حامد المحلاوي
الناس لديها قلق مما
يدور على الساحة الليبية .. لكنه قلق مشروع وأمر محمود يظهر حرص المصريين على أمن
وسلامة بلدهم .. السؤال الذي شغل بال كثيرين ولم تظهر له إجابة مقنعة حتى الآن : كيف
يقبل الجيش الوطني الليبي ( المدعوم من مصر ) مقترح إيقاف الحرب وكان على وشك أن
يحسم معركة العاصمة طرابلس .. ليس هذا فقط بل وينسحب من المنطقة كلها ؟! ..
لا أدعي معرفة بواطن
الأمور فلست خبيرا استراتيجيا ولا محللا عسكريا لكني أتكلم كمواطن عادي يحس بما
يحس به المصريون جميعا من خلال نسق الفرد وليس نسق المسئول ..
فحسب نسق الفرد أنا
وأنت نستطيع ونحن مستلقون على أريكة أو كنبة مريحة أن نوقف المعاهدات أو نقطع
العلاقات ونعطل الصفقات أو حتى نعلن الحرب ولن يسألنا أحد في شيء .. أما لو كنت
مسئولا فلن يرحمك أحد لو تركت بالوعة صرف في أحد الشوارع سدت بالورق وأكياس
البلاستيك ولم تسلكها قبل نزول المطر ! .. هذا هو الفارق ..
سمعت هذه الكلمة
للمرة الأولى من الرئيس السيسي .. نسق الفرد ليس كنسق المسئول .. فهمت منها أنه
رجل دولة من الطراز الرفيع .. يفكر للمجموع كما يفكر للفرد .. يهتم بالمستقبل كما
يهتم بالحاضر وربما أكثر ..
انطلاقة الدولة
المصرية نحو التنمية على هذا النحو المتسارع بعد 30 يونيو شكلت قلقا كبيرا لدول
كثيرة أولها إسرائيل بالطبع ( العدو الاستراتيجي الدائم ) .. فهي دولة لا تريد
لمصر أن تفيق أبدا وأسهل طريق لعرقلتها هو جرها إلى حرب تستنزف قوتها وجيشها وتوقف
عجلة النمو الدائر على أرضها الآن .. وفي المنطقة أيضا تركيا وإيران ( القوتان
الإقليميتان المنافستان ) .. بل لا أبالغ إن قلت إن دولا عربية يهمها أن تظل يد
مصر ممدودة لها دائما ! ..
- لكن هل جر مصر إلى
الحرب أمر سهل ؟! ..
سهل جدا .. فطائرة
واحدة تضرب منشأة اقتصادية حيوية أو صاروخ ينطلق من هنا أو هناك سيدخلنا رغما عنا
في قلب المعركة ..
المسألة الليبية تدور
أحداثها الآن بخبث شديد والصهيونية العالمية لم تجد أفضل من هذا الأردوغان لتحقيق
الهدف الذي نوهنا عنه .. ومع ذلك أرى أن أردوغان لا يجرؤ على قتال مصر فهو أول من
يعلم أن المعركة محسومة قبل أن تبدأ .. هو أيضا لا يمكنه إتمام مشروع ترسيم الحدود
المزعوم مع ليبيا لأن الموضوع غير عقلاني أصلا .. أيضا من المستحيل أن يفكر في حرب
عبثية غير محددة الأهداف قد تقلب عليه الداخل التركي والمجتمع الدولي ..
رأيي – وقد أكون
مخطئا - أن هدفه الرئيس هوالتخلص من الدواعش المحتجزين عنده .. فهم كالخراج الذي
ينقح في الجسد التركي ولا يجد لهم مكانا غير ليبيا ليرحلهم إليه بعد أن تصدت
أوروبا لابتزازه لها بورقة اللاجئين .. فليبيا ( الغربية ) بلد بلا جيش او حكومة
وهي الأنسب تماما من وجهة نظره .. هو لا يستطيع إبادة الدواعش خوفا من الملاحقة
القضائية الدولية والمنظمات الحقوقية وكذلك خوفا من استغلال القوى الكبرى لهذه
القضية ضده لو فعل .. شبح مذبحة الأرمن يطاردهم في نومهم ويقظتهم ..
وهل بإمكانه أن يفعل
ذلك ؟ .. يمكنه جدا .. بل أرى أنه قادر بالفعل على استفزاز مصر كي تحرك قواتها
للدخول إلى ليبيا حتى ولو اضطر إلى إرسال قوات رمزية في حركة تمثيلية لجر شكل مصر
مع تسليح كل الدواعش المحتجزين عنده ليحقق به هدفا مزدوجا :
- التخلص من كل
الدواعش على يد الجيش المصري في حرب مشروعة بمباركة أوروبية ضمنية ..
- استنزاف قوة مصر في
حرب قد تطول وهي القوة الأكبر التي تنافس تركيا في المنطقة .. ضعف مصر فيه قوة
للمشروع التركي العثماني ..
دعوة المشير حفتر ومعه عقيلة صالح اليوم أنهما
سيضطران إلى طلب دخول قوات مصرية إلى ليبيا لمقاتلة قوة الغزو التركية رأيي أنها
تصب في نفس الخانة وتتماشى مع نوايا أردوغان غير المعلنة .. اتفقت الوسيلة رغم
اختلاف المآرب ..
أما القيادة المصرية
المسئولة فأدركت أهداف هذا المخطط من البداية وتعاملت معه بحذر وحساب وما زالت ..
الخلاصة :
من فضلكم دعوا
القيادة السياسية تعمل براحة أكثر .. فهي أحرص منا جميعا على مصلحة الوطن وسلامته ..
وهي الأقدر على وزن الأمور بشكل صحيح ودقيق ..
............. لكن
تذكر دائما : نسق الفرد ليس كنسق المسئول كما أسلفنا ..
0 تعليقات