عدم التقيد يدل على تقيد
العدم. غير تام عرفا فضلا عن العقل. فغايته عدم التقييد. وأما كون هذا العدم قيدا
للأمر بحيث يتحقق به إحراز موضوع الإطلاق فهو قابل للمنع. والإمارية العرفية
ممنوعة. وقضية تعين النقيض مع ارتفاع الآخر، إنما يعين العدم لا التقيدية به.
أقول ( قلنا سابقا أن مسلك المحقق العراقي أفاد
بما حاصله: أن المولى إذا أمر بشيء وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على إرادة
الإرادة الضعيفة، فقضية الإطلاق وعدم نصب القرينة على إرادة المرتبة الضعيفة هي
حمل الأمر على بيان المرتبة الشديدة. بلحاظ أن بيانها لا يحتاج إلى مؤونة زائدة
بخلاف الإرادة الضعيفة. وعليه نفهم إرادة الوجوب الذي هو الطابع المثالي لتلك
الإرادة.
وببركة الإطلاق ومقدمات الحكمة يتم المطلوب.
ولكن قد عرفت سابقا طبيعة الإيرادات والمناقشات
التي أوردت على مسلك المحقق العراقي من قبل الأعلام ومنهم الماتن وأستاذه.
ولذا أصر الماتن على عدم قبول تسمية ذلك أو قل
الاستفادة من مقدمات الحكمة. وأن صح تسميتها فهو من باب التجوز فحسب.
علاوة على أن المقدمات تتم فيما لو كان في مقام
بيانه بلحاظ كل الحيثيات المتعلقة به - أي بالكلام - وهذا ما نوه عليه السيد
الشهيد الصدر الأول.
نعم. يمكن الالتزام بمسلك المحقق العراقي اذا تم
نفي الدلالة الوضعية على أنها للوجوب. ويقال حينئذ أن الأمر دال على الجامع. ومعه
تكون عدم الإرادة الوجوبية أو على الوجوب إلا بشرط التقييد. بل حتى لو كان الموضوع
فيه إجمال. ما لم يختر ويلتزم أحد الأمرين اما الوجوب أو الأستحباب.
وأما موضوع. عدم التقيد تقيد العدم أو يدل على
تقيد العدم فهو غير تام عرفا وعقلا. فقد أرسله الماتن إرسال المسلمات - واجد فيه
تأمل - وأما كون العدم يكون قيدا للأمر بحيث يتحقق من خلاله إحراز موضوع الإطلاق
فهو ممنوع - ولم يبين الماتن وجه المنع –
المسألة من وجه آخر : أن الآمر لو كان بصدد البيان
فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب. فأن الندب كأنه يحتاج إلى مؤونة بيان
التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك. بخلاف الوجوب فإنه لا تحديد فيه.
وهذا الوجه: ظاهر الفساد. لأن الوجوب يحتاج إلى
مؤونة بيان التقييد بالمنع من الترك. دون الندب الذي قيده عدم المنع من الترك. إذ
يكفي في إثباته عدم نصب القرينة على المنع.
وهذا كله بناء على بساطة الوجوب والاستحباب اي
أنهما أمران بسيطان.لا مركبان من طلب شيء مع المنع من الترك أو الإذن فيه. والأول
هو الوجوب والثاني هو الاستحباب.
فالوجوب هو الطلب التام الذي لا حد له من جهة
النقص إذ بلغ مرتبة لا يقبل الآمر بترك ما تعلق به.والندب هو الطلب المحدود الفاقد
لمرتبة من الإرادة فهو منفصل بفصل عدمي ليس من سنخ الطلب.
ومن هنا قال - السيد الروحاني - أن المتكلم إذا
كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على إرادة الحد يحمل الكلام على إرادة المرتبة
التامة الخالصة غير المحتاجة إلى بيان الحد لعدم الحد له ).
قال الماتن:
التقريب الثالث: ما ذكره في تقريرات الهاشمي: من
أن الصيغة تدل على الإرسال والدفع بنحو المعنى الحرفي. ولما كان الإرسال والدفع
مساو لسد تمام أبواب العدم للاندفاع والتحرك. فمقتضى أصالة التطابق بين المدلول
التصوري والمدلول التصديقي: إن الطلب والحكم مبرز ، أيضا من سنخ حكم يشتمل على سد
تمام أبواب العدم. وهذا يعني عدم الترخيص بالمخالفة.
أقول: وهذا يرجع إلى أننا نفهم من نفس الأمر معنى
الوجوب، لأنه بنفسه دال على عدم الترخيص بالترك. ولا يحتاج إلى إحراز عدم الترخيص
من الخارج.
إلا أنه. مع ذلك لا يتم :
أولا: إذا كان المدلول التصوري للأمر هو الوجوب.
كان ما قاله صحيحا، لكن يكفي فيه المعنى الوضعي، ولا يحتاج إلى هذا الكلام المتأخر
رتبة عنه.
وأن كان موضوعا للجامع، فهو لا يدل بالمدلول
التصوري على سد تمام أبواب العدم، بل بعضها وكونه دالا على سد جميعها أول الكلام.
بل هو مرفوض بناء على هذا المسلك.
ولا يمكن الوضع للجامع مع دلالته على سد تمام
أبواب العدم إلا على ضرب من المجاز .باعتبار التضمين الوجداني للوجوب. وهو على
خلاف الأصل. فلا تكون أصالة المطابقة كافية في هذا المورد وأن تمت كبرى.
ثانيا: إن في هذا التقريب محاولة لجعل الإطلاق صفة
لنفس اللفظ بحيث يدل الأمر على الأمرين. وهما مدلوله اللغوي والإطلاق دفعة واحدة.
وهذا بناء على الوضع صحيح ، كما اخترناه. إلا أنه
هنا فاشل. فإن غايته هو تقريب المداليل العقلائية التي تكون مقترنة اللفظ إلى درجة
يكون فيها اللفظ دالا عليها. مضافا إلى مدلوله اللغوي.
إلا أن الإطلاق ليس كذلك، لأن عدم التقييد أمر
تكويني، يحتاج إلى إثبات من الخارج، وأصالة التقييد المنفصل ليست حجة في لوازمها.
ومجرد الشك فيه يكفي بنفيه. يعني ذلك الأمر التكويني، إلا أن تقوم حجة شرعية. فهو
أمر خارجي عن اللفظ يحتاج إلى عناية زائدة. وأما جعله من صفات اللفظ نفسه فهو باطل.
أقول ( وهذا التقريب ذكرته أستاذ الماتن وحاصله :
إن صيغة الأمر تدل على الإرسال والدفع. بنحو
المعنى الحرفي. وبلحاظ ذلك فهذا يلزم التساوي في سد أبواب العدم. دفعا وتحركا.
ومقتضى أصالة التطابق بين المدلولين التصوري
والتصديقي. فيقال:
أن الطلب والحكم مبرز أيضا. وهو بالتالي يعني عدم
الترخيص بالمخالفة.
وهنا ننقل كلاما لأحد طلبته اعني السيد الحائري في
كيفية دلالة صيغة الأمر على الوجوب. إذ قال:
الجهة الثانية : في كيفية دلالة الأمر على الوجوب
بعد الفراغ عن دلالتها على الطلب.
وهناك مسالك ثلاثة لاستفادة الوجوب من مادة الأمر .
الأول: مسلك العقل. وهو أن العقل ينتزع الوجوب من
أمر المولى عند عدم صدور الترخيص في الخلاف.
ثانيا: مسلك الإطلاق بأن يقال أن مقتضى الإطلاق
ومقدمات الحكمة. هو حمل الطلب على الفرد الأخف مؤونة. وهو الوجوب. ببيان مضى
ثالثا: مسلك الوضع. بإن يقال أن مادة الأمر موضوعة
للوجوب.
أما المسلك الأول: فلو تم هناك يجري هنا. أيضا
حرفا بحرف بلا فرق بين المقامين.
وأما المسلك الثاني. فقد يقال أنه لو تم هناك لا
يتم هنا. وذلك لأن صيغة أفعل مدلولها هو الإرسال والدفع والتحريك وليس مدلولها هو
الإرادة كما في مادة الأمر. ففي مادة الأمر كان يقال. أنها دالة على الإرادة وهي
ذات مراتب فتحمل على المرتبة الشديدة مثلا ببيان مضى. وأما الإرسال والدفع فهو على
حد واحد. لا يختلف باختلاف الوجوب والاستحباب حتى تعين المرتبة الشديدة منه
بالإطلاق.
والجواب أولا: أن صيغة الأمر في مرحلة المدلول
التصديقي تكون دالة على الإرادة لا محالة. فيصح جريان الإطلاق واثبات الفرد الشديد
بهذا اللحاظ.
ثانيا: إنه قد مضى ان صيغة الأمر تدل تصورا على
النسبة الارسالية. أولا: وعلى الإرادة ثانيا : وبالملازمة فليجري الإطلاق بهذا
اللحاظ.
وأما المسلك الثالث: وهو الوضع. فايضا قد يشكك في
ذلك في المقام وذلك فيما عرفت. من أن الإرسال والإلقاء ليس كالإرادة منقسما إلى
قسمين ومرتبتين بلحاظ الوجوب والاستحباب. حتى يفترض وضع الصيغة للنسبة الارسالية
الشديدة مثلا.
ويمكن دفعه. بإن الإلقاء وأن كان لا يتحصص بلحاظ
نفس الإلقاء. بما هو هو . إلى شديد وضعيف. ولكن يتحصص بلحاظ منشئه. إذ قد ينشأ من
إرادة شديدة وأخرى من إرادة خفيفة. فبالإمكان افتراض كون صيغة الأمر . موضوعة نسبة
الإرسال الناشىء من الإرادة الشديدة. فإذا أصبح المدلول التصوري الوضعي عبارة عن
ذاك الفرد الناشىء من الإرادة الشديدة. كان مقتضى أصالة التطابق. بين المدلول
التصديقي والتصوري. الكشف عن وجود إرادة شديدة في نفس المولى. هذا ونحن - ويقصد به
نفسه اعني السيد الحائري - في مبحث مادة الأمر وأن قلنا أنه لا يمكن الاستغناء عن
دعوى الوضع في مقام استفادة الوجوب لعدم تمامية مسلك الإطلاق ولا مسلك العقل. إلا
أنه في صيغة الأمر يمكن الاستغناء عن الوضع وذلك بأن يقال: أن الإلقاء الذي هو أمر
تكويني خارجي يستبطن طبعا سد كل أبواب العدم. فإن الإلقاء قهره وجهره. نحو الفعل
جرا . وهذا لا يكون إلا بسد تمام أبواب العدم. فإذا صدرت صيغة - أفعل - واستفدنا
من ظاهر حال المولى. وكلامه أنه في مقام الدفع التشريعي.
قلنا. ان المدلول التصوري هو الإلقاء التكويني.
والإلقاء التكويني سد تمام أبواب العدم والمدلول التصديقي هو الدفع التشريعي
ومقتضى أصالة التطابق بين المدلول التصديقي والمدلول التصوري هو كون الدفع
التشريعي سدا لتمام أبواب العدم. وسد تمام أبواب العدم في عالم التشريع فمعناه
الوجوب فهذا يكون وجها لاستفادة الوجوب بالإطلاق. ومقدمات الحكمة ولكن بتقريب
أصالة التطابق بين المدلول التصوري والتصديقي. لا بتقريب آخر. هذا حال الصيغة وفي
مادة الأمر أيضا أن العرف يستفيد منها معنى الدفع والإلقاء فيأتي نفس التقريب : انتهى
كلام السيد الحائري.
وهنا وضح الماتن رأي أستاذه بهذا التقريب. بما
حاصله:
كون هذا التقريب الثالث. يرجع بالأصل الى أن نفس
الأمر معنى للوجوب. لان أصل الوجوب بنفسه وطبعه دال على عدم المخالفة أو قل دال
على عدم الترخيص بالمخالفة بالترك ،
ومعه لا نحتاج إلى كلفة زائدة بالإحراز - أي إحراز
عدم الترخيص من الخارج - وعلى هذا التقريب فأبواب العدم مسدودة.
وتجد الماتن بعد أن قرب هذه الصورة قد أعترض عليها
بدعوى عدم التمامية.
بلحاظ كون المدلول التصوري للأمر هو نفس الوجوب
فيكون هذا التقريب صحيحا في نفسه. - يعني وحسب هذا التقريب أن الأمر ليس موضوعا
لجامع الطلب.
ومع كونه موضوعا لجامع الطلب. فلا يدل المدلول
التصوري على سد أبواب العدم. بلحاظ الجامع بين الوجوب والاستحباب. وقوله في
التقريب الثالث. بسد أبواب العدم جميعها أول الكلام.
نعم مع المجاز يمكن القول بسد أبواب العدم باعتبار
التضمين الوجداني للوجوب فقط. وهو على خلاف أصل المسلك الذي ذكر على ضوءه هذا
التقريب.
وعليه. فاصألة المطابقة غير تامة في هذا المورد
وأن تمت من ناحية كبروية.
بقى أمر: أن التقريب الثالث. هو عبارة عن محاولة
لجعل الإطلاق صفة لنفس اللفظ. يعني نستفيد من صفة نفس الأمر الإطلاق. بحيث يدل
الأمر على المدلول اللغوي والإطلاق معا.
وهذه المحاولة صحيحة بناء على الوضع. كما هو مختار
الماتن. إلا أن توظيف هذه المحاولة في التقريب الثالث فاشلة. فإن غايته هو تقريب
المداليل العقلائية التي تكون مقترنة اللفظ بدرجة يكون اللفظ دالا عليها.
غير أن الإطلاق ليس كذلك. لأن عدم التقييد أمر
تكويني. ولابد من احتياج إلى إثبات من الخارج. وأصالة التقييد المنفصل ليست حجة في
للوازمها. إذ هي ليس فيها جنبة تقييدية متصلة. ومجرد ألشك فيه كافية بنفيه - اي
بنفي الأمر التكويني - إلا أن تقوم حجة شرعية. وهذا أمر خارجي عن نفس اللفظ إذا
تم. فهو يحتاج إلى عناية زائدة. واما جعله من صفات اللفظ نفسه فهو باطل. لأنه
احتيج إلى إثبات منفصل أو قل خارج عن اللفظ ).
0 تعليقات