مارك مجدي
من الأعمال التي
تكتسب شهرة في الثقافة المصرية هو كتاب جمال حمدان "شخصية مصر" .
عمل مهم و مؤثر
بالتأكيد، و لكنه يكتسب شهرة و تبجيل بشكل غير طبيعي، و قد تعودت أن مثل في هذه
الشهرة للأعمال الفكرية غالبا لا تنم عن خير في ظل واقعنا الثقافي .
فكتاب جمال حمدان موسوعي
بحق ، به أكثر٦٣٠ مصدر بالإنجليزية و العربية في ٢٥٠٠ صفحة من أربعة أجزاء .
يقرأ تاريخ مصر و
يفسره علي أساس جغرافي، و يجنح أحيانا إلي التفسير الايكولوجي، و لكنه يغلب عليه
الجغرافيا دائما كعامل الحسم . و ما ينجح فيه عموما هو تقديم القيمة الجيوبولتيكية
الحقيقة لمصر .
أي قراءة علمية
للوجود التاريخي علي أرض مصر، يجب أن تبدأ من الموقع الجغرافي و الطبيعية
الايكولوجية، و هو ما ضلع فيه حمدان .
لكنه ذهب بالتفسير إلي
ابعد مما ينبغي . و رغم ما يؤكده بان العامل الجغرافي ليس العامل الحاسم، فإن
النتيجة التلقائية توصلنا إلي ذلك .
إذ يجعل كل العوامل
تؤثر تأثيرا متوازيا ، فيتحول عمله إلي مجرد الوصف، ثم تجد العامل الجغرافي يدخل و
يؤثر في قانون التدرج و الانتقال و يحسم الظواهر جميعها، و لكن عليك أن تصدق أن كل
العوامل مؤثرة كما يقول حمدان، رغم أن الخلاصات النظرية تقول عكس ذلك .
- الملاحظة المنهجية
الرئيسية انه يجعل العامل الجغرافي علي رأس العوامل الطبيعية ، و العوامل الطبيعية
علي رأس العوامل البشرية ، و هو الذي لا يؤدي إلى أي شيء ، سوي مادية ميكانيكية
صرفة .
- تاريخ مصر عند
حمدان ، يتحول باسم التجانس و الاعتدالية الي مجرد شيء يتطور طوليا ، لا صراع و لا
حركة تاريخية اجتماعية فيه ، مجرد " تدفق "، كما وصفه محمود أمين العالم
.
و باسم التجانس و
الاعتدالية و الوسطية ، التي هي قراءة ايدولوجية بحته ، تنبعث النتائج . فحمدان
يري أن الغرب يؤخذ منه جانبه المادي التكنولوجي فقط ، أما الثقافة العربية
الإسلامية فهي كافية .
و بالنسبة للرأسمالية
التي أطلق عليها اسما واحدا هو " الانفتاح " ، و الاشتراكية التي أطلق
عليها " الانغلاق" ، يجب أن تؤخذ قليل من هذه و قليلا من تلك ، لكي نحرص
علي التجانس .
- التجانس الذي يؤكد أنه موجود
في تاريخ مصر ، و يعيد يؤكد في نفس الوقت أن مركزية الحكومة تطغي بسبب العوامل
الايكولوجية للنيل ، و نفس هذه العوامل تخلق الزراعة التعاونية ، رغم أن التضاد
بين النمطين صارخ .
كان يري الاتحاد
السوفيتي و الامبريالية الغربية منظومة واحدة ، و لا اعتقد أنها مشكلة عند
الشوفينين أن تعتبر كل غريب عدوا . و هذا لا يعني أن حمدان كان شوفينيا ، و لكنه
جنح الي ذلك و إن كان دون قصد .
كان يري أيضا أن
الثورة الفرنسية و الثورة البلشفية ضدين ، يجب أن تجمع الثورة المصرية بينهما ، أي
أن تجمع بين البرجوازية و البورليتاريا ، و كيف ذلك ؟ بأن تكون الدعوة هي دعوة
الديمقراطية ، دون أن تتغير الشخصية التاريخية المصرية .
و الغريب أن حمدان
يقر أن الشخصية المصرية التي صاغتها العوامل الجغرافية الايكولوجية الأصلية لا يجب
أن تتحول و تتغير ، و نفس تلك العوامل التي صاغت الشخصية المصرية تؤدي كما يقول هو
الي طغيان و مركزية الحكومة . كيف تستقيم المركزية الطبيعية مع حكم ديمقراطي ؟!!
الجمع بين تكنولوجيا
الغرب و ثقافة الشرق ، بين الاشتراكية و الرأسمالية ، بين الديمقراطية و تغول جهاز
الدولة . بالإضافة إلي ثنائيات تعبيرية يجب تجاوزها مثل " التهوين و التهويل "
و " التمجيد و التنديد " و " الانبهار و الانهيار " و " التقوقع
و التميع " .... و في الحقيقة الكتاب مليء بالثنائيات المتعارضة التي يجب
احتوائها . و لا أعرف نتيجة لكل هذا سوي أن يوصف برنامج جمال حمدان بالتوفيقية أو
التلفيقية ، التي تحمل منحي إصلاحي تغييري .
بالإضافة إلي قراءة
تاريخية ايدولوجية قومية منقوصة ، فقد قرر أن مصر عربية لمجرد أنها ازدهرت في
العروبة ، و لا اعرف أي ازدهار يقصد تحديدا علي مدار تاريخ دخول العرب الي مصر .
كل ذلك لا ينفي أهمية
العمل و لا موسوعيته ، و لكنه عمل لا يخرج عن الفلك الذي دارت فيه حالة ثقافية
عامة اتسمت بالتوفيقية .
و جدير بالإشارة أن
هناك أعمال أخري منضبطة المنهج و موسوعية البحث و الدراسة ، تمكنت أن تقدم قراءة
لتاريخ لمصر أخذه كل عوامل التطور التاريخي ، دون أن تنزلق في فخ الوصفية . لكنها
لم تكتسب شهرة عمل جمال حمدان و لا اعرف لماذا .
0 تعليقات