رياض محمد
القاضي
لأشهر طويلة اعتقد
الكثيرون – ومنهم أنا – أن أوضاع العراق بعد سقوط صدام لن تتحسن إلا بمجيء حكومة
منتخبة. وهكذا كانت حكومة الجعفري تشكل أملا لكثير من العراقيين.
عين الجعفري وعبر إليه
الائتلاف الشيعي قاض جنايات معروف وزيرا للعدل. وكان قد خدم في مناصب عديدة في
الوزارة سابقا ويعرفها جيدا.
بدأ الوزير الجديد
عهده بإجراء سلسلة من التنقلات لعدد من موظفي قسم الأفراد. وكان بعضهم معروفا
بالمحسوبية والشللية.
كما أخطأت مديرة مكتب
الوزير التي تحدثت عنها في أول منشور في هذه السلسلة وكانت الأمر الناهي في شؤون
الوزارة فيما مضى عندما قالت ممازحة سكرتير الوزير الجديد – والوزير من وضعه في
هذا الموقع – ما معناه ان الوزير ومن معه لن يدوموا طويلا في الوزارة لان حكومة
الجعفري انتقالية. فما كان من السكرتير إلا ونقل ما قالته المديرة للوزير الذي
نقلها إلى وظيفة أخرى خارج ديوان الوزارة ووضع سكرتيره محلها.
وقد كان هذا الوزير
صديقا لأحد أقاربي الذي كان قاضيا أيضا. وبعد استيزاره – وحينها كنت موظفا في إعلام
الوزارة – أرسل إلي لأقابله. وحينها لاحظت أن مدير الإعلام – وهو مديري – كان
ينتظر الدخول الى الوزير لكن الوزير طلب من سكرتيره إدخالي أنا وهو ما آثار
استغرابي.
جلست مع الوزير وقص
علي كيف انه يريد التخلص من الموظفين السيئين ضاربا مثالا بموظفي الأفراد الذين
نقلهم. وفاجأني بسؤالي: ما رأيك أنت؟ كنت حينها لا أزال جديدا في الوظيفة الحكومية.
ولم أكون رأيا في الموضوع فتجنبت إجابة سؤاله. لكنني انتهزتها فرصة لأعلمه بما
نحتاجه نحن في الإعلام. ووعد بتلبية ما ذكرته ثم انصرفت.
بعد أسابيع أو أشهر
قليلة أصبح نقل الموظفين (غير المرغوب فيهم) ظاهرة شملت العشرات من مختلف درجات
الموظفين. وكان النقل أحيانا غير إنساني فتنقل موظفة من بغداد إلى دائرة في ديالى
في ذروة الحرب الطائفية. كما شمل النقل موظفين لم يعرف عنهم أي مخالفات تذكر. وكان
النقل يجري دون أي تحقيق أو سبب سوى عدم رغبة الوزير أو مدير مكتبه بتواجد
الموظفين في ديوان الوزارة.
وكانت واحدة من هذه
التنقلات فضيحة بمعنى الكلمة. فقد رغب مدير مكتب الوزير – وهو موظف في العشرينات
من عمره دون اي خبرة أو كفاءة تذكر ورصيده الوحيد انه ابن مدير عام الجوازات حينها
وسيد – بنقل موظفتين جميلتين الى مكتب الوزير. وعندما اعترضت الموظفتين نقلتا خارج
الوزارة!
وأصبح هذا الشاب
التافه طوال فترة استيزار السيد القاضي الأمر الناهي في الوزارة.
وحينها كانت بعثة
الاتحاد الأوروبي مسؤولة عن تطوير كوادر السجون العراقية. ونظم برنامج من الدورات
المكثفة لموظفي السجون في دول الاتحاد الأوروبي. لكن وكما هو عادة الكثير من دوائر
الحكومة العراقية الفاسدة , فقد استولى المقربون من الوزير وبالأخص مدير مكتبه
وابن الوزير على جزء كبير من هذه الدورات.
فكنا نسمع أن مدير
المكتب ذهب للسويد هذا الشهر وعاد من ايطاليا في الشهر الذي تلاه وهكذا. والأدهى
من ذلك روى لي سكرتير الوزير – وقد كان زميلا لي سابقا – انه شاهد هامش الوزير على
إحدى دعوات الإيفاد للدورات المذكورة وكان الهامش كالأتي: "يرشح الأكفاء. 1- ابن
الوزير. 2- مدير مكتب الوزير!"
وحينها قلت له حتى
صدام حسين لم يقل ان عدي وقصي يفضلان لكفاءتهما!
كما ساءت علاقات هذا
الوزير العجيب بكل مسؤولي الوزارة فكان يكره وكيله ولا يحترم اغلب المدراء العامين.
وكان يحترم مسؤولين في الوزارة فقط: مدير عام التخطيط لانه (سيد) ونائب رئيس مجلس
شورى الدولة لانه كان فعلا شخصية محترمة ومقتدرة في الشؤون القانونية. وحتى هذا
المستشار انتهى به الأمر بالاختلاف معه أيضا.
وهكذا مرت الوزارة في
عهد هذا الوزير القاضي بأسوأ مراحلها. فلم أر وزيرا كرهه موظفو الوزارة مثلما
كرهوا هذا القاضي. وعندما انظم القاضي الى قائمة احمد الجلبي التي لم تفز في
انتخابات نهاية عام 2005 بأي مقعد في البرلمان , تنفست الوزارة الصعداء وأدركت ان
عهده قد اقتربت نهايته.
وهكذا كان. وعندما
استلم الوزير الجديد الوزارة فوجيء بسيل من طلبات النقل لموظفي الوزارة الذين
نقلهم الوزير الذي سبقه. وقد أعاد اغلبهم أو كل من رغب بالعودة.
أما مدير مكتب الوزير
الشاب, فقد نقله القاضي قبيل انفكاكه من الوزارة الى مجلس القضاء الأعلى ليحميه من
انتقام موظفي الوزارة.
وتشاء الصدف ان يعود
هذا القاضي الى القضاء كقاض تمييز وان يكون مكتبه داخل الوزارة وان يرى بنفسه كيف
تجنبه موظفو الوزارة فلا يسلم عليه احد ولا يزوره احد.
لماذا فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في ادارة الدولة (3)
0 تعليقات