نصر القفاص
حدثنا الإمام "محمد
عبده" عن "آلهة الشر" فقال: "إنهم قادرون على قلب الطباع, وتبديل
الأخلاق.. يقولون الزور بجرأة, ويرتضون لأنفسهم النفاق.. هم قادرون على تغيير خلق
الله وإفسادهم"!!
رحل الشيخ "محمد
عبده" عن الدنيا قبل أكثر من قرن, وبقى "آلهة الشر" وتمكنوا من
تطوير أدواتهم حتى أصبحوا نجوم العصر الحديث.. يتصدرون الواجهة فى السياسة
والاقتصاد والثقافة والإعلام, وبرعوا فى استثمار بضاعتهم من الشر ليخدموا
الاستعمار, ويخدعوا من يمارسون هواية "الاستحمار"!!
تلك مقدمة رأيتها
ضرورة قبل أن أقول كلمتي فيما يتعلق بكيان يشغلنا ويشاغلنا اسمه "حزب
مستقبل وطن" ومن حوله أحزاب تمارس لعبته نفسها أملا فى إثبات قدرتهم على
أن لديهم "آلهة شر" لا يقلون براعة عما يملكه هذا الحزب.. وكلهم لا
يعرفون عن "الديمقراطية" غير أنها "بضاعة فاسدة" تحقق ربحا
ضخما ومكانة كبيرة على حساب الوطن.. وإذا كان البعض – لهم التقدير – يرون أن حزب "مستقبل
وطن" يمثل امتدادا للحزب "الوطني الديمقراطي" فهذا يحتاج منهم إلى
مراجعة.. فقط تلزم الإشارة إلى أن "الحزب الوطني الحر" كان يقوده "أحمد
عرابي" وأن "الحزب الوطني المصري" فكان بقيادة "مصطفى كامل"
أما "الحزب الوطني الديمقراطي" فقد أسسه "أنور السادات" واستثمره
"حسنى مبارك" ودفع كلاهما ثمن بضاعتهم الفاسدة!!..
أما "مستقبل وطن" فجذوره ترجع إلى حزب
"الاتحاد" الذي كان ورائه الملك "أحمد فؤاد" عام 1925, ولما
فشل فشلا ذريعا..
خرج على مصر "حزب
الشعب" الذي أسسه "إسماعيل صدقي" وانتهى إلى الفشل ذاته.. ثم ائتلف
الحزبان فى كيان واحد أسموه "الاتحاد الشعبي" فى زمن الملك "فاروق"
وبقيت التجربة كعلامة مسجلة وبرهان عملى على فشل تصنيع الأحزاب فى معامل "بير
السلم"!!
هذه الحقائق كان
يعرفها "أنور السادات" لكنه لجأ للطريقة والمنهج ذاته, حين أسس "الحزب
الوطني الديمقراطي" لأنه كان يريد حزبا تستخدمه السلطة وتشغل وتشاغل به الرأي
العام..
وكان "أنور
السادات" يعرف أن "إسماعيل صدقى" راجع نفسه مع تجربة "حزب
الشعب" وقال أنه اعتمد على "الرعاع" الذين يحيطون بالسلطة.. أي
سلطة.. وينفضون عن هذه السلطة بأسرع من تبخر الكحول!!
أردت الإشارة للجذور
لأؤكد على أن حزب "مستقبل وطن" ليس اختراعا أو ابتكارا جديدا, لكنه
إعادة إنتاج للفشل لاستثمار طاقات وقدرات الراغبين فى "الاستحمار".. والتاريخ
ووقائعه الثابتة يؤكدان أن ذلك لا يخدم غير الاستعمار!!
ولعلنا جميعا مازلنا
نذكر "الحزب الوطني الديمقراطي" وحجم الرفض الشعبي له, ثم قدرته بالزور
على حكم البلاد لأكثر من ثلاثين عاما.. وكان السبب أنه لم يظهر فى الساحة حزبا
سياسيا شعبيا على غرار "الوفد" الذى خرج من رحم أمة فدافعت عنه والتفت
حوله حتى أصابته التشوهات والضعف, وتحول قبل ثورة "23 يوليو" إلى كيان
ضعيف فشل فى إثبات الوجود أمام رياح تغيير عاتية هبت فى لحظة يصعب أن ينساها
التاريخ..
ولما كانت ثورة "30
يونيو" تمثل لحظة تاريخية حاسمة ومهمة فى تاريخ مصر, فهى حتى الآن لم تنجح فى
أن تشكل الكيان السياسى الذى يقدر على حمايتها.. وتلك كانت فرصة "آلهة الشر"
التى لا يفرطون فيها.. نجحوا وعلينا أن نعترف بهذه الحقيقة, فى الالتفاف على هذه
الثورة.. ركبوا سفينتها وتمكنوا من الإمساك بدفتها, وراحوا يوجهونها إلى حيث
يريدون.. وكانت أداتهم هى "حزب مستقبل وطن" الذى يمارس سلوك "حزب
الاتحاد" وامتداداته مثل "الشعب" و"الوطني الديمقراطي" بفارق
وحيد هو أن قائد البلاد الرئيس "عبد الفتاح السيسى" مازال يؤكد مرارا
وتكرارا على أنه لا علاقة له بهذا الحزب..
رغم أن القاصى
والدانى يعلمون أن أجهزة الدولة كلها ترعى هذا الحزب, ورجال "الاستثمار"
يغدقون عليه أموالا طائلة.. ويتجمع داخله قطاعات عريضة من المواطنين الصالحين, من
الذين يرغبون فى المشاركة ببناء المجتمع وصناعة مستقبل يليق بمصر وتستحقه.
الإنصاف يقتضى القول
بأن الرئيس "عبد الفتاح السيسى" بمواقفه وإنجازاته وإخلاصه, لا يمكن أن
يكون هذا الكيان فيه ملامحه.. فالرئيس الذى يلتف حوله الشعب ويثق فيه بالعقل
والقلب, يستحق أن يعلو صوت المخلصين رفضا لاقتران اسم الرئيس بهذا "المسخ
السياسى" وهذا يحدث ولن يتوقف..
لكن مؤشرات عديدة
تؤكد أن "آلهة الشر" ماضون فى طريقهم, ويجدون من ينصرهم ويدعمهم.. ومن
هنا أصبح السؤال يتردد بإلحاح.. ماذا يحدث ولماذا؟!!
فذاكرتنا مازالت تحفظ
قرار "استقالة" اللواء "محمود خليفة" محافظ "الوادي
الجديد" حين أقدم على إعلان تأييده للرئيس "السيسى" وقت ترشحه
لرئاسة الجمهورية لأول مرة!!
والمسافة بين هذه
الواقعة وأيامنا الحالية, أصبحت ست سنوات.. لكن الصورة التى راحت تتغير وضحت
معالمها الآن.. فنحن نصدق الرئيس وأنه على مسافة واحدة من الأحزاب, ويرفض التحزب
ليتفرغ لبناء وطن.. ونرى إنجازاته على الأرض, ونتابع سباقه مع الزمن وتحديه للتحدى..
لكننا نرى فى الوقت نفسه "فلول" أحزاب: "الاتحاد" و"الشعب"
و"الوطني الديمقراطي" يمسكون بخناق الوطن ويخنقون الشعب.. نحن نرى ونصدق
رئيسا لديه حلم مشروع وطني تشكلت ملامحه, وتلتف حوله الأغلبية الساحقة.. ونرى فى
الوقت نفسه "آلهة الشر" يزحفون ويرسخون أقدامهم, وهذه الحالة تخلق
ارتباكا شديد الخطورة خلال هذا التوقيت.. فالتحديات التى تواجه مصر غير مسبوقة, وتفرض
التفافا شعبيا حول قيادة لا خلاف على ثقتنا فيها ودعمنا لها.. وذلك يفرض كلمة
حاسمة وواضحة, قبل أن نجد أنفسنا قد انزلقنا إلى ما لا يحمد عقباه!!
الضمير يفرض علينا أن
نقول كلمتنا ونمضى.. والإنصاف فرض عدم تصديق صورة تتحدى العقل والعين.. والتاريخ
يؤكد أن السياسة فى مصر كانت – ومازالت – اجتهادا وأملا.. لكنها لم تغادر المربع "رقم
واحد" الذى بدأنا من عنده قبل أن يحتل الانجليز مصر, حين تأسس "الحزب
الوطنى الحر" بما فيه الاتجاه للحزب الواحد.. بداية من "هيئة التحرير"
ثم "الاتحاد القومي" وصولا إلى "الاتحاد الاشتراكي".. والمستقبل
يفرض علينا أن نخرج من هذه "الدائرة المغلقة" إن شئنا "توطين
الديمقراطية" كما نحاول "توطين التكنولوجيا" و"توطين الصناعة"
لأن هذه الدائرة قتلت داخلها الإبداع والثقافة والإعلام, وتسببت فى أن يصبح "الأزهر"
صداعا فى رأس الوطن..
فهل سنترك "آلهة
الشر" يعبثون بمقدرات الوطن ويخدعون هواة "الاستحمار" بأنه مستقبل..
أعترف بأني حرت جوابا!!
0 تعليقات