((الحلم
التركي المؤجل، ونوايا الغرب في سلب راحة تركيا))!!؟.
توضيح تاريخي عن سياسة تركيا تجاه العراق 1980-2014.
الدكتور ماجد
الاسدي
تمهيد :
عندما وصلت الحرب
الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في عقد الستينيات إلى أوج
درجة احتدامها، كانت تركيا تخطط لسياسة متوازنة مع القطبين الدوليين، بغية الحفاظ
على مصالحها الوطنية، واتبعت بعد عام 1965 سياسة "مسك العصا من الوسط" ،
مع موسكو وواشنطن، وبذلك جلبت تلك السياسة منافع كبيرة للدولة التركية، ولا سيما
في المجال الاقتصادي ، إذ أشارت لنا التقديرات أن تركيا حصلت على مساعدات اقتصادية
من الاتحاد السوفيتي ما بين عامي 1967-1979 مساعدات بقيمة (650) مليون دولار ، وهو
ما يساوي ثلث قيمة المساعدات التي حصلت عليها تركيا خلال تلك المدة التاريخية، كما
قدمت واشنطن معونات مماثلة ، ومنها مساعدات عسكرية ضمن حلف شمال الأطلسي، وقد أكد
رئيس الوزراء التركي (بولند أجاويد) حين عودته من زيارة موسكو في حزيران عام 1978
عن سياسة بلاده قائلا (( ان سياسة المقاطعة تؤثر بالتأكيد على تفكيرنا بطرق عدة،
وتشجعنا على ان نكون اوسع افقا في ما يخص حلول مشكلاتنا الاقتصادية والدفاعية))، وهذا
يؤكد واقعية ومنطقية السياسة الخارجية إزاء الأطراف الدولية المتناحرة إيديولوجيا
وسياسيا وإعلاميا .
سياسة تركيا ازاء
المنطقة العربية ومنها العراق حتى عام 1990
---------------------------
بعد ان اتبعت تركيا
سياسة متوازنة مع الأطراف الدولية ، أخذت تحظى باحترام من تلك الأطراف، حيث منحت
تلك السياسة الخارجية لتركيا والمبنية على البعد الاقتصادي، فرصة التوغل الاقتصادي
في البلدان العربية والإسلامية، إذ يعد عام 1973 تاريخا واقعيا للعلاقات التركية -
العربية في الشرق الأوسط، وكانت تركيا تريد خلق نوع من التوازن بين السوق الأوربية
المشتركة والسوق العربية في المنطقة، وبذلك ارتبطت تركيا بعلاقات اقتصادية مع ثلاث
دول عربية وهي (العراق وليبيا والسعودية)، وباتت تلك الدول سوقا أساسية لأنشطة
شركة الإنشاءات التركية في المنطقة العربية، إذ قدر عدد الشركات ما بين 1974-1980
الى (62) شركة موزعة على (34) في ليبيا و(13) في السعودية و(7) في العراق والبقية
في بلدان عربية أخرى مثل مصر.
كما ارتفع عدد
الشركات التركية الاستثمارية في المنطقة العربية خلال حرب الخليج الأولى وتحديدا
عام 1986 الى (311) شركة موزعة (124) في السعودية و(111) في ليبيا و(37) في
العراق، وكانت تلك الشركات تمثل عمق اقتصادي وسياسي للدولة التركية في المنطقة
العربية.
سياسة تركيا تجاه
العراق 1980-1990
سادت العلاقات
التركية -العراقية نوع من التوتر الكامن ، وفي اغلب حالاتها ، بسبب مسالة المياه والأقليات
الاثنية والعرقية التي تقطن على طرفي حدود البلدين، ولكن سجل تاريخيا اول المطامح
التركية في الأراضي العراقية ، لا سيما في الموصل وكركوك والموصل الى عام 1920
عندما صرح حزب العمل القومي التركي ، بأحقية تركيا في ضم المدينتين بموجب الميثاق
القومي، ولكن تم تسوية الأمر في المعاهدة العراقية -التركية - البريطانية عام 1926،
إلا أن الأحلام التركية لم تغب يوما عن طموحاتهم في تلك المناطق، لكن قيود معاهدة
لوزان هي من أجلت تلك الأحلام والتي ستعود عام 2023 عندما ينتهي قرن المعاهدة.
لقد استغلت تركيا
الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980 لصالحها وبناء وضعها الداخلي ، سيما بعد أن
دعمت واشنطن شخصية تركية تعد من النخبة في الفكر الاقتصادي وهو ((توركوت ازول)) زعيم
حزب الوطن الأم ، والذي كان يعمل كخبير في بنك نيويورك الدولي ما بين 1974-1976
وكان شخصا ينحدر من التيار الإسلامي المعتدل ، ففي انتخابات عام 1983 حقق فوزا
كبيرا وحظي بدعم الفئة الرأسمالية التركية وأصبح رئيسا للوزراء ، وقد تمكن بعد
بضعة أشهر من توسيع النفوذ الأمريكي عبر ما يسمى ((قوات الرد السريع الأمريكية)) التي
قامت بمناورات ضخمة في أيلول 1983والهدف منها حماية امن الخليج والبحر المتوسط.
اتفاقية عام 1984
-----------------------
بعد التوترات التي
حصلت على الحدود التركية أيام حرب الخليج الأولى وتزايد حركات المعارضة، سارعت
تركيا وعقدت اتفاقية مع العراق في ربيع عام 1984 وقد منحت بنودها الحق لتركيا في التوغل
الى مسافة (40كم) داخل الأراضي العراقية لمطاردة الانفصاليين كما تسميهم أنقرة،
ففي ذلك الوقت أعلن ((جلال طالباني)) الذي صرح عام 1984 عن توصل إلى اتفاق مع
بغداد لمنح الكرد الحكم الذاتي وبضمنه كركوك، وكان الاتفاق يعوزه التوقيع حسب وصف
طالباني، واتهم الأخير تركيا بأنها هي من حالت دون ذلك.
وحينها صرح طالباني
قائلا (( أن حدود الشرق الأوسط قابلة للتغيير )) وكان يرغب باحتلال تركيا
والاستيلاء على شمال العراق حتى نتمكن من تحقيق حلمنا عبر النضال على حد راية.
مستوى العلاقات
الاقتصادية بين تركيا والعراق
---------------------------
استغلت تركيا ظروف
الحرب العراقية -الإيرانية لبناء وضعها الاقتصادي الداخلي ، لاسيما بعد الإصلاح
الذي نفذه تركوت ازول عام 1984 ، حيث نشطت التجارة الخارجية التركية بشكل ملفت
للنظر مع العراق ، حيث ذكرت لنا الإحصائيات الرسمية ، ان حجم النشاط التجاري بين
البلدين قدر بـ(مليار وثلاثمائة) مليون دولار ، خلال عامين ، كما عزز النشاط
الاقتصادي التوقيع على بروتكول للتنمية الاقتصادية بين البلدين، وبذلك بات العراق
الدولة الثانية من قائمة الدول المستوردة من تركيا ، بالمقابل أصبح العراق يصدر
مليون برميل نفط يوميا وأكثر من 550 ألف برميل من الخط الثاني الذي افتتح عام 1987.
واستمر توغل رأس
المال التركي إلى العراق عبر الائتمانات المالية ، بعد أن أعلن العراق عجزا ماليا
، وعلى اثر ذلك صدر قرار (603) لسنة 1987 الذي ينص على إيقاف التوظيف والتعيين
بعقود ، علما ان هذا القرار نافذ الى يومنا هذا ، وبذلك تكبد خسائر كبيرة بسبب
الديون التركية التي قدرت ب (2,5) بليون دولار ، ظل العراق يدفع فاتورتها الى
سنوات طويلة.
العلاقات التركية -
العراقية 1990-2003
-----------
برز دور تركيا الإقليمي
بعد حرب الخليج الثانية (قضية الكويت) عام 1990 ، وتنبهت إلى وزنها كدولة يمكن أن
تلعب دورا أساسيا في قضايا الشرق الأوسط ومنها حرب الخليج، وذلك بحكم موقعها
الجيوبوليتكي وارتباطها الإقليمي والدولي عبر حلف شمال الأطلسي، فضلا عن مصالحها
في منطقة الخليج ، وعلى ذلك الأساس اتخذت الحكومة التركية في أواسط كانون الثاني 1991
عندما أعلنت الحرب الدولية على العراق، إجراءات مشددة تجاه الإعلام ومنعت الأحزاب
السياسية التركية المعارضة للحرب على العراق من اي تصريح ، وحينها صرح رئيس
الوزراء التركي اوزول قائلا (( ان جارنا العراق خارج على القانون وعدائي ونحن لسنا
على استعداد لقبول ذلك)) وعلى اثر ذلك حصل برود شبه تام في العلاقات العراقية
التركية .
لقد استغلت تركيا ضعف
الدولة العراقية وأزمة اقتصادها المتهالك ما بين عامي 1994-1995 وأخذت تتدخل
عسكريا دخل الأراضي العراقية ولم تكتف بذلك ، بل رافقتها تصريحات ذات بعد سياسي
تجاه العراق، إذ أكد حينها رئيس الوزراء التركي قائلا ((أن على الغرب أن لا ينسى
دور تركيا ، فنحن من نحكم هذه المنطقة لسنوات طويلة ومن حقنا اليوم أن تكون لنا
حصة عظيمة))!!، وفي نفس العام أصدرت تركيا كتابا تحت عنوان ((المعلومات الأرشيفية
لمدينتي الموصل وكركوك))، وعندما وصل سليمان ديميريل إلى الحكم لم يخف طموحاته أيضا،
إذ صرح ذات مرة (( إن إقليم الموصل لم يترك للعراق بموجب معاهدة لوزان )) وأضاف أيضا
(( لقد ابلغنا الأمريكيين بذلك، لكن المشروع لم يقر سياسيا بعد)) وهذا يؤكد بلا ادني
شك عن حجم الأطماع النفسية والسياسية بشمال العراق.
العلاقات التركية-
العراقية ما بعد 2003
ظل الفتور والترقب
والبرود أحيانا يلاحق العلاقات التركية -العراقية عشية الحرب على العراق عام 203،
فعندما أخذت الولايات المتحدة تحشيد قوى التحالف للهجوم على العراق، حاول الأتراك
الوقوف على الحياد ، وعندما طلبت منها واشنطن فتح أراضيها لطيران التحالف رفضت ،
ليس لان تركيا جارة ودولة مسلمة ، وإنما راعت مصالحها، لأنها كانت تخشى من فقدان
علاقاتها مع العالم الإسلامي الرافض للتدخل الأجنبي، فضلا عن أنقرة لم تحصل على
ضمانات خطية من واشنطن تجاه المسالة الكردية ، لكن تركيا وثقت علاقاتها مع واشنطن
حتى صرح حينها وزير الخارجية التركي ((عبدالله غول )) حول علاقة بلاده بأمريكا
قائلا (( إن نجاح أمريكا في العراق هو بالتأكيد في مصلحة تركيا، وعكس ذلك يعني
الفوضى، ويجب ان تقوم بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق والمشاركة
في تقويم الاستقرار وهو فرصة لتركيا )) وهذا ما اتضح جليا في السنوات الماضية.
مذكرة التفاهم بين
الدولتين لعام 2007
--------------
بعد وصول رجب الطيب
اردوغان الى السلطة في تركيا وهو ينحدر من الخط الإسلامي، قد تطابق توجهه مع طبيعة
النظام السياسي الجديد الذي تشكل عام 2006 ، حيث تمكن الطرفان وبوجهة نظر متطابقة
الى حد ما ، من عقد مذكرة تفاهم بين البلدين عام 2007 وقيام الرئيس العراقي الأسبق
جلال طالباني بزيارة الى تركيا في ربيع عام 2008 وتلتها زيارة من رئيس الوزراء
التركي اوردغان الى بغداد في ذات العام وهي أول زيارة لرئيس وزراء تركي للعراق منذ
عام 1990.
لقد توالت الزيارات
بين الوزراء البلدين ومنها زيارة وزير الخارجية احمد داوود أوغلوا عام 2011 وبعد
ذلك اتسع نطاق التجارة بين البلدين الى ان وصل حجم التبادل التجاري الى أكثر من ((15))
مليار دولار سنويا ، وبحكم الفساد المستشري في البلاد ، وتهريب رأسمال الدولة ، فأصبح
المستثمر العراقي يحل بالمرتب الثانية من بين الجنسيات المختلفة في الاستثمار
الاقتصادي في تركيا !!!؟
موقف أمريكا من الأحلام
التركية
------------------------------
أصبح الوجود الأمريكي
رسميا في الشرق الأوسط بعد عام 1983 وبفضل تركيا، ولكن واشنطن على الرغم من حجم
العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة، لكنها لا تطمأن للشخصية التركية وأحلامها، وكذلك
عدم قبول تركيا في الاتحاد الأوربي ، الأمر الذي جعلها حرة في التحرك وبعيدة عن
قيود الفيتو لو كانت عضوا فيه، وبذلك لاحظنا كيف أصبحت تركيا ميدان للتصفيات
الدولية ومنها المحاولة الانقلابية الفاشلة في آب 2016 وسقوط الطائرة الروسية
ومقتل السفير الروسي وقضية مقتل خاشقجي ، كل ذلك هو لتوهين تركيا وتحجيم تأثيرها الإقليمي
والدولي ، وعندما تخطت تركيا كل تلك المؤامرات أصبح من العسير الأمر على أي طرف ان
يوقف النفوذ الاقتصادي التركي في الشرق الأوسط، وهاهنا نلاحظ التمدد العسكري
التركي في ليبيا وسوريا والعراق، أمام مرآى ومسمع الأطراف الدولية والإقليمية، لان
سياسة تركيا قائمة على سياسة شد الحبل واستدرار عواطف المسلمين في العالم ، وبات
يعرف اوردغان بخليفة المسلمين في كل من اندونيسيا وماليزيا، وهناك شعوب مسلمة قد
تناصر مشروع الدولة التركية، وللأسف أصبح العراق اضعف من ان يقاوم أو يوقف تدخل
جنود أجانب على حدوده ، ولم يتوقف الحال عند ذاك، بل لعب الإعلام كثيرا في تظليل الرأي
العام تجاه القضايا الوطنية المصيرية.
الباحث: 22/6/2020
0 تعليقات