عمر حلمي الغول
لا مجال، ولا داعي
للعودة لمناقشة أسباب وخلفيات نكسة حزيران 1967، لأنها باتت معروفة وخلفنا.
غير ان الضرورة تحتم
بشكل دوري في كل ذكرى لمرورها التوقف أمام تداعياتها الخطرة على مستقبل شعوب ودول
الأمة العربية، والمشروع القومي العربي النهضوي، وفي طليعة ذلك آثارها على قضية
العرب المركزية لقياس حجم التدهور والانهيار الفكري والسياسي والثقافي والقانوني
والاقتصادي وانعكاسها على الأمن القومي داخل المنظومة العربية المترهلة والمتآكلة
والمنكوبة بأنظمة عربية باتت عبئا على شعوبها، وعلى تاريخها، وعلى الأمة عموما.
ورغم المحاولات
الجادة من بعض القوى والشعوب تجاوز انعكاسات نكسة أو هزيمة حزيران/ يونيو 1967،
كما حاولت الثورة الفلسطينية المعاصرة في ظاهرتها العلنية بعد الهزيمة، وحتى كما
حاولت الأنظمة العربية، التي تعرضت مباشرة للهزيمة، كما حدث في حرب أكتوبر عام 1973،
وغيرها من المحاولات في مشرق ومغرب الوطن العربي. لكن النتيجة المُرة والبشعة
الماثلة أمامنا تشير إلى أن العرب جميعا ونخبهم الفكرية والسياسية والثقافية فشلوا
مرة تلو الأخرى في التخلص من براثنها. لإن تداعياتها السلبية أعمق من كل المحاولات.
لا سيما وأننا نعيش اليوم مرحلة من أسوأ مراحل تاريخ العرب منذ القرن الثالث عشر
الميلادي، حيث يلاحظ الآتي:
أولا تراجع مكانة القضية المركزية للعرب، قضية
فلسطين، ليس هذا فحسب، بل حدوث انهيارات في جدار الممانعة ورفض الهزيمة العربية، وانفضاض
العديد من العرب الرسميين عن دعم القضية، وإن حدث ذلك، فهو شكلي ولفظي وكاذب، ولعل
الاندفاع نحو عملية التطبيع المجاني مع دولة الاستعمار الإسرائيلية خير دليل على
هذا التحول الإستراتيجي الخطير.
ثانيا حتى المؤسسة العربية المشتركة، أي جامعة
الدول العربية، باتت وعاءا وهميا أو بتعبير أكثر دقة إطارا شكليا غير ذات رصيد في أي
مجال من مجالات العمل المشترك. ولم تتمكن المنظومة العربية الرسمية من الارتقاء
بمكانة الجامعة العربية، وقيمتها بالنسبة لبعض الأنظمة استخدامها لتمرير سياسات ضد
مصالح العرب القومية، أو الصمت على فضائح وانتهاكات بعض العرب لميثاقها وأهدافها،
وبالتالي بقي منبر الجامعة مرهونا لخلفية تأسيسه من قبل بريطانيا العظمى.
ثالثا تغيير أولويات وأهداف الأنظمة العربية،
وتخندقها في خنادق القطرية والحسابات الضيقة للحكام العرب في هذا البلد او ذاك.
رابعا التناقض الجذري مع المحددات الناظمة
للسياسة العربية الرسمية تاريخيا، والتخلي الكلي عن منظومة الدفاع القومي، والانقلاب
على المعادلات التاريخية للصراع القومي مع المشروع الصهيو أميركي.
خامسا تعمق الصراعات البينية العربية العربية،
وإنفاق مئات المليارات من الدولارات الأميركية على تلك الحروب، ولخدمة المشروع
الأميركي في بلاد العرب.
سادسا تعمق التبعية والارتهان للمنظومة
الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية الأميركية، وبلا ادني ضوابط لصون الاستقلال
الشكلي للدول العربية المتورطة في المتاهة الأميركية.
سابعا التورط في حروب إقليمية دون كابح، أو ناظم
لأهداف تلك الحروب الدونكشوتية الغبية، ودون وضع إستراتيجية موحدة، وأيضا وفق رؤية
وحسابات العدو الصهيو أميركي.
ثامنا غياب كلي لقوى وأحزاب ونخب التغيير
الحقيقي، وبقاءها في حالة موت إكلينيكي، وإن بقي شيئا منها، بقي على هامش الأحداث،
وبقي شكلا دون أدنى مضمون، وكجزء من أدوات الأنظمة العربية الرسمية.
تاسعا الموت المعلن للمشروع القومي التنويري،
رغم محاولات القوى الوطنية والقومية والديمقراطية القائمة لإحياء الروح القومية،
غير أنها جميعا لم تتمثل الدور المنوط بها، وبحكم وجود هوة سحيقة بينها وبين
الجماهير الشعبية العريضة، وسقوطها جميعا في دوامة السلطة السياسية، وتراجع وانكفاء
تلك القوى والأحزاب إلى ذيل الفعل السياسي، وحلول قوى الإسلام السياسي ذات
الأجندات الإقليمية والدولية في سدة المشهد العربي، وتورط العديد من القوى في
الركض في متاهة القوى الإسلاموية المأجورة.
عاشرا غياب وانتفاء
الإنتاج الفكري السياسي والمعرفي الثقافي في أوساط القوى والنخب العربية، وعدم
وجود مراكز بحثية حقيقية تراجع التجربة والتاريخ والهزائم والإنجازات إن وجدت،
والمراكمة عليها، وتخلي المثقفون العرب عن دورهم الريادي، وبيع إنتاجهم بأرخص
الأثمان لممثلي أهل النظام السياسي الرسمي، الذين يتواطأوون على مصير ومستقبل
الأمة العربية وشعوبها عموما من المحيط إلى الخليج، ولحساب أعداء الأمة من كل لون
وشكل، مما احدث انهيارات عميقة في المشهد الثقافي المعرفي، مما ساهم في تلاشى دور
المثاقفة والترجمة والإبداع بشكل عام في أوساط النخب، وإن وجد، وهو موجود، ولكنه
في أضيق الحدود.
وهناك الكثير ما يمكن
التطرق له عن نتائج وتداعيات نكسة وهزيمة حزيران 1967، التي برأي كانت اكثر بشاعة
من نكبة العام 1948، لا سيما وان الواقع العربي بات مبشرا بعملية نهوض بعد ثورة
يوليو الناصرية 1952 والثورات العربية الأخرى في سوريا والعراق والجزائر وليبيا
والسودان وفلسطين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي .. إلخ، لكن إرهاصات الهزيمة
كانت اعمق وأكثر تجذرا في الواقع العربي بمستوياته المختلفة، مما ضاعف من إفلاس
القوى والنخب والأنظمة العربية على حد سواء. دون ان ينتقص ذلك من كل الومضات
والإضاءات، التي شهدتها الساحات العربية المختلفة.
وفي الذكرى ال53
لهزيمة حزيران يمكن الجزم، رغم كل ما ذكر، انه مازال هناك أمل في استنهاض الذات
الوطنية والقومية والديمقراطية العربية في كل الساحات والمنابر، والخروج من وثنية
اللحظة القاتلة، ولكن عندما تستعيد القوى صاحبة المصلحة في التغيير دورها ومكانتها
في أوساط الجماهير العربية، وتنتفض على ذاتها وبرامجها وأفكارها، وتكسر قيود
عبوديتها، عندئذ يمكن الجزم بأن التاريخ سيفتح أبوابه مشرعة أمام المشروع القومي
العربي النهضوي.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات