آخر الأخبار

لماذا فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في ادارة الدولة؟ (5)




 

 

 

 

رياض محمد

 

 

 

 

الدائرة القانونية وتعويضات حرب الكويت

 

 

 

أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة أمرا يقضي بنقل الدائرة القانونية في مجلس الوزراء في عهد صدام الى وزارة العدل لتتولى متابعة قضيتي تعويضات غزو وحرب الكويت والدعاوى الأجنبية ضد الدولة العراقية.

 

 

كانت هذه الدائرة في الحقيقة عبارة عن موظفتين تستحق كل منهما ارفع الميداليات والأوسمة. أحداهما كانت مديرة قسم التعويضات والثانية مديرة قسم الدعاوى. ومعهما كان هناك كادر محدود جدا لايتجاوز عشرة موظفين من غير المدربين للمهمة الجسيمة الملقاة على الدائرة.

 

 

كانت الأولى شابة قانونية تجيد الانكليزية وهي حقيقة إحدى فطاحل القانون في العراق. ويعاونها ويعاون زميلتها - بضعة موظفين احدهم يستلم البريد الالكتروني ومترجم و ثلاث موظفين من القانونيين المبتدئين وفراشة وساعي بريد ومترجم آخر وكاتب طابعة في نفس الوقت (دون دراسة أكاديمية لكنه عاش ودرس الإعدادية في الهند!) وموظفة خريجة لغة عربية وأنا.

 

 

ومن خلال هؤلاء فقط ادارت مديرة قسم التعويضات ملف التعويضات الخطير بكفاءة وجدارة منقطعة النظير. وباختصار كانت مطالبات الكويت حكومة وشركات وأفراد بالإضافة الى مطالبات حكومات العالم وشركاته وأفراده تتجاوز ال 350 مليار دولار!

 

 

ومن خلال عملية تفاوض قانوني طويل وشاق عبر لجنة الأمم المتحدة للتعويضات تمكنت هذه الدائرة من تخفيض هذه المطالبات الفلكية الى مبلغ 50 مليار دولار فقط.

 

 

أما مديرة قسم الدعاوى فقد أدارت هي الأخرى - ويعاونها الموظفين المذكورين سابقا - ملف خطير اخر هو الدعاوى الأجنبية التي رفعتها دول وشركات وأفراد في ما لايتعلق بقضية تعويضات حرب الكويت. وكانت هناك دعاوى مرفوعة ضد العراق لدى المحاكم الأمريكية - التي لها القدرة ان تحجز على الأصول المالية العراقية ان رأت ذلك ضروريا – في قضايا لا دخل للعراق فيها مثل هجمات 11 سبتمبر وغيرها من الأعمال الإرهابية المنسوبة للقاعدة بالإضافة الى دعاوى كثيرة مثل ملف الخطوط الجوية الكويتية الذي وصل في اخر عهدي بالدائرة في عام 2008 الى أكثر من مليار دولار.

 

 

مقابل كل هذه الخدمات التي قدمتها هذه الدائرة المهمة لم تمنح أي مكافأة تتناسب مع ما قامت به سوى كتب شكر تافهة وقدم لبضعة أشهر وترقية مديرة قسم التعويضات الى مدير عام الدائرة.

 

 

وحتى عندما حدث ذلك , حملت هذه الشابة أعباء جديدة فأصبحت عمليا المستشار القانوني الأول والوحيد في كثير من الأحيان لوزير العدل مما حدا بها الى تعليمي انا مثلا – رغم اني لم ادرس القانون – مبادئ عملها لكي أساعدها هنا وهناك.

 

 

و أعطي لكم مثالا ليوم واحد من حياة هذه الشابة. كانت تأتي صباحا بعد ليلة قليلة النوم اضطرت فيها للعمل حتى ساعة متأخرة من الليل. متعبة بل منهكة. ويستلم موظف الحاسبات البريد الالكتروني الذي يحوي عادة العديد من الرسائل من المحامين الأجانب الذين تعاقد معهم العراق ليمثلوا الحكومة العراقية أمام المحاكم الأجنبية. ولانها لا تملك اي وقت لقراءة هذه الرسائل الطويلة جدا عادة (لاحتوائها على ملاحق قانونية ومالية...الخ) فانها تعهد الي او الى المترجم او الى ذلك الرجل الذي درس في الهند ليقرأ هذه الرسائل ويحاول ان (يفهم) منها ما يستطيع فهمه!

 

وفي اغلب الأحيان ولأننا جميعا غير مدربين على ذلك تصل رسالة المحامي مجتزئة او ناقصة وأحيانا متأخرة او أنها لا تصل أصلا!

 

وبدلا من ان تهتم الحكومات العراقية الغبية – نعم الغبية! – بهذه الدائرة فتدعمها بالمترجمين القانونيين المحترفين والموظفين القانونيين الماهرين كان مدير عام الدائرة القانونية في مجلس الوزراء والمستشار القانوني لرئيس الوزراء كونفوشيوس ابراهيم الجعفري - وكلاهما شخصيتين تافهتين بامتياز! (وكان الثاني في الحقيقة مستشار حسين كامل القانوني سابقا) – يحاولان حهدهما لكي يحصلا على الثناء غير المبرر لما تقوم به دائرتنا ومديرتها العامة.

 

وكان الهدف هو باختصار محاولة الاغتنام بفرص للسفر للخارج في ايفادات تتعلق بالتعويضات والدعاوى الاجنبية رغم ان هذا المستشار لم يكن يفهم اي شيء في عمل الدائرة!

 

ويا ليت الامر توقف عند ذلك. قكان تافه اخر اسمه طارق نجم وكان يشغل منصب مدير مكتب مختار العصر نوري المالكي يتصل احيانا بالمديرة العامة ليقول لها بلا سلام "انت السبب لخسارة العراق 250 مليون دولار!"

 

وظلت حكومة المالكي الحمقاء تفعل ما بوسعها لاقالة هذه الشابة التي خدمت البلد خدمات جليلة حتى صدر امر بنقلها!

 

ورغم ان هذه المديرة العامة اعيدت فيما بعد الى وظيفتها , الا ان ما حصل لهذه الشابة – وهي افضل من يمكن ان يتولى منصب وزير العدل – كان مقياسا اخر لمدى فشل وغباء حكومات العراق المتعاقبة بعد عام 2003.



لماذا فشلت الحكومات العراقية في إدارة الدولة (4)




إرسال تعليق

0 تعليقات