خالد الأسود
أخيرا وضع المصريون الكمامات في الأسواق والمواصلات العامة..
الدولة لا تناشد ولا تراهن على وعي..
الدولة تسن القوانين وتفرضها..
مشهد الشارع المصري بعد فرض غرامات وعقوبات موجعة يؤكد أن الدولة يجب أن
تكون فقط دولة فلا هي بابا ولا هي ماما ولا هي واعظ ولا إمام..
عاش البشر آلاف السنين في فوضى عارمة..
نعيم الحرية المطلقة في أزمنة الهمجية يرادفه ألا يأمن الإنسان على حياته
ونتاج جهده من صيد أو زرع..
كان الأقوى يغتصب ما شاء من نساء وزرع وصيد الآخرين..
الضعفاء والأقوياء كانوا يقفون فرادى أمام قوى البيئة الشرسة..
اللحظة الفارقة في تاريخ البشرية عندما انصاع العالم للتجربة المصرية..
عرفت البشرية نظام الدولة..
يتنازل الفرد عن جزء من حريته مقابل الأمن، يتوافق الجميع على أن الكيان
المسمى ( الدولة ) له وحده حق احتكار العنف والقوة..
انتظم الجميع في كيان واحد أمام البيئة، بنوا السدود والأسوار العالية
وشقوا الترع والمصارف وروضوا الأنهار..
وضعوا وثائقهم لتنظيم العلاقات التي تحدد الحقوق والواجبات والقدر المسموح
به من الحريات الفردية..
درة تاج التطور الإنساني صاغها حمورابي في قانونه الشهير..
صارت الدولة مفهوما مرادفا للقانون..
حرص الملوك والأباطرة في الإمبراطوريات العظمى على التزام القانون، حتى
الطغاة والجبابرة التفوا من حوله ولم يجرؤوا على تقويضه..
وعى الأكاسرة والقياصرة أن سلطتهم وبقاء إمبراطورياتهم مرتبط بالقانون..
أفرط بعضهم في التحايل على القانون وتجاوزه فسقطت ممالكهم ودالت دولهم..
بالغ البعض في إعلاء القانون وربطه بقوى السماء..
سريعا ماتجاوز البشر تلك السذاجة وأعادوا القانون للأرض مرتبطا بمصالح
الناس وأشواقهم..
القانون دوما يتسم بالوضوح والتحديد واستهداف مصالح الجماعة وحماية المسموح
به من حريات الأفراد..
مبارك لما لبى نداء المحكمة بقوله: (أفندم) كان رجل دولة من الطراز الأول
يعرف أن بقاء القانون والتزامه والخضوع له هو بقاء الدولة..
يتسم القانون بالنسبية والقابلية للتطور وفقا لتطور المجتمع..
بقاؤنا واستمرارنا مرتبط بالقانون..
من يستهدف القانون فهو يستهدف كينونتنا ووجودنا..
الإرهاب يحقر القانون ويسميه القانون الوضعي، يستدعون ما يسمونه شرع الله
بديلا سماويا ثابتا مطلقا..
ينسون أن مايسمونه شرع الله سمح بتجارة البشر طيلة أربعة عشر قرنا، تحت حكم
ما يسمونه الشرع ظلت النساء يعرضن عرايا في الأسواق تعبث بهن أيدي الشارين وتفعص..
في حكم الشريعة ظل الإنسان يستعبد أخاه الإنسان مطمئن الضمير..
لو استمر حكم الشريعة لكنا مازلنا نحرم الحنفيات والقهوة والراديو
والتليفزيون ونبيح اقتناء عشرات ومئات النساء للنكاح..
حكم الشريعة يحرم كشف شعر المرأة لو كانت حرة ويبيح أن تمشي عارية الصدر
والبطن لو كانت جارية..
الشريعة vs القانون الوضعي:
الحقيقة أن ما يسمونه الشريعة هو قانونهم لا قانون الله..
هو مجرد تطبيق لإفهامهم وتفاسيرهم المحدودة بثقافتهم ومعارفهم..
ربما تلك الفهوم صلحت في أزمنة وأمكنة سابقة مغايرة لزماننا ومكاننا..
كارثيتها عندما تربطها بالله تعالى وتنزع عنها سمة القانون الأساسية: القابلية
للتطور والتغيرو التزامها الوضح والتحديد.
ماحدش يكلمني عن أن الإمام فلان غير فتاياه لما جاء مصر، ولا أن الفتيا
متغيرة..
اليوم عندما يأتي ساذج أو مهووس أو مجرم يكلمني عن الحاكمية والشرع ليس
مطلوبا مننا أن نناقشه وندلل له أننا الملتزمون بالحاكمية والمطبقون للشرع..
المطلوب السخرية من سذاجته وتجريم عقله المريض..
نشيد داعش صليل الصوارم لما حولناه لأغنية مهرجانات راقصة كان ردا عبقريا
حاسما..
ولكنهم وعوا الدرس فاستهدفوا الغناء والرقص والمهرجانات وللأسف ساعدناهم..
لما يقولك حاكمية مش المفروض ننازعه عليها وننزل معه ترعة العبط والعقل
الطفولي..
القانون يا سادة هو ملاذنا وسلاحنا الذي ألهمه المصريون القدماء للبشرية
كلها..
0 تعليقات