آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (25)






 

علي الأصولي

 

 

 

 

أورد الماتن ستة إيرادات:

 

أولها : أن دعواه كون التوجيه بناء على مقدمات الحكمة فهو لا نسلم به. نعم تصوير التوجيه شبيه بمقدمات الحكمة من الناحية البيانية غير أنه ليس منها. بدلالة عدم مجيء المقدمات في العموم مع فرض مجيئها بلحاظ توقف العموم على عدم القرينة التخصصية. فكذلك بالمقام إذ ليس كل ما يتوقف على عدم البيان فهو من مقدمات الحكمة. ولذلك لكونه خاصا في الإطلاق الاصطلاحي.

 

ثانيها : إن المولى لم يكن في مقام البيان إلا من ناحية المعنى الوضعي الذي يستفيد منه الاعمية. لا بخصوصه ومع الشك تنتفي النتيجة التي رتبها المدعي.

 

ثالثا : هناك ثمة استحالة بقول ما به الاشتراك عين ما به الامتياز - والكلام في خصوص الإرادة الشديدة - فهذه العينية ليست من مقولة الامتياز فلا فصل حقيقي في البين بلحاظ بسيط الحقيقة - المشهوري - فلا فصل فيه بالتالي.

 

 

رابعا : منطقيا لا يمكن للفصل أن يكون نقيضا للجنس وهذا المعنى معروف لمن وقف على الكليات المنطقية الخمسة.

 

فلا معنى أن تكون الإرادة الضعيفة بحسب ما فهم وأراد صاحب الادعاء. أن يكون فصلها هو عدم الإرادة.

 

خامسها : لو قلنا ان دلالة الوجوب يمكن استفادتها بالإطلاق فهذا يعني ليس بالوضع. اي يكون الوضع للجامع بين الحصتين - اللزوم وعدم اللزوم - وفي مثله فالدلالة الوضعية اما ان تدل على أصل الإرادة أو لا اقل على قدرها المشترك. ولا دلالة لها على الفصل كما هي الدعوى. وهذا الأمر مقتضى المعنى الوضعي. ومسألة الفصل تبحث في مكان آخر ودليل آخر وليس في هذا المقام. وعدم نصب القرينة - دليل الاستحباب - لا يعني استعمال اللفظ في خصوص الحصة اللزومية.

 

 

سادسها : يمكن الادعاء بأن الإرادة لا نقص فيها في كلا الفرضين. إذ تجمع بلحاظ الجامع المقولي أو بالجامع الماهوي والأمر سهل. ونعتبرها بالتالي من سنخ واحد. وفصلها لا بالقوة والضعف.

 

 

نعم. أن الافتراق يلحظ من ناحية المتعلق تارة يلحظ باللزوم وتارة يلحظ بعدم اللزوم. أو ما نسميه بالراجح أو المرجوح

إذن. النقص لا باصل الإرادة بل في متعلق الإرادة.

 

 

ومع ذلك. يمكن أن نطعن بهذا التوجيه - التوجيه السادس - بلحاظ أن الحصة الاستحبابية ليس نقصا عن اللزوم - لان فيها أمر وهو مبنى الماتن كما ذكرناه فيما سبق - بل غاية ما في الأمر أن هذه الحصة هي من سنخ آخر من الطلب ولو تنزلنا مع مذاقه، كان بالإمكان إعتبار أن اللزوم نقصا، لأنه يترتب عليه تحميل واستحقاق عقاب ونحو ذلك.

 

بخلاف الاستحباب. فإذا كان الإطلاق نافيا للنقص وطاردا له إذن بالنتيجة يكون نافيا للزوم. )



قال الماتن:

 

وأما السيد الأستاذ فقد أجاب على المحقق العراقي في هذا الوجه.

 

بما حاصله : أن هذا الأسلوب من إجراء مقدمات الحكمة، بالتدقيق العقلي لا بالفهم العرفي. مع انها أمر عرفي لا عقلي. فما كان من الكلام فيه مؤونة زائدة أمكن نفيه بمقدمات الحكمة. فيثبت بها أن كلامه على مقدار مقصوده.

 

وأما في المقام، فالفرق بين الإرادة القوية والضعيفة أمر عقلي وليس عرفيا. ولا يصدق عرفا، أن الإرادة القوية ليس فيها مؤونة زائدة على أصل الإرادة ، والإرادة الضعيفة فيها مؤونة زائدة. بل النظر العرفي ينفي ذلك. فلا ينعقد إطلاق عرفي لتعيين ما لا مؤونة له.

 

أقول: وقد تحصل جوابه :

 

أولا : إن هذا - كما قلنا - ليس من مقدمات الحكمة الإصطلاحية. ولم يشر السيد الاستاذ إلى ذلك.

 

ثانيا : أن جريان هذه المقدمات لا يقتضي تعيين اللزوم، بعد كون الاستعمال في المعنى الموضوع له، وهو الأعم.

 

نعم . لو غضضنا النظر عن كل ما قلناه ، لكان هذا وجها في نفسه ولكن - مع ذلك - فإنه يمكن للمحقق العراقي نقاشه:

 

بأنه يمكن إرجاعه إلى الظهور العرفي من حيث دلالة الأمر بالدلالة التصديقية على وجود الإرادة. والظهور والدلالة أمر عرفي ولا شك أن دلالة الأمر الوجوبي على الإرادة غير دلالة الأمر الأستحبابي عليها. وهذا يكفي عرفا للتمييز بينهما.



