آخر الأخبار

الحرب الأمريكية على الليرة السورية لم تبدأ أمس..



 

 

 إبراهيم علوش

 

كانت كلمة الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب في 7/6/2016 هي الموضع الذي ركز فيه سيادته على الحرب الاقتصادية على جبهة الليرة السورية، وقد قال بصدد هذا الموضوع: "لم يكتفوا بإرهاب المتفجرات والقذائف، بل دعموه بالإرهاب الاقتصادي عبر العقوبات على سورية، وعبر الضغط على الليرة السورية، بهدف انهيار الاقتصاد وتركيع الشعب ورغم كل القفزات المؤلمة التي حصلت ما زال اقتصادنا يقاوم، وأثبتت الإجراءات النقدية مؤخراً إمكانية مواجهة تلك الضغوط والتقليل من أضرارها، والقدرة على إعادة الاستقرار لليرة".

 

 

 

لكن المعركة على جبهة الليرة السورية كانت لا تزال في بداياتها فعلياً، فبعد أن فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مشروعها الميداني والسياسي في سورية، وراح الجيش العربي السوري يستعيد المنطقة تلو الأخرى، ازداد الضغط على الاقتصاد السوري عموماً، وعلى الليرة السورية خصوصاً، ووصل الأمر بالمسؤولين الأمريكيين بالتبجح بدورهم في تدمير الليرة السورية، وكما صرح جول رايبرن، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون سورية، فإن "الانهيار الذي تشهده الليرة السورية" دليلٌ على جدوى الإجراءات التي تتخذها واشنطن لـ"تجفيف موارد الحكومة السورية وحلفائها من خلال العقوبات"، متوقعاً في 8/9/2019 من إسطنبول أن يتجاوز سعر الدولار الواحد 700 ليرة سورية، وقد وصل بعدها بحوالي شهرين أكثر من ذلك بالفعل. فالولايات المتحدة لا تخفي دورها في السعي لدفع الاقتصاد والليرة السورية للانهيار، بل تتبجح به علناً (كما فعل جيمس جيفريز مؤخراً من جديد).

 

 

 

بجميع الأحوال، يرتبط انهيار سعر الليرة "بالحصار النقدي والحصار الجغرافي بالنسبة للتصدير" من ناحية العامل الخارجي، كما أفاد السيد الرئيس، فالحصار النقدي يعيق تدفق العملة الصعبة إلى سورية، والحصار الجغرافي يعيق التصدير الذي يدر العملة الصعبة، وهذا يعني أن المعروض من العملة الصعبة يصبح أقل بكثير، وبالتالي يرتفع سعرها مقابل الليرة السورية.

 

 

 

أما العوامل الداخلية التي تُضعف الليرة السورية فتتصل بالإرهاب (المدعوم خارجياً بالنهاية) الذي:

 

1) ضرب البنية التحتية،

 

2) قطع الطرق بين المدن،

 

3) ضرب المنشآت الاقتصادية،

 

4) أخاف رؤوس الأموال، على حد وصف السيد الرئيس.

 

 

هذه العوامل جميعاً تصب في قناة واحدة هي تقليل الكمية المعروضة من السلع والخدمات في الاقتصاد السوري، سواء من خلال إعاقة الإنتاج (ضرب المنشآت الاقتصادية والبنية التحتية)، أو من خلال إعاقة التجارة (قطع الطرق بين المدن وضرب البنية التحتية)، أو من خلال إعاقة الاستثمار (إخافة رؤوس الأموال)، وكل هذه العوامل تؤدي لارتفاع الأسعار بسبب انخفاض الكمية المعروضة من السلع والخدمات مقابل كمية النقد في التداول، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار والعملات الأجنبية.

 

 

 

وفي اللحظة التي بدأت فيها سورية تقضي على الإرهاب، تم تشديد العقوبات لمنع منتجات الطاقة من الوصول إلى سورية، ولخنق التجارة مع سورية، أي تمت الاستعاضة بالعامل الخارجي، الدولي والإقليمي، عن العامل الداخلي المتصل بالإرهاب في الضغط على الاقتصاد والليرة السورية. فإعاقة وصول مشتقات الطاقة لسورية مثلاً ينعكس على كل القطاعات الاقتصادية لأنه يزيد من كلفة الإنتاج والشحن والتنقل إلخ...

 

 

 

أضف إلى ذلك أن التهويل بحد ذاته يدفع بعض المواطنين لتحويل ليراتهم إلى دولارات أو عملات صعبة أخرى، وهذا بحد ذاته يرفع سعرها مقابل الليرة، ويؤدي بدوره إلى ارتفاع معدل الأسعار، وهذا يعني أن ما يوفره المواطن السوري من شراء الدولار يخسره من خلال ارتفاع الأسعار، كما كرر الرئيس الأسد أكثر من مرة.

 

 

 

الحل؟ الحل المنطقي طويل المدى هو زيادة الإنتاج من السلع والخدمات، واتخاذ كل الإجراءات حكومياً وشعبياً التي تساعد على زيادة الإنتاج، فالحكومة يجب "أن تبحث القوانين والإجراءات التي يمكن أن تسرع دورة الاقتصاد"، كما قال السيد الرئيس في كلمته أمام مجلس الشعب في 7/6/2016، و"أصحاب الاستثمارات بكل مستوياتها، الصغيرة، ولو كان محلاً بسيطاً، والمتوسطة والكبرى" مطالبة بإنجاز المشاريع، وما عدا ذلك فإن كل ما يتم اتباعه هو معالجات قصيرة الأمد، إذ أن "مشكلة الليرة بالدرجة الأولى هي ضعف الاقتصاد"، بغض النظر إذا كان مثل هذا الضعف ناتجاً عن عوامل خارجية مثل الحصار، أو داخلية مثل الحرب والإرهاب.

 

 

 

ومن المهم الانتباه هنا إلى أن ما سبقت الإشارة إليه في كلمة السيد الرئيس في لقائه مع الحكومة من أن السياسات المالية والنقدية يجب أن تكون ذات أبعاد تنموية، وأن لا تكون موجهة لتحقيق التوازن المالي والنقدي فحسب، تصب أيضاً في إطار تقوية الاقتصاد في مواجهة محاولات إضعافه، وبالتالي تقوية الليرة السورية.

 

 

 

وفي لقائه مع رؤساء المجالس المحلية في 17/2/2019، عاد السيد الرئيس إلى التطرق لهذه النقطة في سياق حديثه عن "الجيل الرابع من الحروب" التي تتعرض لها سورية، ومن ذلك "اللعب بأسعار الليرة والصرف ومعلومات اقتصادية تهز ثقة الناس ببلدهم.. إلخ، والمشكلة الوحيدة هنا أننا نصدق بدون تدقيق"، مضيفاً أن الدول المعادية تتبنى أساليب جديدة في فرض الحصار.

 

 

وفي النهاية تثبت التجربة السورية، كما يثبت غيرها، أن لا مشروع تنموياً خارج إطار الصراع مع منظومة الهيمنة الغربية، وأن الدول المستقلة، حتى الكبيرة منها، مثل الصين وجدت نفسها مضطرة لخوض مثل هذا الصراع، إن شاءت أم أبت.

----

 

د. إبراهيم علوش، من فصل "الاقتصاد السوري: حرب على جبهات متعددة" في كتاب "خطاب سنوات الحرب/ القائد القومي بشار الأسد"، ص: 192.


إرسال تعليق

0 تعليقات