حسين احمد
الضوابط الوهمية
هل هنالك ضابطة
لتعيين ما هو إنساني عن اللا إنساني؟
كنت قد تكلمت في
الجزء السابق عن ضرورة وجود القوانين والحدود في حياة الإنسان ، فهي ضوابط تنظم
التعاملات الإنسانية وتقوضها ، لما يفيد الصالح العام ، والآن قد يتبادر إلى الذهن
سؤال ..
وعلينا طبعاً أن نسأل
السؤال الصحيح لنحرز الإجابة الصحيحة ، فنحن لا نسأل لماذا الحكم الفلاني دموي ،
لا إنساني ، غير رحيم ..
فالقوانين والحدود ،
تهدف في المقام الأول إلى منع الناس عن العدوان كما ذكر الكلبايكاني في الحدود
والتعزيرات ..
وأي وسيلة لمنع
المجرم عن القيام بجريمته ، ستكون صحيحة عقلاً ، لأنها بالتالي منعت أو تسببت في
منع قيام الفساد الأكبر !!
إن أي وسيلة ثابتة في
المقدار للمنع ، تعتبر حداً ، والمتغيرات من التعزيرات ، فالسجن المؤبد للقاتل حد
، والقصاص منه حد ، السؤال ها هنا ..
ما هي الضابطة التي
تميز الإنساني من اللا إنساني ، وقبلها ، ما هي الإنسانية أصلاً؟
قد تعتبر للوهلة
الأولى من المفاهيم البديهية والتي تُعرف بالبداهة والإرتجال ولا نحتاج الخوض فيها
لشدة بداهتها ..!!
المشكلة ان المفاهيم
البديهية مفاهيم تعرف بالارتجال ومتفق عليها بين أفراد البشر ، كقضية ان الكل أعظم
من الجزء وان الواحد نصف الاثنين ، فهل الإنسانية من هذا القبيل ؟
قطعا لا ، والا لما
شهدنا هذا القدر من الخلافات الحادة حول تحديد ماهيتها فقط !!
ومن الغباء جعل معيار
مختلف عليه وليس له تعريف لتمييز الصحيح من الخطأ .. كمثل ان تقيم بيتا حجرياً بأساس
من ماء ..
والمعيار كذلك ليس
الأذواق الشخصية ، فما لا تستسيغه أنت كحد قطع يد السارق ، يستسيغه غيرك ، وقد
يستسيغه السارق نفسه كما ذكر في كثير من الأثار الروائية ..
وما لا يُستساغ الآن
، كان مستساغاً في القرون الماضية ، كقضية العبودية التي ألغيت بسبب ظهور الثورة
الصناعية وفقدان الحاجة إلى العبيد ..
ما هو المعيار إذن
لذلك التمييز؟
لماذا ألسجن المؤبد
بالنسبة إلينا أكثر رحمة من القتل ؟
رغم ان ضرره الفعلي
والنفسي أكبر من ضرر القصاص الرحيم ..
في الواقع ، نحن نتبع
الأقوى في الأحكام ، فطالما تتمركز القوة التقنينية والعسكرية والاقتصادية في يد
الغرب ، فبالتالي التسليم بأحكامهم والقول بانها ارحم ما يكون وأقربها للعقل امر
بديهي !!
فالإشكال ليس في الحد
أو مقداره أو شدته ، بل الإشكال في إتباع الإنسان لسلطة الأقوى ، فكريا وسياسيا
واجتماعيا ، وليس الخلل في القانون نفسه بقدر تخنث بني ألبشر في العصور الحالية ،
فكل من ستناقشه في قضية الحدود ، حجته العظمى هي ذوقه الشخصي ، وهذا السخف لا يدخل
في باب إلإستدلال فقدرة قلبه على تحمل الأحكام الجزائية والحدود كما تابعة لظروفه
على أي حال ..
يتبع
0 تعليقات