رياض محمد
السجون
كان من أهم قرارات
بريمر نقل إدارة السجون العراقية من وزارة العمل الى وزارة العدل. وعين للإشراف
عليها وكيل وزير رشحته القوى الكوردية. وسميت دائرة السجون بال(إصلاح) وعين مدير
عام لإدارتها. كما شكلت قوة من الحراس الإصلاحيين لحماية وإدارة مختلف السجون
العراقية.
منذ ذلك الحين والى
اليوم عانت هذه الدائرة من فساد منقطع النظير شمل فيما شمل أرزاق السجناء وامتد
الى تهريب السجناء مقابل الرشاوى. وبشكل عام كانت هناك حالة تهريب أو هروب كل أسبوعين
منذ عام 2003.
وفي أي دولة أو حكومة
تعاني مثل هذا الأمر فان المفترض ان تدرس هذه الظاهرة وتعالج أسبابها لإيقافها لأنها
تهديد مباشر لنظام العدالة كما انها تهديد مباشر للأمن الوطني (حيث هرب أو هرب عدد
هائل من المسلحين سواء كانوا من تنظيم القاعدة أو داعش أو غيرهما).
لكن ما حدث ورغم ان
عددا من مدراء الإصلاح العامين قد عزلوا وحوكموا وسجنوا إلا أن هذه الظاهرة لم
تتوقف ابدا. إما وكيل الوزير المشرف على السجون فكان أشبه بالنكتة. فلم يكن الرجل
مؤهلا لمنصبه ولم يستبدل لكي يعالج الأمر أيضا.
كان الرجل يبدو
مشغولا بأمور أخرى غير أداء مهام واجباته. فمثلا كنت احضر بعض الأحيان مقابلاته
الصحفية فأجد انه كان يشاهد قناة تعرض عروض الأزياء!
من أمثلة حالات
الهروب التي كنت مطلعا عليها: في احد أيام عام 2005 , فوجئنا بالوزير آنذاك وهو
يطلعنا أن شخصيتين من تنظيم القاعدة ومحكومين بالإعدام قد هربا من سجنهما في بغداد.
وفي احد أيام عام 2007
قرأت محضر تحقيق عن هروب سيدتين عراقيتين (أو بأوراق ثبوتية عراقية) اعتقلتا في
منطقة الكاظمية واعترفتا خلال التحقيق بالتجسس للموساد الإسرائيلي.
وفي نفس العام حدث ما
سمي بالهجوم على سجن بادوش في الموصل وهرب جميع السجناء بما فيهم عدد كبير من
اعضاء تنظيم القاعدة. وقيل وقتها أن أبو عمر البغدادي نفسه شارك في الهجوم.
أرسلت وزارة العدل
لجنة تحقيق الى موقع السجن في الموصل وعادت اللجنة بتقرير عن الحادث. طلب الوزير
حينها من إحدى المديرات العامة ابدأء وجهة نظرها في استنتاجات لجنة التحقيق. وبدورها
طلبت المديرة العامة مني ذلك.
كانت استنتاجات لجنة
التحقيق تؤكد عدم حدوث هجوم على السجن وان افادة حراس السجن متناقضة وتؤكد تواطئهم
في تهريب السجناء. وقد قرأت التقرير عدة مرات ورسمت خارطة للموقع وكانت قناعتي
تؤكد ما توصلت اليه لجنة التحقيق.
وإزاء كل تلك الحالات
المتكررة قررت في عام 2007 ان استنسخ كل ما كان لدي من وثائق تخص هروب السجناء وان
أسلمها الى شخصيات في الدولة العراقية علها تجد حلا لهذه الظاهرة الشاذة والخطيرة.
وهكذا أوصلت بنفسي - بعد
شرح الموضوع - الوثائق الى مدير مكتب مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي والى مدير
العلاقات في منظمة بدر لكي يسلمها الى رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان
العراقي آنذاك هادي العامري.
لكن شيئا لم يحدث
واستمر الحال على ما هو عليه.
كما شكلت في العام 2004
لجنة مشتركة من قوات التحالف ووزارات العدل والداخلية وحقوق الإنسان لدراسة الإفراج
الشرطي عن المعتقلين العراقيين لدى قوات التحالف ممن لم يرتكبوا اي جرائم خطيرة.
وكنت اطلع على بعض
وثائق هذا اللجنة بما فيها قوائم بأسماء المعتقلين وأسباب اعتقالهم. وكنت أرى
العجب العجاب في تلك القوائم. فمثلا تجد في قائمة واحدة رجلا اعتقل لأنه كان في
الشارع بعد حظر التجوال ورجلا آخر عثر في بيته على مواد تصنيع العبوات الناسفة
والمتفجرات ورجل آخر معرف بكونه قيادي في تنظيم أنصار السنة!
وكل هؤلاء يختلطون
ببعضهم في المعتقل ويطلق سراحهم في قائمة واحدة. وكانت النتيجة كما عرف لاحقا ان
تحول معتقل بوكا في البصرة الى اكبر جامعة لتنظيم القاعدة في العالم!
غادرت العراق عام 2011
وبعد سنتين حدث الهروب الكبير عندما اقتحم سجن أبو غريب وهرب منه عتاة قادة تنظيم
داعش ليشاركوا قيما بعد في إسقاط الفلوجة والموصل وتكريت والرمادي ونصف أراضي
سوريا...
لماذا فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في إدارة الدولة؟ (1)
0 تعليقات