عمر حلمي الغول
لم يشهد التاريخ الأميركي الطويل ومنذ تأسيس الولايات المتحدة رئيسا
متهورا، وخالقا للأزمات، وخارجا على القانون والاتفاقات الدولية ومنفلتا من عقال
العنصرية كما الرئيس دونالد ترامب.
هذا القابع في البيت الأبيض
الأميركي خلال شهر مايو الماضي لوحده دخل في معارك عديدة مع دول ومنظمات ومواقع
عالمية، أضف إلى حربه على شعبه الأميركي مؤخرا. منها مواصلة وتصعيد الحرب مع الصين
الشعبية ومحاولة تحميلها مسؤولية انتشار جائحة الكورونا؛ التصادم مع منظمة الصحة
العالمية حول عقار "هيدروكسي كلوروين" وصلاحيته لعلاج الوباء، وهو ما
نفته الدراسات العلمية المختصة، ثم الحرب على منظمة الصحة العالمية والخروج منها،
ووقف المساعدات لها، وتلا ذلك الحرب مع مواقع التواصل الاجتماعي عموما وموقع "توتير"
خصوصا حيث اصدر يوم الخميس الماضي الموافق 28 مايو قرارا ضدها خلافا للتحريض
المتواصل عليها، باعتبارها منحازة للديمقراطيين ضد الجمهوريين المحافظين، وقبل ذلك
الانسحاب من الاتفاقية الدولية "الأجواء المفتوحة" في 21 مايو الماضي،
والتي وقعت بين 43 دولة في مارس 1992، وأخيرا احتراق أميركا بعد عملية قتل الأميركي
الأسود جورج فلويد نهاية الشهر، ومهاجمة الرئيس الأفنجليكاني العنصري المتظاهرين
الأميركيين واتهامهم ب"قطاع الطرق"، وتهديدهم بالتدخل من خلال الدفع
بالحرس الوطني والشرطة العسكرية والجيش الأميركي لوقف تظاهراتهم.
والحرب الدائرة الآن في أكثر من 30 مدينة في الولايات المتحدة تكشف عن عقم
وبؤس النظام "الديمقراطي" الأميركي، والذي يجره ترامب وأقرانه العنصريون
إلى متاهة الفوضى والفلتان الأمني، والتخريب الاقتصادي، وضرب وحدة الشعب الأميركي.
لا سيما وان الرئيس ال44 أو 45 لا فرق، جاء على أكتاف العنصرييين البيض، وهو صاحب
شعار "أميركا أولا"، والمورط الولايات المتحدة في حروب شتى مع أقطاب
ودول العالم أجمع والأمم المتحدة ومنظماتها باستثناء دولة الاستعمار الإسرائيلية،
التي تتماثل معه في العنصرية.
والأدهى والأمر، ان الرئيس العنصري بدل ان يراجع نفسه وسياساته الخاطئة
والخطيرة، نراه يوغل أكثر فأكثر في المضي قدما في حرق الإمبراطورية الأميركية،
ومتى؟ عشية الانتخابات الرئاسية، وتعقيبا على مواقفه العنصرية ضد المتظاهرين غردت
المغنية تيلور سويفت قائلة " بعدما أشعلت نيران تفوق البيض والعنصرية خلال كل
فترة رئاستك، هل لديك الجرأة للتظاهر بالتفوق الأخلاقي قبل التهديد بالعنف"؟
وتوعدت الفنانة سويفت، التي يتابعها 86 مليون مستخدم بتصويت الأميركيين ضد الرئيس
الجمهوري، قائلة "سنصوت لإزاحتك". وتصريح السيدة سويفت له دلالات هامة،
وهي ليست الوحيدة، التي تتوعد ترامب، بل هناك قطاعات واسعة من النخب السياسية والثقافة،
بالإضافة لكل المتظاهرين في المدن الأميركية، والصامتين في بيوتهم يقفون جميعا ضد
ترامب، ليس فقط على ما جرى ضد الإنسان البرىء والطيب فلويد، وانما نتاج سياسات
الرئيس المتخبطة، والمتهورة ضد الداخل الأميركي، والخارج الأممي خلال سنوات حكمه
السابقة، حيث لم يحافظ على صديق وفي سوى على إسرائيل الخارجة على القانون، والتي
يقف معها في ذات الخندق ضد الشعب العربي الفلسطيني، وضد السلام والعدالة النسبية.
كما ان الرئيس ترامب بدل ان يدافع ويحمي المنظمات الأميركية المناهضة
للفاشية، كما منظمة "انتيفا"، قام أول أمس بإصدار مرسوم باعتبارها "منظمة
إرهابية"، وفي هذا المرسوم كشف فاضح لمآل الرجل، وموقعه العنصري البغيض. لإن هذه
المنظمة لا يوجد لها هيكل تنظيمي، وإنما هي تواصل وتوافق بين مجموعات الشباب وأبناء
الشعب الأميركي على مناهضة الفاشية والعنصرية، التي يقودها ترامب والأفنجليكان.
ومن خلال المتابعة الموضوعية لما يجري في أميركا خلال الأيام الماضية، يمكن
الافتراض بأن الأمور تتجه نحو المزيد من التدهور في الساحة الأميركية، لن تتوقف
عند حدود عمليات الحرق والنهب، وانما قد تذهب لأبعد من ذلك. وقد تحمل الأيام
القادمة مالم يتم ضبط إيقاع الشارع الأميركي، إلى الحرب الأهلية مع ما يعنيه ذلك
من أخطار على مستقبل الأمة الأميركية، وليس على إجراء الانتخابات الرئاسية من عدمه.
المشهد الأميركي بات معقداً وخطراً جدا، وعلى المراقبين توقع كل السيناريوهات
الموجودة داخل وخارج الصندوق.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات