آخر الأخبار

لماذا فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في ادارة الدولة (3)





 

 

 

 

رياض محمد

 

 

 

المفتش العام

 

 

 

أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة أمرا له قوة القانون بتشكيل مكاتب المفتشين العموميين في وزارات الدولة في محاولة لمكافحة الفساد الإداري والمالي في العراق. وهكذا اختير احد المدراء العامين في العام 2004 كمفتشا عاما- وكالة - لوزارة العدل.

 

 

في ذلك الحين كان وزير العدل ومدير عام الدائرة الأمنية من الحلة. وهنا أقص ما سمعته من أكثر من مصدر في الوزارة أكد لي هذه الرواية. ففي احد الأيام طلب احد الشخصيات العشائرية المتواضعة في محافظة بابل من مدير عام الدائرة الأمنية أن يجد له وظيفة في دائرته.

 

 وعندما سئل المدير العام عن شهادة هذه الشخصية فأجاب: قانون مسائي.

 

وهنا قال المدير العام: ما دام لديك شهادة قانون فلا يصح أن تعين في دائرتي. الحقيقة أن هناك منصبا جديدا شاغرا هو المفتش العام.

 

 

وهكذا ابتسم الحظ لطالب التعيين فإذا به يعين بدرجة مدير عام! وبعد أشهر قليلة ابتسم الحظ ثانية للرجل فعدل أمر سلطة الائتلاف بأمر جديد رفع درجة المفتش العام إلى ما يعادل وكيل الوزير!

 

 

في ذلك الوقت كنت اتصل بعض الأحيان بالهاتف الداخلي للوزارة لاسأل المفتش العام الجديد إن كان لديه أي أخبار تصلح للنشر. وكانت إجاباته في بعض الأحيان تعكس مدى (بساطة) عقل هذا الرجل. ففي إحدى المرات وكنت اسأله عن ما يفعله في تلك الساعة فكانت إجابته بعبارة: إني هسه رايح للجعفري.

 

 

فابتسمت وعندما رويت القصة لأحد الموظفين من الأصدقاء قال لي: الرجل معذور. جاء ليعين كموظف فعين مديرا عاما. ثم رقي الى وكيل وزير. وكل هذا حدث في أشهر. فربما يتصور انه بنهاية السنة سيكون رئيسا للوزراء!

 

 

ثم تشاء الظروف أن اعمل في الدائرة القانونية في الوزارة وكانت المديرة العامة هناك شخصية قانونية متمكنة فكان الوزير يستشيرها في كل صغيرة وكبيرة. وكانت لكثرة انشغالها ترسل الي بعضا مما يرسله الوزير إليها. ومنها تعلمت أنا الذي لم ادرس القانون مبادئ استنباط الأحكام والسوابق القانونية والعمل بروح القانون لا نصه واستمتعت كثيرا واستفدت أكثر بتعلم كل ذلك.

 

وفي احد أيام عام 2007 طلبت مني أن أقيم التقرير السنوي لدائرة المفتش العام بناء على طلب الوزير. كان تقرير الرجل ودائرته انعكاسا واضحا لمدى جهل الرجل الفادح بالقانون عامة وبالقانون الإداري وقانون الوزارة والقانون الذي ينظم عمل دائرته.

 

 

فمثلا أعطى أمر سلطة التحالف المذكور للمفتشين العامين صلاحيات رقابية كاملة. لكنه لم يعطهم أي صلاحيات إدارية. وهكذا فمن حق موظفي دائرة المفتش العام ان يطلبوا المعلومات والوثائق وان يقابلوا الموظفين والمسؤولين ليعدوا تقاريرهم التي ترفع الى الوزير بما فيها التوصيات التي قد تتضمن العقوبات او طلبات إحالة الموظفين الى القضاء أو فتح التحقيق الإداري أو الفصل أو تغيير الإجراءات الإدارية...الخ.

 

 

ويكون للوزير القول الفصل في الأخذ بما يرد في هذه التقارير أو عدم الأخذ بها. وان وجد المفتش العام ان قرارات الوزير فيما يخص تقاريره لاتتناسب والصالح العام فله ان يكتب الى هيئة النزاهة بذلك.

 

 

الخلاصة ان المفتش العام ليس له صلاحيات إدارية. فليس لموظفيه ان يأمروا موظفي الدوائر الأخرى بان يفعلوا كذا أو لا يفعلوا كذا.

 

 

كان تقريره السنوي مليئا بجداول مضحكة عن أعداد الكتب الصادرة أو الواردة لمختلف أقسام الدائرة (وكأن اصدار كتاب يعد انجازا) وبمجموعة من (القرارات) التي اتخذها في خصوص عمل دوائر الوزرة وكل ذلك يمثل تجاوز لصلاحياته القانونية.

 

 

كما خلا من ما يتوقعه من يقرأ تقارير المفتشين العموميين من حالات كشف هدر المال العام او الفساد في العقود الحكومية في حين كانت وزارة العدل بما فيها دائرة الإصلاح (السجون) والتسجيل العقاري تعاني من حالات كثيرة من الفساد المالي والإداري.

 

 

وهكذا كتبت المديرة العامة للدائرة القانونية للوزير بخصوص كل ذلك. فما كان من المفتش العام الا ان اشتكى على المديرة العامة للدائرة القانونية لدى هيئة النزاهة!

 

 

اسرد هذا دون ان يفوتني انه وبسبب الأصول العشائرية لهذا الرجل فانه لايخلو من صفات جيدة مثل الوجه الباسم والترحيب بالضيف الذي تجده في اي مضيف عشائري. لكن كل ذلك لا علاقة له بعمله كمفتش عام.

 

 

والحقيقة ان قصة هذا الرجل المدهشة لم تنتهي بما سردت. فبعد اشهر من تعيينه وترقيته الى درجة تعادل وكيل الوزير رشح نفسه للانتخابات البرلمانية عن قائمة إياد علاوي لكنه لم يفز بمقعد في البرلمان.

 

ثم تشاء الصدف والظروف ان يستقيل وزير العدل وان يرشح علاوي هذا العبقري ليكون وزيرا للعدل. وحينها كنت امزح مع المديرة العامة للدائرة القانونية وأقول لها: سيصبح العبقري وزيرا علينا كلنا!

 

ولكن هدى الله المالكي فقرر ان لا يختاره. وهنا قرر المفتش العام ان من الأفضل له ان يختار ائتلاف المالكي في المرة القادمة وهكذا كان ففاز بمقعد في البرلمان ويشاء الحظ ان يكون هذا الفلتة من (المتحدثين) كثيري الظهور في وسائل الإعلام.





إرسال تعليق

0 تعليقات