د.أحمد دبيان
فى تاريخ الجاسوسية
والعمالة تطالعنا شخصيات متباينة الهوى والدوافع ، بعضها بدافع المتعة والمغامرة
مثل الجاسوسة الأشهر ماتا هارى ، وبعضها بدافع النقمة والحقد ، وأغلبها بدافع
المال .
تختلف درجة أهمية
الجاسوس بحسب موقعه أو قدرته على اختراق المجتمع الذى تم زرعه به .
فمن ايلى كوهين ( كامل
أمين ثابت )
إلى
رفعت الجمال ( جاك
بيتون ) ،
يبقى تأمين العميل ،
كمصدر للمعلومة عملية شديدة التعقيد تحاول أجهزة الاستخبارات فيها الحفاظ على
العميل كمصدر مهم للمعلومة دون ان تصبح المعلومات واستخدامها وتوظيفها محورًا
لتعريته وكشفه لدى الخصم المزروع فى كيانه.
لا نتعجب كثيراً فى
تاريخ الاستخبارات حين نطالع فى تاريخ عملياته النموذجية مثل
عملية اللحم المفروم
أو
Operation Mincemeat
والتى تم فيها صنع
تاريخ متكامل لشخصية متشرد فقير ميت ، مات اثر تناوله الفوسفور العضوى منتحراً
لتماهى السوائل
الناتجة فى الرئة اثر السم ، الموت غرقاً ،
وليتم خلق حياة
حقيقية وتحويله لرائد ( ماجور )
فى الجيش البريطانى
بكل تفاصيلها من اشتراك نادى ، لخطيبة ، لخاتم خطبة تم شراؤه من جواهرجي بتاريخ
محدد ، وتجميد الجثة والاستعانة بأطباء استشاريين فى أمراض الباطنة والتشريح ، ثم
قذفها فى البحر فى المياة الاسبانية لدس معلومات مغلوطة فى جيوب بدلته العسكرية
ليتم تسريبها الى الألمان حيث كانت اسبانيا فرانكو على الحياد وكانت مدنها مسرحا
لنشاط الاستخبارات الألمانية والبريطانية .
تختلف درجة التأمين
للعميل حسب الأهمية ، والموقع ، كيلا تصبح المعلومات التى يكون هو مصدرها احد
أسباب كشفة .
فى تاريخنا ، ورغم
كثرة العملاء الذين تخابروا لحساب العدو الاسرائيلى ، وتم كشفهم ، نتوقف كثيراً أمام
أربعة عملاء ، أحاطوا وفى مصادفة ليست عفوية بمركز صنع القرار فى مصر ، بل واخترقت
فيما اخترقت قصر الرئاسة ذاته .
عام ١٩٦٦ وأثناء
التنسيق لزيارة وفد برلمانى مصرى برئاسة رئيس مجلس الأمة وقتها ، السيد محمد انور
السادات لواشنطن
طلب السيد أنور
السادات بعد تشكيل الوفد من السيد محمد عبد السلام الزيات أمين اول اللجنة
المركزية للاتحاد الاشتراكي والمنسق لزيارة الوفد إضافة اسم يونانى متمصر يدعى
طناشى راندوبولو
إلى قائمة وفد
الزيارة ، بدعوى ان ابنته تدرس فى الولايات المتحدة الأمريكية وهو يريد زيارتها
والاطمئنان عليها .
كان طناشى راندوبولو
مديراً لشركة جاناكليس الى جانب عضويته للمجلس .
وفى سبتمبر عام ١٩٧١
وبعد أحداث مايو ١٩٧١ التى تم فيها الإطاحة برجال الرئيس جمال عبد الناصر ، والتى
اتت بعد تسريب عملية الدكتور عصفور والتى تم فيها زرع ميكروفونات فى السفارة الأمريكية
بعد معرفة الرئيس السادات بالعملية بحكم المنصب ، وتسريبه المعلومة لكمال ادهم
الوطيد الصلة بالاستخبارات الأمريكية ، تم القبض على طناشى راندوبولو واتهامه
بالتجسس على المطارات المصرية والطائرات السوفيتية وعلى الخبراء السوفييت فى منطقة
جاناكليس لصالح المخابرات الأمريكية وقد صدر أمر بالقبض عليه وعلى السيدة المس
سيفين هاريس سكرتيرة قسم الفيزات بالقنصلية الأمريكية والتى كانت الاتصالات تتم عن
طريقها وقد انتحر راندوبولو فى سجنه وتم ترحيل السكرتيرة بأوامر مباشرة من الرئيس
السادات حيث تم إغلاق هذا الملف .
يأتى عام ١٩٧٢ ليتم
زرع جاسوس آخر فى قصر الرئاسة ، فيأتى الدكتور صاحب الدكتوراه المزيفة على العطفى
والذى اصبح المدلك الشخصى للرئيس السادات ، بل وقد اصبح عميداً للمعهد العالى
للعلاج الطبيعي والذى تم تجنيده من قبل الموساد الاسرائيلى .
وليصبح الرئيس ومؤسسة
الرياسة فى سنوات الحرب الحاسمة مصدرًا للمعلومات.
تمتع على العطفى
بصداقة شخصية ايضاً للرئيس السادات تطورت لتصبح صداقة عائلية بين الزوجتين والأبناء.
نتعجب كثيراً حين
نعلم ان هذا الجاسوس المحترف وحسب الوثائق قد فقد حذره ككل من يثق انه يتمتع
بحماية ما ، فصار يلقى بخطاباته من صندوق بريد بجانب المعهد بل وصار يزور السفارة الإسرائيلية
فى أمستردام بلد زوجته دون تخفى لترصده عيون المخابرات المصرية عام ١٩٧٩ وليتم
محاكمته والحكم عليه بالإعدام وليأتى بعدها الرئيس السادات ويخفف الحكم الى خمسة
عشر عاماً.
لم يكن على العطفى
الوحيد المحيط بدائرة الرئيس.
فيأتى الدكتور أشرف
مروان والذى تم تصعيده كسكرتير للمعلومات منسقا ً للإطاحة بالسيد سامى شرف ومجموعة
١٥ مايو ولتظل الحقيقة رمادية بعد صدور كتاب الملاك وتضارب الروايات الرسمية
المصرية .
ونندهش أكثر حين نعرف
ان طبيب السادات الخاص
د علاء الزيات كان
مسلما و تهود بعد عدوان عام ١٩٦٧ .
كان للدكتور علاء
الزيات ابن الدكتور أحمد حسن الزيات الأزهري وصاحب مجلة الرسالة ثلاثة أولاد ،
احمد و شريف وأخت تدعى شيرين .
تهود أحمد وشيرين و أرسلهم
والدهم أمريكا فى أواخر السبعينيات.
التحق احمد بكلية
الطب فى مصر و أرسله والده الى أمريكا لكنه فشل فى استكمال دراسته و عمل مساعد
طبيب وكانت حالته المادية مضطربة.
تزوجت أخته شيرين من
يهودى و أنجبت عشرة أولاد.
توفى زوجها بعد أن
عاشا حياة اليهود المتشددين المؤمنين حتى بحرمانية أجهزة التليفويون.
التقط أحمد او افرايم
ديفيد الزيات مليونير يهودى و زوجه ابنته جوان التى أنجب منها اولاده آشلى ، جستن،
بنيامين، ايما .
ظلت حالته المادية متعسرة
الى ان صادق السيد جمال مبارك و تم عرض شركة الأهرام للبيع،
حيث اتى الى مصر
واشتراها فى صفقة مشبوهة وقت تولى حكومة الدكتور عاطف عبيد. وقد كان للرشى دور
كبير فيها بساعات ماركة رولكس ورشى مالية وهو متوقف عن سداد القروض التى اقترضها
من البنوك المصرية
الكثير من الأطباء فى
الجامعة كانوا يعلمون ان الدكتور علاء الزيات والذى كان رئيسا لقسم فى جامعة عين
شمس بانه قد اعتنق الديانة اليهودية وبالتأكيد أيضا كان هذا معلوما للقيادة
السياسية.
فى علم المخابرات يتم
استخدام تعبير شبكة جاسوسية
أو
Network
لوصف مجموعة من
الجواسيس يقودهم منسق فى الغالب يكون التأمين له قويا جدا ًيتم بهم اختراق مجتمع
معادٍ.
وقد نجحت الاستخبارات
السوفيتية سابقا فى اختراق المخابرات البريطانية وتجنيد نائب رئيسها.
ليثور سؤال ، يلقى
حجراً فى بحر المقدسات الزائفة فى شرقنا الأوسط المترع بالخيانات، ندرك انه سيظل
بلا اجابة رسمية لان إجابته ببساطة ستقوض شرعية تأسيس الجمهورية الثانية القائمة
منذ ١٥ مايو ١٩٧١.
هل كان لدينا فى مصر
مستر نو بيف ؟!
0 تعليقات