رسالة النيل بغداد
نص مقال رئيس مجلس الوزراء السيد
مصطفى الكاظمي الذي نشر اليوم في عدد من الصحف العراقية:
مع اقتراب الموعد الذي قطعته إمام البرلمان لاستكمال التشكيلة الوزارية،
لابد من وضع شعبنا وقواه الوطنية ، وشبابنا المطالب بحقوقه، أمام ما أواجه من
تحديات تتطلب من الجميع التكاتف لتذليلها، وما أقوم به من مداولات وحوارات بناءة
ومكثفة مع كل القوى السياسية هدفه الوصول الى ما يرضي شعبنا ويعيد الثقة بإمكانية
تجاوز العملية السياسية للازمة المتفاقمة التي تواجهها وتضع عراقنا أمام مفترق طرق.
لقد تصديت لواجبي واعرف مسبقاً المصاعب التي تقف إمامي، والتركة الثقيلة
التي ستواجهني على كل الأصعدة وفي جميع الميادين الحيوية التي ترتبط بحياة
المواطنين، وأمن وسيادة واستقلال البلاد. مدركاً أن الأزمة شاملة وتدخل في نسيج
الدولة ومؤسساتها، وتعرقل قوتها الاقتصادية التي تعثرت خلال الفترة الماضية، فلم
يتحقق ما من شأنه النهوض الشامل بالأمن الغذائي للبلاد، ولا النهوض بالصناعة
وتنويع واردات الدولة، وتوسيع الاستثمار، وتأهيل البنى التحتية المتآكلة.
وما زاد من الصعوبات عدم إعادة النظر بجدية في هيكلية أنتاج وتسويق النفط
والاهتمام بالمشتقات النفطية ، فيما أعيد في المقابل تدوير أزمة الفساد الإداري
والمالي، وتفكك الكثير من أجهزة استكمال الدولة ومؤسساتها. وبدلاً من تشجيع
الاستثمارات وقطاعات العمل وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة بتأمين ما تحتاجه
لاستيعاب الأيدي العاملة العاطلة ، جرى رفع مستوى التضخم الوظيفي في أجهزة الدولة
وما ينطوي عليه من استنزاف للموارد وبطالة مقنعة.
كل ذلك جعل التحديات التي تواجه اي حكومة مضاعفة. ومع معرفة كل هذه
الصعوبات استجبت لتحمل المسؤولية معتمداً على تفهم الكتل والقيادات السياسية ،
وقبل ذلك جمهور شعبنا المبتلى، والمظلوم، والمطالب بحقوقه الطبيعية، لضرورات
المرحلة، خصوصاً وأن التدني الخطير في موارد البلاد مع انهيار أسعار النفط يحتم
على الحكومة البحث في كل الاتجاهات لإيجاد مصادر عاجلة لتسديد رواتب العاملين في
الدولة، وتغطية النفقات الضرورية لتسيير شؤون والتزامات المؤسسات، وفي مقدمتها
تامين سلامة المواطنين من جائحة كورونا.
إنني اذ أضع هذه الوقائع إمام شعبنا والقيادات السياسية، أؤكد مجدداً ان
العراق أكبر من التحديات والأزمات والمشاكل مهما بلغت، وأننا بحاجة الى التعاون والتضافر
مع كل قوى شعبنا من كتل برلمانية وأحزاب سياسية وفعاليات اجتماعية وثقافية ،
وبتفهم من شبابنا المتظاهرين، بما يمكّن الحكومة القيام بواجبها.
وهذا الدعم مطلوب الآن من الكتل السياسية البرلمانية للمساعدة في استكمال
التشكيلة الوزارية عبر التصويت على قائمة المرشحين للوزارات الشاغرة، من اجل المضي
في وضع الخطط العملية لانجاز ما أوكل الى الحكومة من مهام المرحلة الانتقالية،
والاستجابة للتطلعات المشروعة للمواطنين بتوفير الحد الممكن من الخدمات وسبل العيش
الكريم وإيقاف الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرضون لها، وإعادة أبنائهم الذين
تعرضوا للاعتقال والتغييب.
