حسين أحمد
الخطوط العامة
للبحث.
تطرح مسألة الحدود في
الدولة الدينية بسياق التأصيل لوجود القانون نفسه ، فالإشكاليات التي تطرح هنا
وهناك ، ليست حول تأصيل القوانين كمنظومة كاملة لضبط المجتمع ، إنما في قابلية
القانون على التمدد وأخذ شكل الزمكان والظروف التي يُطبق فيها ، بعبارة أخرى
صلاحية القوانين لكل زمان ومكان باختلاف الظروف ..
وباصطلاح الفقهاء - مدخلية
الزمان والمكان في الأحكام الشرعية-
وهذا الموضوع من
المواضيع المتشعبة والمتداخلة ولا يمكن حصرها في سلسلة مقضبة كهذه ..
يتفق الجميع على
ضرورة وجود القانون في عالم الدنيا ، ذلك القانون الذي يضبط طبيعة العلاقات بين
أفراد المجتمع ويضع لها الحدود المتسمة بالعدالة ..
فنحن لا نعيش في
مدينة أفلاطون الفاضلة التي وصفها دويستوفسكي بأنها لا تصلح إلا للعصافير ..
الآن كثيراً ما نقرأ
في كتب الفقه والتفسير ، لفظي [حد وتعزير ] والمراد منهما المنع ، والتأديب ..
وقد يطلق الحد ويراد
به الحكم كما في قوله تعالى ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) وقوله تعالى ( تلك حدود
الله فلا تقربوها " وقوله جل وعلا " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم
الظالمون ).
وقد يطلق الحد ويراد
به الانتهاء كمثل [ إلى هنا حد هذه الدار ] أي انتهاها.
والظاهر أن المراد
بالحد في باب الحدود في القانون الإسلامي هو المعنى الأول أي المنع لمنعه للناس عن
تكرار الإجرام والمعاصي الموجبة للحد ..
وأما التعزير فهو [ التأديب
] وهو ما دون الحد او يراه الحاكم بالنسبة إلى المجرم الذي ارتكب شيئا من المعاصي ..
الكليباكاني ، الحدود والتعزيرات ج ١ ص ٣
ويقنن كل مجتمع
علماني قوانينه الخاصة المتفق عليها عقلائياً ، بالعقل الثاني -العقل الاجتماعي- وهذا
الفرق الجوهري بين الدين والعلمانية ، فالدين يدخل في سياق التقنين ، العقل الثالث
، العقل الإلهي الخارجي على حد زعمه ، وهذا العقل له الصلاحية الكاملة بصفته
ناظراً إلى الواقع المجرد ومدرك للمصالح والمفاسد الذاتية للأشياء ، بما يضمن حسب
زعمهم الانضباط التام والسعادة الحقيقية للمجتمع أكثر من الاعتماد على العقل
الفردي أو الاجتماعي ...
تنقسم الأحكام
الدينية إلى قسمين ، أحكام فردية ، الناظرة إلى مصالح الفرد الروحية والمعنوية قبل
كل شي وهي من قبيل حقوق الله على الفرد التي تسيره في درب كماله الفردي ، كالصلاة
والزكاة بشكلها الفردي والحج والإيمان إلخ ..
والقسم الآخر من قبيل
الحقوق الاجتماعية ، المريدة لتنظيم المجتمع الإسلامي بشكل خاص والبشري بشكل عام ،
من قبيل الحدود والتعزيرات والأنكحة والأمور المالية ..
ولتنظيم مثل هذه
التعاملات والحوادث احتيج إلى شكل خاص من القوانين ، شكل تطبقه الأمة فيما بينها
بوجود الحاكم الشرعي سواء كان المعصوم او من ينيب عنه في زمن الغيبة ..
وفي ذلك الصدد يقول
بعض الفقهاء:
لا يجوز إقامة الحدود
غير الإمام أو من نصبه الإمام لإقامتها تحرير الأحكام ج ٢ ص ٢٤٢.
وكذا في اللمعة
الدمشقية ص ٤٦ من اشتراط اتصاف الفقهاء بالعدالة والاعلمية ومعرفة الأحكام بالدليل
والإيمان الخ حتى يُسمح لهم بتفيذ القوانين والحدود في حال غياب الإمام المعصوم ..
ويختلف الشيعة فيما
بينهم حول هذه القضية ، فقسم يقول بأن الحدود الكبرى معطلة إلى حين ظهور المعصوم
وقيام الدولة الإسلامية ، وهم أصحاب الولاية الجزئية للفقيه ، وقسم يقول بأن
للفقيه الجامع للشرائط صلاحية تنفيذ القوانين وإجراء الحدود ، سواء أكان في سدة
الحكم أو مخول من قبل الأمة لإجراء تلك الأحكام ..
0 تعليقات