آخر الأخبار

الحدود (الجزء الثالث)





 

 

 

حسين أحمد

 

 

 

 

الرحمة والعقاب ..

 

قلنا في الجزء السابق أنه لا توجد ضابطة محددة توضح ما هو إنساني وما هو لا إنساني في العقوبات الجزائية ، والآن لنكون في الصورة الكاملة لقضية المعيار ، علينا أن نبين وظيفة العقوبات والحدود أولا..

 

لماذا الحدود ؟

 

من خلال التعريف المزبور في الجزء الأول ، تبين لنا أن الغاية من الحد دفع شر أخلاقي محتمل ، والشر الأخلاقي بتعريف لايبنتز ، هو شر يصدر عن أفعال الأنس .. إذن فالمطلوب هو ردع المجرم أو المخالف للقانون الاجتماعي العام لا أكثر!! ، وفي حال المخالفة مع تمام الشروط [ في العقوبات الإسلامية ] التي سنذكرها لكل حد على حده ، يتم أقامة الحد على شخص المخالف .. وكما نعلم إن من أكبر مقاصد الشريعة الإسلامية بالأخص حفظ نظام الأمة ، ليحقق الخير والنفع حسب زعم الشرع ، والأمن والاطمئنان للفرد والأسرة والمجتمع ، ولا يتحقق ذلك إلا بسد طرق الفتن والاعتداء على الناس.

 

 

والشريعة الإسلامية في طريقها لتحقيق هذا القصد شرعت العقوبات منعاً للفساد رحمة بالمجتمع وكفارة لجرائم الطاغين المعتدين ، ولا شك أن هذا يحقق الاطمئنان على حياة الناس في الدنيا ، بحيث لا يخافون على دينهم وأنفسهم ونسلهم وأموالهم من الاعتداء عليها وهذا سبب لتشريع القوانين في كافة المجتمعات كما ذكرنا في الأجزاء السابقة ، فإن الأرض بلا قانون جحيم لا تُطاق ..

 

 

هل العقوبات الدينية منافية للرحمة والتعاطف؟

 

قبل الشروع في اي مبحث إنساني ، يستلزم بيان تعريف المبهمات لنكون في كامل الصورة ولا نقع في الجهل نتيجة لإبهام بعض المفاهيم .

يقول السيد الشريف الجرجاني في التعريفات ص ١٤٦

" الرحمة هي إرادة إيصال الخير".

 

ونجد في قاموس اوكسفورد العالمي التعريف الآتي

"a kind or forgiving attitude toward

someone that you have the power to harm or the right to punish" 1..

 

ترجمة

 

نوع من العفو أو تصرف تجاه شخص ما لديك القدرة على إلحاق الضرر به أو لك الحق في معاقبته ..

 

 

إن كلا التعريفين يشتركان في قضية العفو عند المقدرة ، وإيصال الخير الأعظم باي شكل كان ..

 

فعندما يريد المخالف محاسبة المنظومة الإسلامية عليه أن يفهم جزئية لا مناص من ذكرها ، وهي أن الإسلام يبغي الخير الكلي للمجتمع من خلال تشريع عقوبات قاسية رادعة لأي مظهر من تمظهرات الانحلال الاجتماعي ، ورحمة بالمجرم من عقاب الآخرة ، بل وحتى مع توبة المجرم يسقط عنه الحد !! ، ومع وجود الشبهة يسقط عنه الحد كما سنبين مقولة " الحدود تدرأ بالشبهات".

 

أما مسألة التعطاف البشري فهي تابعة للذوق الشخصي لا أكثر ، والأذواق الشخصية غير صالحة للاستدلال ، فكثير منا قد يتعاطف مع القتلة أثناء الإعدام رغم استحقاقهم للعقوبة ..

 

 

هذا من منظور تشريعي إلهي ، أما إن اعتمدنا على العقل الإنساني وحده ، فهل يمكن أن يجتمع عقاب ورحمة في ذات الفعل بالنسبة لذات الجاني!!

 

قطعا لا ..

 

السؤال هل توجد ضرورة عقلية توجب على اي تشريع انه يكون رحيماً بالمعنى الأخص، او متعاطف او خفيف الضرر بالنسبة لشخص المجرم فقط ؟ والفصل هنا للضرورة العقلية الصرفة بعيداً عن العاطفة ..

 

قطعا لا توجد وفي ذات الوقت نعلم ان الحدود والقوانين يجب ان تراعي الفعالية لا الرحمة ، فمن غير المعقول ان الرحمة تكون مقدمة على فعالية العقاب في ردع المجرم وكما علمنا ان الرحمة والعقاب لا يمكن ان يجتمعا بالمنظور الإنساني وحده .. وإذا قُدم التعاطف والرحمة على الردع لما لماجت الأرض بأهلها وتحول الإنسان إلى كائن يستغل تعاطف الغير معه ، ويمرر جرائمه بأقل العقوبات التافهة ..

 

 

ولنعلم أن الإسلام يتعامل مع العقاب بعقلية قديمة ثابتة في البشر اما نظام العقوبات المعاصر فهو شيء جديد جدا لم يمض عليه ١٠٠ سنة يتعامل مع الجريمة بطريقة سرية جدا فمعظم الناس لا تعرف ظروف السجون ولو عرفوها ربما طالبوا بالحدود بدل مسخرة منتجعات الاسترخاء الي تسمى سجون فالسجون ها هنا ليست برادع أصلاً.. وكيف أصبحت السجون مرتعاً للعصابات .. 2.

 

 

نستنتج من هذا الكلام المقتضب عدة قضايا رئيسية:

 

القوانين يجب أن لا تراعي مسألة التعاطف بقدر الفعالية ، التعاطف والرحمة ليسا مقياساً لبيان الإنساني من اللا إنساني ، فلا يمكن لشيء نسبي أن يكون أرضية لفصل المفاهيم ..

 

تعريف الرحمة واقف في صف المنظومة الإسلامية ، فصلاحية الاستدلال عند الناس متعلقة بالتعاطف لا الرحمة وإن كانت رحمة فهي ناقصة لأنها ناظرة لشخص المجرم بدل المجتمع .. وهذا في الحدود فقط دون القصاص والتعزير ، فيمكن أن تتعلق بهما العفو والتعاطف كما في تشريع العفو عن القاتل عند ولي الدم ..

 



1- https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/american_english/mercy?fbclid=IwAR2aRuRNZwnd-MtEXpvVrYh0g_raD3guqp1V0AVL-LtLUV6segay1gnkcEU




2- How Gangs Took Over Prisons

يتبع


إرسال تعليق

0 تعليقات