ينبغي ان لا يغيب عنا جميعاً إننا نجد أنفسنا بعد سبعة عشر عاماً ، في وضعٍ
لا نُحسد عليه، فسيادتنا استمرت منقوصة أو منتهكة أو معرضة للشكوك، وأراضي بلادنا
يراد ان تصبح ميداناً لصراع الآخرين، وأمن مواطنينا مهدد ، لا من استمرار داعش
وخلاياها النائمة، بل وأيضا من السلاح المنفلت خارج إطار الدولة ، وكل مظاهر
الفساد ونهب المال العام وتبديد الثروات، والمستوى غير المقبول لتصنيف العراق على
صعيد التعليم والصحة والخدمات. فيما لم تعد البطالة ظاهرة يمكن احتواؤها، بل تجاوز
عدد العاطلين وخصوصاً من بين الخريجين الى مستويات لم تبلغها في اي ظرف سابق. وبات
خط الفقر، يضم أمهات وعائلات الشهداء الذين جادوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن.
ورغم ان الثروة التي دخلت خزائن العراق على مدار السنوات ال ١٧ الماضية ،
كانت تكفي لإعادة بناء البلاد وتأسيس صندوق المستقبل، فان الفساد قد استنزفها،
وهُرّب بعضها علناً الى خارج البلاد، ولم أجد وأنا أستلم المسؤولية إلا خزينة شبه
خاوية!.
لقد وجدت من واجبي في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة أن أضع شعبنا أمام ما
نواجه من صعوبات ، من بينها التناقض بين الوعود العلنية التي أكدت على حريتي في اختيار
التشكيلة الوزارية ، وما يدور وراء الكواليس من مناورات وشد من قبل البعض . وهو ما
يعرقل ويعطل استكمال الحكومة لكي تباشر مهامها بحيوية وتظافر في الجهود وصولاً الى
الأهداف المعلنة.
ويبدو احياناً أن ما نطلقه من تأكيدات لضرورة تصحيح مسارات العملية
السياسية ووضع البلاد على طريق المعافاة لا تجد آذاناً صاغية لدى البعض هنا او
هناك ، دون الانتباه الى ان البلاد مهددة بما سيضعنا جميعاً أمام خيارات ليس فيها
رابح وأفضلها الانحدار الى الفوضى، لا سمح الله ، ما يدفع الى إعادة التأكيد على
ضرورة ان يضع الجميع المصالح الوطنية العليا فوق المصالح الثانوية، وان تتضافر
جهود جميع الكتل والأحزاب وبتفهم من شعبنا، لعبور هذه المرحلة.
ليس أمامنا سوى خيار الاستجابة للمطالب الشعبية العادلة التي عبرت عنها
الحركة الاحتجاجية وساحات التظاهر، التي جمعت خيرة بنات وشباب شعبنا، والعمل
المخلص على تحقيق مطالبهم بإعادة مجد العراق وقوته وكرامته، وتصفية تركة المحاصصة
المقيتة بكل تجلياتها، ومحاربة الفساد المالي والإداري.
وليس بالإمكان المباشرة بأية خطوة جادة دون الشروع بما يعيد للدولة هيبتها
وبسط سيادتها ، وهو ما يتطلب ان لا يكون أي طرفٍ مهما كان شأنه أو مصدر قوته أو
موالاته فوق إرادة الدولة والدستور والقانون، وإن يصبح السلاح والقوة النارية بيد
الدولة والقوات المسلحة وبإمرة القائد العام للقوات المسلحة.
أود التأكيد مرة أخرى لإزالة أي التباس، بان المهمة التي أنيطت بي هي عبور
المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن ، والاستجابة الى مهام ملحة مباشرة ، أبرزها :
- إنجاز قانون الانتخابات مع ما يتطلبه من تدقيقات أو تعديلات، والانتهاء
من الصيغة النهائية للقانون .
0 تعليقات