عز الدين البغدادي
هناك مسألة يحصل فيها
دائما اشتباه، حيث شاع في هذه الأزمان انهاء تلاوة القرآن الكريم بعبارة "صدق
الله العظيم" أو "صدق الله العلي العظيم" ويعتقد كثير من الناس
بأنّ هذا التعبير يمثل تشخيصا مذهبيا، فالأول يشيع عند أهل السنّة، والثاني عند
الشيعة.
والعوام يستغربون
جدا عندما يسمعون شخصا يستعمل التعبير المستخدم في المذهب الآخر!!
أول أود أن أنبّه إلى
أنّ هناك من يعتقد بأنّ الشيعة يقولون هذه الصيغة انطلاقاً من قصدهم بكلمة (العلي)
الإمامَ عليّاً، وهذا وهم وهو لا أصل له، وإن كان هذا الكلام موجودا عند العوام من
الجهتين، لكن بالتأكيد لم يقل به أحد من أهل العلم.
أما الصيغة، فمن حيث
المبدأ لا توجد صيغة محدّدة شرعا تُختتم بها قراءة القرآن، لكن هناك وجه مقبول
لذلك من باب ما روي عن حذيفة قال: صليت مع النبي (ص) ذات ليلة، فافتتح البقرة
فقرأها، ثم النساء فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، يقرا مترسلاً، إذا مرّ بآية فيها
تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوّذ.
وروي عن عوف بن مالك
قال: قمت مع النبي (ص)، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل،
ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ.
كما روي أنّ "من
قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها؛ فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين"،
"ومن قرأ لا أقسم بيوم لقيامة فانتهى إلى آخرها أليس ذلك بقادر على أن يحيي
الموتى؛ فليقل: بلى. ومن قرأ "والمرسلات"؛ فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون؛
فليقل: آمنا بالله.
وعن جابر قال: خرج
رسول الله (ص) على الصحابة فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا،
فقال: لقد قرأتها على الجنّ فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله: ( فبأي
آلاء ربكما تكذبان ) قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد.
وعلى هذا، فقد ورد
استحباب قول "كذلك الله ربي" بعد قراءة سورة التوحيد… ونحو ذلك.
ومن هذا الباب يقول
القارئ: صدق الله العظيم أو صدق الله العليّ العظيم، وإلا لا توجد صيغة مخصوصة
محدّدة شرعا، وإن اشتهر ما ذكرته لكم.
لكن روى المجلسي في
البحار حديث مسائل عبدالله بن سلام، وفيها أنه سأل النبيّ (ص): فأخبرني ما ابتداء
القرآن وما ختمه؟ قال: يا ابن سلام، ابتداؤه "بسم الله الرحمن الرحيم"،
وختمه "صدق الله العليّ العظيم".
إلا أن الخبر في
البحار وردت فيه كلمة "العلي" بين قوسين معقوفين، مما يدلّ بحسب العرف
على أنّ هذا اللفظ لا يوجد إلا في بعض النسخ.
هذا مع أنّ المجلسي
متأخر، ثم إنه ذكر مصدره، فقال: وجدت في بعض الكتب القديمة هذه الرواية، فأوردتها
بلفظها، ووجدتها أيضاً في كتاب "ذكر الأقاليم والبلدان والجبال والأنهار
والأشجار" مع اختلاف يسير في المضمون، وتباين كثير في الألفاظ، أشرت إلى
بعضها في سياق الرواية، وهي هذه: مسائل عبد الله بن سلام.....
أي إنه عثر عليه عما
يعرف بطريق الوجادة، أي أن يجد كتابا دون أن يصل إليه بطريق معتبر، وبالتالي لا
نعرف أنّ هذه النسخة التي حصل عليها موثوقة أم لا؟ وبالتالي فإنه لا يعرف الطريق
بين المجلسي المتوفي سنة 1111 هـ وبين عبدالله بن سلام المتوفي سنة 43 هـ!
وفوق هذا فقـــد ورد
في مصادر أقدم وأوثق استعمال عبــارة "صدق الله العظيم"، حيث روى الشيخ
الطوسي في "مصباح المتهجّد"، وكذا الكفعمي في "البلد الأمين" فيما
يستحب من أعمال النصف من رجب قراءة الدعاء المعروف بدعاء أم داود، وورد في الخبر:....
فإذا فرغ من ذلك وهو مستقبل القبلة قال: صدق الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي
القيوم….
كما نقل ذكر ابن طاوس
في كتابه "إقبال الأعمال" ونقله الشيخ عباس القمي بهذا اللفظ في "مفاتيح
الجنان".
وأخيرا أقول: أحيانا
تجد إصرار على هذه الصيغة أو تلك من هذا الشخص أو ذاك، وبعضهم من طلبة العلم أو
ممن يجعلون لأنفسهم عنوانا علميا! وهو ما يرجع إلى سوء فهم ليس للمسألة فقط، بل
ولأهميّة ومكانة مشروع الوحدة والتقريب. فإذا كنت تتنازع على استعمال هذه الصيغة
أو تلك، رغم أن كلا الصيغتين ليس لهما أصل، فكيف يمكن أنّ تؤسّس لأمرٍ كهذا؟ وكيف
يمكن أن تنجح فيه؟
إنّ المشكلة تكمن في
الجهل أولا، فكثيرون يعتقدون بأنّ هذه الصيغة أو تلك أمر يخصّ هذا المذهب أو ذاك،
أو أنّها صيغة ملزمة شرعا، فلا يجوز تركها والعدول عنها إلى الصيغة الأخرى، وهذا
غير صحيح. مع إنّه لو كان كذلك، لما وجب بل لما جاز التمسّك بها والتعامل معها على
أنه شعار على حساب مصلحة الوحدة وتأليف القلوب التي كثيرا ما أكّد عليها الشرع
الشريف.
0 تعليقات