عز الدين البغدادي
كيف نتخلص من كتب الحديث؟ أو كيف يمكن أن نعيد
كتابتها بحيث نحذف كثيرا مما لا يمكن قبوله في هذا العصر، إما لأنه يحتوى على
مضمون خاطئ أو لكونه يحث على الكراهية.
شخصيا لا أحب استعمال مصطلح الحداثة في بحث علمي؛
لأن الحداثة تحولت إلى أيدلوجية والأيدلوجية ليست علمية، كما ان هذا سيجعل كل شخص
يرى نفسه مثقفا يشارك في عملية النقد والحذف حتى لو كانت إمكانياته الذهنية محدودة
أو كان يتكلم بدون منهج وهو ما نشاهده عند كثير من الأشخاص وهم ينتقدون كتب الحديث
بطريفة مثيرة للسخرية.
وبأي حال فإن التخلص من كتب الحديث أو تغييرها غير
ممكن منهجيا ولا أخلاقيا ولا فنيا. عموما أنا أتفق في أصل المشكلة، وأقصد بها
مشكلة تضخم الحديث، إلا أنه مشكلة قابلة للحل وفق رؤية منهجية، منها:
أول ما يمكن أن نقوم به، بل قام به السلف فعلا هو
نقد السند، وهو أهم طرق تصفية الأحاديث لأنه يكشف كما هائلا جدا من الروايات
المكذوبة. ولهذا تعرض ويتعرض علم الرجال (أو الجرح والتعديل) إلى هجمات مستمرة من
الغلاة في هذا الزمن لكونه يكشف زيف عقائدهم.
ثم يأتي نقد المتن، لأن هناك روايات صحيحة السند
ظاهرا إلا أن متنها لا يمكن قبوله بأي حال لأن تخالف معطيات علمية قطعية أو طبائع
الأشياء أو وجود أدلة وقرائن تدحضها.
ثم لا بد من تحديد الثابت والمتغير في الأحكام
الشرعية، فالأمور العبادية هو أمور ثابتة توقيفية، بينما غيرها يقبل إعادة النظر
والاجتهاد، وهو ما سيضيق كثيرا من الأحاديث التي تمتلك إطلاقا زمنيا يتحاوز زمنها.
ثم اذا قلنا باجتهاد النبي (ص) فضلا عمن دونه، وهو
ما ناقشته في كتاب "الإرشاد إلى أحكام الاجتهاد" فسنجد أن كثيرا من
الأحاديث تفقد قوة حضورها، وتكون قابلة للأخذ أو للرد. وهذا الأمر سوف يجعلنا نعيد
النظر في كثير من القواعد التي نستعملها، لا سيما عند تعارض الأحاديث فيما بينها.
كما ينبغي التمييز في الحديث الصادر من النبيّ (ص)
بين ما عبر عن وظيفة النبوة وما تقتضيها وبين وظيفة السلطان، من قبيل حديث "من
قتل قتيلا فله سلبه" أو حديث "من أحيا أرضا ميته فهي له"، فهناك
كثير من الأحكام التي تراعي العرف والمصلحة، وتنطلق منهما.
أيضا هناك أحاديث تعبر عن ثقافة المجتمع وليست
حكما شرعيا، ومن ذلك حديث: "ما افلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وأيضا بعض
أحكام الجهاد والإدارة والقضاء وما إلى ذلك.
وهناك أحاديث تعبر بشكل ما عن المستوى المعرفي
لذلك الزمن، ومن ذلك أحاديث وردت في الطب او الفلك وما الى ذلك.
هذا الكلام باختصار شديد، وهناك قواعد أخرى بينتها
في الفصل الأخير من كتاب "فصل المقال في وظيفة علم الرجال" أما أن يأتي
شخص ليطعن في كل شيء ويشكك في كل شيء، ويتهجم على البخاري ويسخر من الكافي، فهذا
لن يأتي بأي شيء. وسيقع في خطأ يقابل خطأ من ينظر الى الأحاديث وكأنها في عرض واحد
ولها نفس القدسية، او من يدافع عن البخاري باعتباره كتابا مقدسا او يطلق على
الكافي تعبير "الشريف" ويرى ان البحث في أسانيده حرفة العاجز.
0 تعليقات