عز الدين البغدادي
من العجيب ما يشيعه
البعض من الخطباء وغيرهم من أن الدليل على جواز الاستغاثة بالأئمة (ع) هو أن النبي
(ص) كان ينادي عليا يوم أحد ويقول له: "يا علي اكفني هذه الكتيبة"، فإذا
كان النبي (ص) يستغيث بعلي؛ فلم لا نستغيث نحن به؟
وقد كتب إلي أحد الإخوة
يسأل عن صحة سند هذا الخبر وعن وجه الاستدلال به، فقلت له: من حيث السند فإن هذا
الخبر لا ينظر في سنده لأنه أمر تاريخي مقبول وهو ليس شاذا، ويناسب موقف الإمام (ع)
في أحد وفي غيرها، ولا يعني هذا أن سندها صحيح، لأنه أساسا لم يأت بهذا اللفظ إلا
في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، والمسائل التاريخية تختلف في منهج قبول الرواية
او ردها عما عليه الأمر في علم الحديث.
أما بالنسبة للحادثة
فأنا اقرأها بطريقة مختلفة واعتقد أنها أكثر منطقية، فالنبي (ص) أخذ بالأسباب
الطبيعية وهو وجود مقاتل شجاع قوي مخلص مؤمن بعقيدته (وهو الأم علي) يمكن أن
يستعين به في هذا الموقف الصعب، فهو لم يلجأ إلى الدعاء والرجال يحصدها الموت من
كل الجهات، بل لجأ إلى سبب طبيعي قريب منه.. واعتقد أن هذا الفهم أكثر منطقية من
تفسيركم للخبر، لا سيما وأن التفسير الغيبي لا يلجأ إليه مع وجود تفسير طبيعي.
والآن: لو افترضنا أن
النبي (ص) نادى عمر بن الخطاب وطلب منه أن يناوله شيئا، أو أن طلب من عثمان بن
عفان أو أي صحابي آخر أن يجلب له طعاما أو شرابا، فهل سنستفيد من هذا جواز
الاستغاثة بهما؟‼
أيضا لو افترضنا ان الإمام
علي كان مثلا في الطائف او مكة فإن النبي (ص) لن يقول بالتأكيد: "يا علي
اكفني هذه الكتيبة" أليس كذلك؟
عموما الاستدلال بهذا
الخبر للقول بجواز الاستغاثة غير صحيح وغير منطقي، لأن هناك فرقا بين أن أطلب
مساعدة من شخص قريب مني كما لو قلت لك ناولني كذا أو ساعدني بكذا، فهذا طلب طبيعي.
وبين أن اطلب من شخص بعيد عني أو ميت أو مجهول المكان (كما في الاستغاثة بالإمام
المهدي).. والفرق بينهما هو أن الأول أمر طبيعي جدا وعقلائي، والثاني ليس طبيعيا وأيضا
لا دليل عليه.
قد تقول بأنّ من غير
الممكن أن نجعل الإمام كأحدنا، لأنه حي كما أنه تعرض عليه الأعمال، فأقول لك: الكل
يموتون وقد قال تعالى لنبيه ( انك ميت وإنهم لميتون ) وعندما قال تعالى عن الشهداء
( أحياء عند ربهم) فهذا لا يعني أنهم ليسوا موتى، بل هم أحياء (عند ربهم)، وهم
بالنسبة لعالمنا موتى لأن النبي والإمام (صلوات الله عليهم) عند موتهم يغسلون
ويكفنون ويصلى عليهم ويدفنون. وإلا لما كان هناك من معنى لانتقال الإمامة من إمام
ميت إلى إمام حي.
إذن كما أنه لا يمكن
أن استغيث بالإمام الصادق (ع) وهو بالكوفة أو بالمدينة وأنا بمصر مثلا للسبب الذي
بينته فكذلك لا يمكن بعد الموت من باب أولى.
وهنا يظهر الفرق بين
الأمرين، وهو الذي لا يريد بعض الأخوة أن يعترفوا به، وهو أن الله تعالى هو الذي
لا يحده مكان ولا زمان، وهو الذي لا تختلط عنده الدعوات ولا يمنعه سماع صوت من
سماع غيره، لذا فيمكن ان ندعوه اينما كنا كما دعاه يونس في بطن الحوت وكما دعاه
يوسف في الجب كما في القصص القرآنية…. والله اعلم.
المشكلة ان هذا الطرح
السوقي أثر سلبيا على عقول الناس، وجعل نظام تفكيرها وفق هذه النظام غير المنطقي وأيضا
غير الشرعي.
0 تعليقات