عمر حلمي الغول
في الأول من كانون
ثاني/ يناير 1863 أعلن الرئيس الأميركي، أبراهام لنكولن مرسوما رئاسيا بتحرير
العبيد، بيد ان الولايات المتحدة بقيت أسيرة النزعة العنصرية، ولم تتخلص منها حتى
يومنا هذا.
وكانت مذبحة تولسا في
31 ايار / مايو و1 حزيران /يونيو 1921 قبل 99 عاما بصمة دامغة على تأصل وتغول
العنصرية البيضاء ضد السود، حيث قامت عصابات البيض بارتكاب المجزرة ضد حي غرينوود
في مدينة تولسا بولاية اوكولاهوما، والذي كان يعتبر بمثابة "وول ستريت الأسود"
ما يشير إلى ان قاطني الحي من الأثرياء، وتم تدمير أكثر من 1200 منزل، و35 كتلة
سكنية بالإضافة لحرق الشركات والمؤسسات التابعة لهم،وقتل ما يزيد على 300 مواطن
أميركي اسود. ورغم وحشية وبشاعة المجزرة، إلآ أن الجهات الأميركية الرسمية حاولت
طمسها وإخفاء معالمها، وعدم الكتابة عنها، وادرجوها في خانة أعمال الشغب، وأخفوا
كل الوثائق والسجلات المتعلقة بها، ولم يتم محاكمة اي شخص من العنصريين البيض. مع
انها تعتبر من أسوأ المذابح بعد الحرب الأهلية الأميركية.
لكن الشعوب لا تغفر،
ولا تنسى فجاء مقتل جورج فلويد في 25 ايار / مايو الماضي وعشية الذكرى المؤلمة
للمذبحة ليعيد فتح الجرح العنصري عميقا في الولايات المتحدة على مصاريعة. لا سيما
وان عمليات القتل للسود الأميركيين من أصول افريقية لم تتوقف. ولعل صعود الرئيس
دونالد ترامب لسدة الرئاسة مطلع 2017 خير دليل على ذلك، كونه عنوانا بارزا لتسييد
العنصرية البغيضة. وكرس ذلك بسياساته منذ البداية عندما شن حملات متوالية ضد السود
والملونين والمسلمين وغيرهم من الأعراق الأخرى. الأمر الذي فاقم من انتهاك حقوق
الإنسان، وتجاوز القانون الدولي والدستور الأميركي نفسه، رغم ما به من ثغرات
ونواقص.
كان مقتل فلويد على
يد الشرطي الأبيض الشعرة، التي قصمت ظهر البعير، حيث خرجت الجماهير الأميركية من
مختلف الأعراق في مظاهرات حاشدة ضد القهر والتمييز العنصري، وزاد الطين بلة تفشي
جائحة الكورونا، التي ألقت بظلالها على السود أكثر من غيرهم، مع ان المظاهرات لم
تقتصر عليهم، بل شملت قطاعات واسعة من الشعب ردا على كل موبقات النظام الفيدرالي،
ورفضا للواقع المزري الذي تعاني منه الطبقات المسحوقة والفقراء والعاطلين عن العمل
والبرجوازية الصغيرة، وحتى الطبقة المتوسطة، التي ألقت بها أزمة الكورونا في دوامة
الإفلاس. ومازالت تفاعلات الأزمات المتعددة تنهش المجتمع الأميركي بكل مكوناته
ومركباته.
مضى تقريبا نحو الشهر
على ذكرى مقتل الأسود الطيب فلويد، ومع ذلك مازالت المظاهرات تتواصل، وإن خفتت
نسبيا، بيد انها مستمرة، وأخذت منحا أكثر تجذرا في رفض العنصرية القبيحة والقاتلة
مع شروع الجماهير الأميركية في المدن المختلفة بدءً من العاصمة واشنطن، التي اسقطت
أكثر من تمثال كان آخرها الجمعة الماضي 19 حزيران / يونيو الحالي إسقاط تمثال
ألبرت بايك، الكاتب الأميركي، وأحد القادة الكونفدراليين، مما اثار غضب الرئيس
ترامب، وطالب بإعتقال الفاعلين، وهاجم تراخي رجال الشرطة. ولم يتوقف الأمر عند
ذلك، بل واصلت الجماهير تحطيم تماثيل ونصب الشخصيات التاريخية الأميركية، التي
أصلت ودافعت عن العنصرية، وعمقتها في الحياة الأميركية في الولايات المختلفة، وحدا
بها الأمر بمحاولة تحطيم نصب كريستوفر كولومبس، مكتشف أميركا يوم الجمعة ايضا في
ولاية كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة، لإعتبارهم إياه مسؤولا عن عمليات التطهير
العرقي في اميركا. وهو ما دفع راشيل أكسيل، المسؤولة عن ملف الثقافة في البلدية أن
تصدر بيانا جاء فيه: أن "التمثال لا يتناسب مع قيم سان فرانسيسكو وإلتزامها
تحقيق العدالة العرقية" وأضافت "في الوقت الذي تمر فيه بلادنا بمرحلة
مهمة تثار الأسئلة حول آليات وأساليب مواجهة العنصرية المتجذرة في بنية وتركيبة
المؤسسات، والمتأصلة عضويا في المجتمع الأميركي." وتابعت مؤكدة الإنحياز
لخيار إزالة نصب وتماثيل الشخصيات التاريخية العنصرية قائلة " العديد من
النصب يجري إزالتها من المدن الأميركية، لإنها لا تستحق التكريم." وكأنها
ببيانها تتحدث بلسان الغالبية الأميركية الساخطة على واقع الحال العنصري القبيح.
وإرتباطا بما تقدم،
شهدت العديد من المدن الأميركية ذات الطريق، كما حدث في ولايتي نورث كارولينا
وأوريغون، حيث حطم المتظاهرون تمثالين ارضا في منطقة رالي وسط هتافات علت المكان
رفضا للعنصرية، وسحلوا التماثيل في الشوارع تعبيرا عن غضبهم ورفضهم للجرائم
والأفكار التي مثلها اصحاب تلك النصب. واضاءت الجماهير في مدينة مينيا بوليس الشموع إلى جانب مجسمات
صغيرة كتب عليها أسماء الضحايا الأميركيين من ذوي البشرة السوداء قتلوا في السنوات
الأخيرة على يد الشرطة الأميركية.
النتيجة المنطقية لما
يجري تشير إلى انه، آن آوان إنتهاء عصر العبودية، والتخلص من العنصرية المقيتة
والمتوحشة في أميركا وإسرائيل الإستعمارية وحيثما وجدت على وجه الكرة الأرضية. لإنها
خطر يهدد البشرية بعظائم الأمور. لقد آن للبشرية ان تنعتق من هذا الوباء الجرثومي
القذر، وإعادة الإعتبار للإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه ودينه. وما
يجري في الولايات المتحدة يمثل خطوة في الإتجاه الصحيح، وسيساهم بالضرورة في إزالة
هذا الخطر المتوحش، ولكن على شعوب الأرض مجتمعة تصعيد الحرب على العنصرية والعمل
على فنائها كليا حيثما وجدت، وخاصة في إسرائيل وأميركا.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات