آخر الأخبار

مفهوم الوسيلة بين الدين الحق والغلو


 






عز الدين البغدادي

 

 

 

عندما تنظر في أفكار الغلاة ستجد أنها على قسمين، بعضها أفكار باطلة من أصلها كالولاية التكوينية وبعضها أفكار صحيحة في أصلها لكن تم تحريفها، ومنها فكرة الوسيلة التي وردت في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).

 

 

والوسيلة هي ما يُتوسّل بها إلى شيء ما كما نص على ذلك أهل اللغة، والوسيلة إلى الله هو كل ما يُتقرّب بها إلى الله عز وجلّ من العمل الصالح فهو الذي يتحدّد به القرب من الله أو البعد عنه. وهذا أمر بيّن واضح لمن نظر في ناموس الشرع، وهو ما نصعليه المفسرون في الحديث عن هذه الآية، حيث قال الطبرسي: كأنه قال تقربوا إليه بما يرضيه من الطاعات.

 

 

وقال الطباطبائي: وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، وإذ كانت نوعا من التوصل وليس إلا توصلا واتصالا معنويا بما يوصل بين العبد وربه ويربط هذا بذاك، ولا رابطَ يربط العبد بربه إلا ذلّة العبودية.

 

 

ولا شكّ أنّ أهل البيت من الوسيلة التي جعلها الله سببا للقرب إليه، وكيف لا؟ وهم عدل الكتاب كما قال النبيّ (ص): إني قد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

 

 

وقد روي في الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد وغيرهم، بل ذكر المناوي أنه روي هذا الخبر ما يزيد على عشرين صحابيا.

 

 

وكون أهل البيت مما يُتوسّل به أمر مفروغ منه، ولا جدال فيه عندي. لكن ورد عن الغلاة تحريف لهذا المعنى، حيث ذكرت عدد من الروايات التي تجعل الوسيلة هم أهل البيت كأشخاص، وقد روى القمي في تفسير ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) عن عليّ بن حسّان عن الإمام محمد الباقر: قال: تقربوا إليه بالإمام.

 

 

وعلي بن حسان غال ضعيف.

 

 

وروى ابن بابويه إسناده عن محمد بن القاسم المفسّر الآسترآبادي، قال رسول الله (ص): الأئمة من ولد الحسين عليه السلام، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى.

 

 

وهو ضعيف السند، قال ابن الغضائري عن الراوي: ضعيف كذاب.

على إنّ ضعف السند لا يمنع أصل المعنى، وهو كون أهل البيت وسيلة إلى رضا الله عز وجل، لكن على أن يفهم هذا بالعمل، أي من عمل بمنهجهم مع خلوص النيّة يرجى له خير بإذن الله. وأما أن يكون مجرّد الحب والولاء كافيا لذلك، وأن الوسيلة تكون بمجرد ادعاء مودّتهم، أو أن تكون الوسيلة بأشخاصهم بغضّ النظر عن العمل، فما أبعد هذا الفهم عن نهج الحقّ!

 

 

لذا فقد قال الطباطبائي عن تلك الروايات التي ادّعت بأنّ طاعة الأئمة أو محبّتهم هي الوسيلة بأنّها مصداق لا ينحصر تفسير الآية بها، قال: أي بطاعته فهو من قبيل الجري والانطباق على المصداق.

 

 

على إنّ المشكلة أنّ هذا الفهم الخاطئ للوسيلة لم يقف عند هذا الحدّ، بل ارتكبت أخطاء تحت عنوان الوسيلة، فأينما تنظر تجد من يستدلّ لك بآية: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) فحرّف معناها كما حرّف معنى ودلالة الشعائر في قوله تعالى: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ). وهكذا قد صرت تجد من يدعو الأئمة ويطلب منهم باعتبارهم وسيلة إلى استجابة دعائه وتحقيق مطلبه وهو يحتجّ لك بآية: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) رغمّ أنّ لا تدلّ على شيء من ذلك بأي تفسير لها ذكر أو محمل حملت أو يمكن أن تحمل عليه.

 

 

بينما أنت مهما بحثت، لن تجد في أيٍّ من الآيات والأحاديث أن الله أمر أحداً بالتوجه إلى النبيِّ أو الإمام ليتوسل به لأجل قضاء حاجته وشفاء مريضه والحصول على ولد أو نحو ذلك من الطلبات؟!

 

 

بل حتّى من فسّر الوسيلة بأنّها الإمام فرغم ضعف سند الروايات التي ذكرت في ذلك، إلا أنّ المقصود منها هو التقرّب إلى الله بطاعة الإمام، ويفترض أنّها لن تكون إلا بطاعة الله، كلّ ما في الأمر أنّ الإمام يبيِّنُها ويوضّحها للناس. أما أن تعتقد بأنّه يكون واسطة لك في دعاء أو رزق، فليس هناك ما يدلّ على هذا الفهم.

 

 

وأدنى نظرة إلى كتب الحديث والتفسير تثبت لك ذلك.

 

 

وأخيراً، فإنّ مما يقطع الخصام هو قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في تفسيرها، حيث قال: إنّ أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة. وإقام الصلاة فإنها الملة. وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة. وصوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب. وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب. وصلة الرحم، فإنها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل. وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة. وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء. وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر. وارغبوا فيما وعد المتقين فإن وعده أصدق الوعد. واقتدوا بهدى نبيكم فإنه أفضل الهدى.

 

وفيما قال كفاية، وفوقها.

 

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات