آخر الأخبار

ثورات المصريين: مجتمع مسكون بثقافات القرون الوسطى .. (٢ – ٥)










تحت عنوان ثورات المصريين: كشف الغطاء، نقدم رؤية سياسية، اجتماعية، ثقافية، للتعرف على ما كشفت عنه هذه الثورات من حقائق، ومن خبرات ودروس، في هذا المقال، نقدم الحلقة الثانية من هذه الرؤية.

كانت الثورة المصرية في مسارها ومسيرتها لها تجليات أخطر من تجلياتها السياسية، هي تجلياتها الاجتماعية والثقافية، فقد كشفت الغطاء عن حقيقة المجتمع المصري كمجتمع (شبه رأسمالي) مسكون بثقافات القرون الوسطى، ومثل هذه الأوضاع والتناقضات والحقائق الاجتماعية، تأتي الثورات والانتفاضات الشعبية والموجات الثورية لتكشف الغطاء عنها.



*بقلم محمد فرج



انقسام اجتماعي ثقافي متعدد الأبعاد:

 

بعد انتهاء يوتوبيا التوحد الرومانسي لأيام الصمود الثمانية عشرة في الميادين، والتي ظهر فيها الشعب المصري – أو أغلبية طلائعه المنتفضة – بكافة فئاته الاجتماعية وأطيافه الثقافية وقواه السياسية وكأنه موحداً وعلى قلب رجل واحد، قامت ثورة ٢٥ يناير الشعبية ٢٠١١، خاصة بعد 11 فبراير، وبالأخص أثناء التحضير والاستعداد لاستفتاء 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية، بالكشف عن حقائق أخرى، من أهمها وأخطرها وجود انقسام عميق في المجتمع، انقسام اجتماعي وثقافي متعدد الأعماق، متعدد الأبعاد، متعدد الدلالات، متعدد الآفاق.

 

 

فخلف الصراع السياسي بين القوى المطالبة بكتابة (دستور جديد) والقوى المطالبة بإجراء (تعديلات دستورية) فقط على دستور 1971، وبين القوى المطالبة بكتابة (الدستور أولاً) والقوى المطالبة بإجراء (الانتخابات أولاً)، تخفت مستويات متعددة من الصراعات السياسية والثقافية، والصراعات الاجتماعية / الثقافية، كشف عنها استفتاء 19 مارس على التعديلات الدستورية، والانتخابات البرلمانية والرئاسية التالية.

 

 

فقد ظهرت الجماعات السلفية والأحزاب والجماعات الدينية، وعلى رأسها جماعة الإخوان وحزبها بعد ذلك، بخطابها الطائفي التكفيري المتستر خلف شعارات حماية الدين ونشر التدين وتطبيق شرع الله، ودعمت هذه القوى خطابها بالحشود القتالية والعمليات الإرهابية ومليونيات الدفاع عن الشريعة، وعادت الطائفية تطل برأسها وتطفو على سطح الأحداث، كما عادت عمليات العنف والإرهاب في سيناء أثناء حكم الإخوان، وفي سيناء ومناطق متعددة من القرى والمدن والأحياء المصرية بعد الثورة الشعبية عليهم في 30 يونيو 2013.

 

 

وهذا الانقسام الثقافي الذي كشفت عنه الثورة المصرية منذ الشهور الأولى لحلقتها الأولى في 25 يناير، لا يمكن رده آنذاك إلى مجرد الصراع السياسي الظاهر حول الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً وحده، أو إلى الصراع السياسي الإخواني من أجل الدفاع عن الشرعية بعد الثورة عليهم في 30 يونيو 2013 وعزل ممثلهم الرئاسي فقط، ولا يمكن رده إلى مجرد وجود استقطاب سياسي عابر بين القوى الدينية والقوى المدنية يمكن حله بالتجاهل كما فعل ويفعل البعض، أو بالتحالف معهم كما فعل البعض الآخر، أو المصالحة المشروطة أو غير المشروطة كما يدعو البعض، بل لابد من البحث عن أعماقه وجذوره الاجتماعية والثقافية في المجتمع، و أسبابه المباشرة وغير المباشرة، كأساس لفهم هذه الظاهرة وإمكانية التعامل معها.

 

 

عملية خلط الدين بالسياسة:

 

 

يرجع البعض وجود هذا الخطاب الطائفي التكفيري وجماعاته إلى استمرار عملية قديمة ومعاصرة، يعيش فيها الشعب المصري وقواه الاجتماعية والسياسية، هي عملية خلط الدين بالسياسة، الدين كتسليم بالإيمان وما يطرحه من حقائق دينية عقائدية مطلقة، والسياسة كتعبير عن المصالح المتنوعة والمتغيرة وما تطرحه من حقائق وأمور نسبية متغيرة قابلة للنقاش والحوار والتأييد والرفض والمعارضة، ولعل أخطر ما تنتجه عمليات خلط الدين بالسياسة ليس فقط الخلط بين الدين (كمعطى سماوي) والفكر الديني للفقهاء والأئمة ورجال الدين (كفكر واجتهاد ورأي بشري)، وليس فقط تقديم الجماعات السياسية الدينية لأفكارها وآرائها باعتبارها الدين نفسه أو بإكسابها نوعاً من القداسة، أو ربما كل القداسة، بل بظهور جماعات وتنظيمات سياسية متسترة بالدين، تقدم نفسها للمجتمع والناس باعتبارها ممثلة للدين، وتسمي نفسها بجماعة الإخوان، أو الجماعة الإسلامية، أو جماعة المسلمين، أو غيرها من الأسماء، وتقدم نفسها باعتبارها حامية حمى الدين وحامية حمى التدين وحارسة الأخلاق، وتجبر الآخرين على التعامل معها على هذا الأساس، بما يحتاجه هذا الإجبار من استخدام أدوات العنف والتكفير والإرهاب.

 

 

 

ويرجع البعض وجود هذا الخطاب التكفيري الطائفي والإرهابي إلى مجرد وجود جماعات دينية أكثر تشدداً وتطرفا وعنفاً من غيرها من الجماعات الدينية، فالمشكلة عند هذا البعض ليست في وجود الخلط بين الدين والسياسة؛ والخلط بين الدين والعلم، وبين الدين والأدب، والدين والفن، بل في الفهم المتشدد والمتطرف للدين من بعض هذه الجماعات، ولذلك يلجأ هذا الاتجاه إلى تصنيف الجماعات الدينية إلى جماعات متشددة وجماعات إرهابية وجماعات وسطية وجماعات معتدلة.

 

 

لكن مسار ومسيرة ثورات المصريين، كشف عن أن تقسيم وتمييز وتصنيف الجماعات الدينية، بين جماعات معتدلة وجماعات وسطية وجماعات متشددة، كان وهماً كبيرا.

 

 

وإلى الحلقة الثالثة من ثورات المصريين، لنركز على زاوية جديدة.

 

 

 ٣٠ يونيو وطبيعة الثورات الشعبية.. (١ – ٥)


إرسال تعليق

0 تعليقات