بقلم/ هايدى فاروق عبد الحميد
▪ ولأن حديثي عن الواحات، فإن استهلال منشوري يكون بِمَلِكَتها المُتوجة "واحة
سيوة" التي عَشَقهَا الرحالة، ودُفِن بها "الأسكندر الأكبر" وكما
سيجيء بالوثائق القطعية..
ولان البحث في أصل واحة "سيوة" لهو أمرُ شيق من الوجهة
التاريخية، فهي الواحة التي تكلم عنها "تيودور الصقلي" و "هيرودوت"
و "رولن".. وتحدثت عنها خريطة رحلة "الإسكندر المقدوني" التي
رسمها الجُغرافي والمؤرخ "فانجوندي" عام 1753م والتي أحتفظ بأصلها.. ضِمن
مُقتنياتي البحثية..
▪ وحيث ذُكِر بالخارطة موضع دفن الإسكندر الأكبر وتحصيناته، ففي الخارطة
تعبير alxandri
castra ، وباللاتينية castra، ومفردهاcastrum والتي تعني المعسكر الروماني، وهو مُصطلح لاتيني استعمل في روما
القديمة للإشارة إلى المنشئات والتحصينات التي تُبنى لاستعمالها كقواعد عسكرية.
▪ وذكر "تيودور" ان معبد "جوبيتير آمون" الشهير
بالواحة بُنيَ عام 1385م قبل الميلاد بمعرفة "دانوزو"، وذكر "هيرودوت"
أن كهنة "معبد آمون" اختطفوا من طيبة امرأتين كانتا مُخصصتين لخدمة
المعبد وبيعتا، فنقلت إحداهما الى ليبيا والأخرى الى اليونان. وكانتا بذلك أول من
أوجد عُبَّادة للألهة في هاتين البلدين، وقد ذكر "رولن" في كتابه [تاريخ
العالم القديم] أن "معبد الواحة حربيتير" بناه "سام ابن نوح" عليه
السلام فقد قام "سام بن نوح" بعد الطوفان بتعمير مصر وأقام معبده الذي
أسماه اليونانيون "زفس وجوبيتير" في حين أطلق عليه المصريون القدماء اسم
"آمون".
▪ وكان للواحة شُهرة فائقة في القرن الخامس قبل المسيح، فقد ذكر "هيرودوت"
ان أهل "ماريان" و "أبيس" أوفدوا رُسلاً الى "آمون"،
فقيل للوفد هذه الكلمات "سيمون هو معي" وعند عودة الوفد وجدوا أن سيمون
قد هلك في إحدى المعارك.
▪ وفي سنة 525 ق.م أراد "قمبيز" أن يوطد سلطانه في إفريقيا
الشمالية، فأرسل حملتين الأولى ضد قرطاجنة، والثانية ضد الحبشة.. فأرسل جيشاً
قوامه خمسون ألف مقاتل لاحتلال "واحة آمون" وأصدر أوامره لقواته بأن
يحرقوا المعبد بالواحة، إلا ان جيشه هلك في موضع معين بين الواحات الخارجة و "واحة
سيوة"..
▪ وقد زار الواحة في القرن التاسع عشر كثير من الأوربيين، أذكر منهم "براون"
و "كايو" و "بايلي سانت جون" و "منيوتولي" و "هملتون"
وأيضاً الكولونيل الفرنسي "بوتيين " الذي زار الواحة وبالأخص "بحيرة
أرشيا" بالواحة للبحث عن خاتم نبي الله سليمان عليه السلام، فقد ذكرت المصادر
القديمة جداً أنه يوجد بالجزيرة الموجودة بمنتصف البحيرة خاتم نبي الله سليمان،
لذلك حاول الكولونيل "بوتيين" العبور للجزيرة، ولكن منعه أهل "سيوة"
بل كادوا يفتكون به، لأن تلك الجزيرة لها قدسية وغموض لا يعلمه الا الأقدمون من
أبناء الواحة.
▪ والذي يُلفت نظر زائر الواحة، هو بلا ريب العيون الموجودة بها، ويُقال
انه كان يوجد بالواحة أكثر من ألف عين مُتجددة، استمر يفيض ماؤها خلال الثلاثة آلاف
سنة!، وحينما أُجريت أبحاث "شركة استغلال صحراء مصر الغربية" وجدوا – فقط
- مئتي عين وبئر مُتجددة، ولعل اهمها من وجهة نظري كمؤرخة "عين مياه جوبيتير
آمون" ذات المياه المُتغيرة الحرارة، وقد درُج حديثا على تسميتها "عين
كيلوباترا".
▪ ومن بين العيون الحارة الأخرى التي كانت نسوة الواحة تسخدمها بلا انقطاع،
"عين حمام" و "عين تموسي".. وهي في غالبيتها صالحة جداً
للشرب، وكان يُحيط بكثير من تلك العيون أسواراً حجرية من العهد الروماني، والمحزن
ان البعض من تلك العيون توقف مؤخراً نتيجة لعدم تنظيف قيعان الأحواض الموجودة الى
جانب كل عين؟، حيث كان يجب القيام بتلك العملية مرة كل عام!.
▪ وما زلت آمل أن يهتم المسؤلين بالحصول مني على خرائط لقطاعات مُستعرضة
لبيان مواضع تلك العيون لإعادتها للعمل.
▪ ومن العيون الهامة الأخرى "عين الغوبة" و "عين مخروط"
و "عين تل حرام" و "عين خورشيد" و "عين أبو شروف" و
"عين زيتون"..
▪ وبسيوة عيون مياه باردة أيضاً، ومياه عيون سيوة تنبع من طبقة مائية هائلة
تختلف تماماً عن الخزان النوبي الجوفي وتقع على عمق
▪ ويوجد بسيوة عيون كثيرة جداً كما أسلفت، وجميعها أمكن عمل جداول تحليل
دقيقة جداً لها بواسطة الشركة المذكورة وفي سنوات مُتتالية، وحيث تم إخضاع مياة كل
منها لتحاليل غير مسبوقة، بل وكانت بمثابة طفرة علمية في هذا الوقت، فبعض عيون
المياه خضعت مياهه لتحاليل انطوت علي 9 عناصر، والبعض الآخر خضعت مياهه لتحاليل ضَمَت
11 عُنصراً، بما يشمل درجات الحرارة و المواد الصلبة و القلوية بالدرجات الفرنسية
و الكلور و كلوريد الصوديوم و السلفات و الكالسيوم و المغنسيوم.. وكذا إحداثيات كل
عين مُتجددة أو بئر، وعلى أي عُمق نجد مياهها، وقد أمكنني جمع كافة تلك الوثائق
والأرشيف العلمي التي تخلفت عن أعمال الشركة المذكورة.
▪ ومن العيون - على سبيل المثال لا الحصر - نجد "عين أبو ليف" و "عين
أبو صحرا" و "عين أبوزموري" و "عين بحري" و "عين
بكور" و "عين بريزي" و "عين بلال" و"عين بوباليس"
و "عين بير سليمان" و "عين الخنجال" و "عين بياما" و
"عين الطبو" و "عين الحميدات" و "عين الخدم" و "عين
الموتى" و "عين المجاحظ" و "عين الشفا" و "عين
فطناس" و "عين غاية الجودة" و "عين قالت" و "عين
حيدر" و "عين كدوس" و "عين خلف الله" و "عين خليل
حافظ" و"عين كودية" و "عين لهاريك" و "عين مساكوت"
و "عين مسوس" و "عين مسلم" و "عين أم مغلي" و "عين
أم أصير" و "عين سيدي سليمان" و "عين بقر".....الخ.
▪ وتوجد "واحة قارة" أو غارة أم الصغير على بعد نحو مئة كيلومتر
من سيوة، وتوجد في قاع الوادي الواقع بين السلسلة الكبيرة لجبال القارة المُمتدة
من الشرق الى الغرب وبين الهضبة المرتفعة في الجهة الجنوبية، وطول الواحة 16 كيلو
متر وعرضها ثمانية وبها أروع عين يمكن أن تراها جلياً وهي "عين القطارة"
أو ما أصطلح على تسميتها "عين كيفارة".. وتلك لها مع كبير عائلتي
لوالدتي قصة قديمة وحكاية كانت أحد أطرافها منذ سنين طويلة، سأرويها لكم في المقال
القادم..
يتبع ٢
0 تعليقات