أقول ( حاول السيد الشهيد الصدر الأول الإجابة على ما ذكره المحقق العراقي وإجرائه لمقدمات الحكمة في المقام.

 

وهي بالأصل محاولة للمحقق السيد الخوئي كما عرفت سابقا.

 

حيث أفاد أستاذ الماتن السيد الصدر الأول. أن هذا الإجراء. إجراء مقدمات الحكمة تلحظ بالتدقيق العقلي لا بالفهم العرفي. وما نحن فيه مسألة وأمر عرفي. فكل كلام يمكن نفي زوائده بمقدمات الحكمة حيث القدر المتيقن.

 

 

فلمقام التفريقي بين الإرادتين - القوية والضعيفة - تلحظ عقلا لا عرفا. كما أوضح أستاذ الماتن أعلاه.

 

 

الماتن من جهته: طوى أصل المناقشة بعد نفي كونها ليست من مقدمات الحكمة وأن شايهتها بيانا. مع ان أستاذه لم يشير إلى هذا المعنى في تقريرات بحثه الأصولي.

 

وعلى كل حال أن جريان هذه المقدمات بصرف النظر عن كل المناقشات والايرادات التي ذكرها الماتن سابقا، لا تقتضي وتعيين اللزوم أو الحصة اللزومية بلحاظ كون الإستعمال هو بالأعم فلاحظ.

ومع التنزل، يمكن للمحقق العراقي أن يقول : أنني ناظر إلى إرجاع المسألة إلى أصل الظهور العرفي لدلالة الأمر على الوجوب. بالدلالة التصديقية على وجود الإرادة. ومعلوم أن الظهور عرفي ودلالته أيضا عرفية. ولا يشك أحد ما. بأن دلالة الأمر الوجوبي على الإرادة غير دلالة الأمر الأستحبابي عليها. و هذا كاف بالتمييز بين الإرادتين ).

 

 

قال الماتن:

 

التقريب الثاني: للإطلاق المنتج لظهور الأمر بالوجوب:

 

ذكره السيد الأستاذ ، وقال : إنه يتوقف على مقدمة.

 

وحاصلها : أن المعروف لدى الأصوليين المتقدمين: أن الوجوب مركب من جزئين: طلب الشيء والنهي عن تركه. والاستحباب مركب من جزئين، طلب الشيء مع الترخيص في تركه.

 

وبناء عليه، لا يمكن إجراء مقدمات الحكمة لدوران الأمر بين وجوديين، في حين تحتاج مقدمات الحكمة لثبوت قيد عدمي، وهو عدم التقييد. فلا يكون موضوعا لها.

 

إلا أن هذا في نفسه غير تام، لأنه السؤال عن أن الجزء الثاني هل رخص فيه المولى أم لا ؟

ومعنى ذلك حصول الدور والتسلسل - وأن لم يقل السيد الأستاذ ذلك - وبالنتيجة لا يثبت الإلزام المطلوب من الأمر الوجوبي.

 

 

ومن هنا ذهب مشهور المتأخرين إلى أن الاستحباب جزؤه وجودي يعني الطلب مع الترخيص بالترك. والوجوب جزؤه عدمي وهو الطلب مع عدم الترخيص بالترك.

 

فالنتيجة: إنه إذا توجه طلب المولى ودار أمر الخصوصية بين الوجودية والعدمية. فإن نصب قرينة على الوجودية فهو المطلوب وقد ثبت الاستحباب. وأن لم ينصب قرينة على الخصوصية الوجودية يكون ذاك قرينة على الخصوصية العدمية عرفا أو عقلا ، لأن عدم الترخيص ثابت في مفروض المسألة.

 

ونظر السيد الأستاذ ذلك بالإطلاق والتقييد. فإن خصوصية التقييد وجودية وهي بيان القيد ، وخصوصية الإطلاق عدمية وهي عدم القيد. فإن إبرز القيد فهو المقيد وإلا فهو المطلق لأن عدم بيان الخصوصية الوجودية بيان العدم.

 

ثم قال: وهذا البيان أقرب للفهم العرفي من السابق.



أقول ( أختار السيد الشهيد الصدر الأول هذا البيان للنقض على ما أفاده المحقق العراقي بشأن مقدمات الحكمة. وهذا البيان متوقف على مقدمة ضرورية لفهم وتقريب الصورة حتى يصل المقام للرد والنقض.



ذكر قدماء علماء الأصول على أن الوجوب مركب من طلب الشيء والنهي عن تركه. والاستحباب كذلك بتغيير بسيط وهو. طلب الشيء مع الإذن بتركه. وعلى ضوء هذا البيان والتقرير لا يمكن إجراء مقدمات الحكمة لأننا بإزاء وجوديين بينما مقدمات الحكمة تحتاج إلى ثبوت قيد عدمي لجريانها في المقام.

 

وهنا يثار السؤال في خصوص الجزء الثاني هل هناك ترخيص من المولى أم لا يوجد ؟ وهذا معناه حصول الدور أو التسلسل في الواقع،

ولذا قال المشهور : للاستحباب جزء وجودي والوجوب له جزء عدمي وذلك بالطلب وهذا بعدم الترخيص بالترك.

 

وكيفما كان: إذا وجه المولى الطلب ودار أمر الخصوصية بين الوجودية والعدمية فهنا ننظر إلى القرينة أن وجدت فهو الاستحباب وأن لم توجد فهو الوجوب وهذا البيان مبنى على كبرى الإطلاق والتقييد في تحديد ومعرفة التفريق ).


فقه أصول المنهج (24)



إرسال تعليق

0 تعليقات