آخر الأخبار

قصص إبراهيمية (2)

 

 

 

 

علي الأصولي

 

 

بعد أن ذكرنا العجز النمرودي. في مقال سابق بات لنا من الوضوح أهم الأهداف واسماها على الإطلاق. وهو محاولة فك الاشتباك والتشابك النفسي بين نمرود المتزعم بتمثيل جانب السماء وبين من توهم هذا الزعم. إذ أن طاقات الناس وأعني بهم أتباع نمرود مستنزفة بالطاعة والعبودية متوهمة بإن نمرود هو من يحقق خياراتها العبادية والنفسية وتطلعاتها الكهنوتية.

 

ولكن عبثا ما حاول نمرود إيجاده وتحققه وفي يد إبراهيم - فأسا - فكريا وهمة وجد عالي المستوى والدعوة التوحيدية.

 

 

( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذ بيتا ان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) العنكبوت ٤١/ لا حياة حقيقية في من اتخذ طريق ينتهي به إلى بيت العناكب. حيث ان العناكب تصطاد فرائسها بعد إيهامها بالبيت إما لوجود حشرة فيه - ميتة - يستخدمها العنكبوت كطعم أو عدم الوضوح في مدى الرؤية وأن أمام السالك بيتا في الأفق..

 

 

بالتالي من يحاول أن يقنع نفسه بأنه سوف يجد ذاته وكماله في بيت العنكبوت - الدعوات الزائفة والماكرة - فهو بالحقيقة ينتظر أن يلاقي حتفه المعنوي في هذه الدعوات كما تلاقي الحشرات حتفها المادي في بيت العناكب،

 

 

انظر الآية أعلاه مرة أخرى: فإنك سوف تجد أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء حسبوا أنفسهم أنهم في أمان وديمومة من الكمال. ولكن بالنتيجة هو الخسران المبين. علقت الآية من خدع بيت العنكبوت أو من خدع بلباس القديسين أنهم - لا يعلمون - لو كانوا يعلمون - لما تقدموا على خسارتهم ولكن المصير إلى مثل هؤلاء كان لا عن قصد منهم - لو كانوا يعلمون - وعدم العلم لوجود الجهل وقلة الوعي بل ولوجود دعاة على أبواب الضلال كما في الأخبار دعاة على أبواب جهنم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

 

خاض إبراهيم - ع - صراعا مريرا مع قومه في سبيل دعوته التي هي دعوة كل الأنبياء السابقين زمانا عليه. وهي دعوة التوحيد.

 

 

بعبارة أخرى: أن الدعوة التوحيدية قديما وحديثا تطلب لا لذاتها - الله بالتالي غني عن العالمين - بل الغاية من كل الدعوات هو تصحيح المسار البشري العام وضبط الإيقاع السلوكي لضمان عيشة راضية ومرضية - دنيويا وأخرويا - هذا كل ما في الأمر ببساطة شديدة.

ما يهمنا في المقام هو الشأن الإبراهيمي الذي قال ( أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ) الأنبياء ٩٧.

 

 

و ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءآباءنا أو لو كانوا ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) البقرة ١٧٠/ وفي آية نفس السياق باختلاف ولا هم يعلمون التنديد علق على عدم العلم،

 

 

وفي مثله لو كانوا - أي الآباء - يهتدون أو يعلمون - لما صح التنديد ( ولذا قلت في الفقه يجوز التقليد في مسائل العقيدة فروعها المتفرعة لا في أصولها الواجب على الفرد تحصيلها بالنظر ) ما يعنينا في المقام هو جواب هؤلاء الناس الذي اتضح بأنهم مقلدة لاباءهم في مسائل العقيدة وكبرياتها أو أصولها العامة ( قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ○ قال هل يسمعوكم إذ تدعون ) الشعراء _ ٧١ _ ٧٧ .

 

 

فلو تلاحظ هنا احتج إبراهيم - ع - بالسمع وهو عبارة عن تطلعاتهم وامانيهم هل تتحقق مع دعواتكم ام هي ملحقة بالعدم !

 

 

طبعا هذه المحاججة لها تأثير نفسي حيث ان الخصم لا يستطيع المطاولة فهو في قرارة نفسه مخذول وهو يعرف بأنه مخذول ولكن لقوة التقليد الأعمى يحاول التشبث بأقل الأعذار للإفلات من المأزق الإبراهيمي،

 

 

الغريب أن إبراهيم - ع - عندما جوبه بالجواب منهم ( قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ) وأحرجهم ( قال هل يسمعونكم إذ تدعون ) ارتوا ان يقتلوه او يحرقوه ( قال اقتلوه أو حرقوه ) وبعدها وفي نفس السياق بعد أن ذكر النص ( فانجاه الله من النار ، ، ) وفي نفس السورة وبعد هذه الآية مباشرة أفاد إبراهيم - ع - بمعلومة غاية في الأهمية وقد ذكرها في النص القرآني ( وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ) العنكبوت ٢٤ - ٢٥ .

 

 

بينما هم قالوا ( أصناما ) وهو - ع - صحح الفكرة والمعلومة وكونها ( أوثانا ) ولابد من التفريق بين المعنيين لا أن نحسبهما لمعنى واحد.

 

 

الوثن ليس كالصنم من جهة أن الوثن يتمثل بشخص والأوثان بشخوص والصنم يتمثل بحجر. بيد أن إجابة القوم ( نعبد أصناما ) صحيحة في نفسها ولكن الواقع الذي لم يلتفتوا إليه لأنهم مغيبون فكريا ونفسيا أنهم يعبدون أوثانا وأن عكفوا على الأصنام الحجرية ظاهرا. ولذا جاء المقترح من الأوثان لمعالجة إشكالية ودعوة إبراهيم - ع - ( اقتلوه أو حرقوه ) إذ كان هناك ثمة اقتراحات ومقترحات منها القتل المباشر ومنها الإحراق والغاية منه تعذيبه من جهة وتخويف من يسلك سلوكه من جهة أخرى، وما القوم إلا في غياهب الوهم والتوهم إذ عطلوا عقولهم أمام الأوثان البشرية. التي تأخذ على عاتقها التفكير بالنيابة عن المجموع البشري التابع. ولذا نجد أن النبي - ص - في حديث مشهور صرح بإن شارب الخمر كعابد الوثن.

 

 

والعلة المشتركة بين الخمر والوثن هو أن الأول اسكار والثاني شبيه الاسكار ( سكارى وما هم بسكارى) . وقاسمهما المشترك غياب العقل والتخيل والتوهم بإن السكران وعابد الوثن على خير ،والكلام طويل وذو شجون وإلى الله تصير الأمور : انتهى.


إرسال تعليق

0 تعليقات