محمود جابر
الإخوان المسلمون في
الميزان، هو كتاب صدر قبل ستين عاما، واسم مؤلفه هو محمد حسن أحمد، وبالبحث عن
سيرة المؤلف لم اعثر له على ترجمة، غير أن وجدت ترجمته فى مقال لحلمى النمنم،
يتحدث فيه عن ترجمة المؤلف حيث قال :
محمد حسن أحمد هو اسم
حركي، والاسم الحقيقي توصل إليه د·وحيد عبد المجيد في تقديمه للطبعة الجديدة وهو عبد
الرحمن الناصر - المعيد آنذاك في قسم الكيمياء بكلية العلوم- وكما هو واضح في
الكتاب كان يساريا ينتمي إلى الحركة الوطنية وربما لم يكن بعيدا عن الأفكار
الماركسية وكان مع مجموعة من زملائه مثل رشدي سعيد يتخوفون من صعود جماعة الإخوان·
وقد نشرت الحلقة الأولى قبل أن أطالع هذا المقال الذى يحمل ترجمة المؤلف والذي جائنى عن طريق السيدة حسناء
على بعد طالعت الجزء الأول من المقال والذي أتحدث فيه نقلا عن الكتاب حول استقالات
الإخوان فى الزقازيق والشرقية ...
ويكشف لنا وحيد عبد المجيد السبب وراء إخفاء
المؤلف اسمه الحقيقى ، فقد عمد المؤلف الى أخفى اسمه خوفا من التنظيم السري
للجماعة والذي مارس بعض أعمال العنف تجاه الخصوم ويبدو ان هذه المخاوف لم تكن بلا
أساس أو من فراغ لكن هناك عنصرا آخر يتعلق بتوقيت إصدار الكتاب عام 1946 كانت
الحرب العالمية قد انتهت وكان الصراع في الحياة السياسية المصرية على أشده بين
مختلف التيارات وكان الملك فاروق قد مضى في طريق الانهيار والنظام الملكي يتهاوى
وكانت القوى الجديدة تصعد متمثلة في جماعة الإخوان ومصر الفتاة والتنظيمات
الماركسية·
ويبدو أن الوضع
المتراجع للنظام الملكي وللملك شخصيا وللأحزاب القديمة كالوفد والأحرار
الدستوريين، أغرى التيارات الجديدة وتصور كل منها انه قاب قوسين أو أدنى من حكم
مصر وكان طبيعيا أن يرى كل منها في الآخر منافسا بل عدوا وفي ذلك العام وقعت أحداث
كوبري عباس التي راح ضحيتها عدد من طلاب جامعة القاهرة وكان التنسيق قد بدأ بين
العمال والطلبة من أجل القضية الوطنية أي الاستقلال وطرد الانجليز ولم يشارك الإخوان
في هذه الحركة اليسارية الطابع بل تحفظوا عليها وربما يكون ذلك احد أسباب ازدياد
رفض المؤلف للجماعة·
ومن يقرأ الكتاب يشعر
بان المؤلف كان لابد أن يخفي اسمه فبرغم العنوان فان الكتاب يمثل نموذجا هجائيا للإخوان
كجماعة وفكر وسلوك ونفى عنها أي ميزة وطنية أو دينية·
الفصل
الأول من الكتاب خصصه المؤلف
لرصد صفات الفاشية من التركيز على الزعامة والزعيم وأنها تظهر في أوقات الأزمات
التي تمر بها البلاد وتراجع الاقتصاد وازدياد معدلات البطالة فتأتي الفاشية
لتقنعهم أو توهمهم بأنها سوف تحل لهم كل الأزمات، ويحاول المؤلف ان يطبق هذه
السمات على جماعة الإخوان بتفصيل ممل ليصل في النهاية إلى نتيجة ان الإخوان جماعة
فاشية!
وفي فصل
آخر يتوقف المؤلف عند القضية
الوطنية في مصر وكذلك القضية الفلسطينية ويقارن موقف الإخوان منها بموقف تيارات
أخرى، وفي هذا الفصل يتوقف تحديدا أمام كلمات وأفكار المرشد العام المؤسس للجماعة
حسن البنا، ليصل إلى ان الاستقلال ليس هدفا أساسيا لدى الجماعة وكانت الحكومة قد
منعت بعض الاجتماعات التي دعا إليها الشباب الوطنيون للمطالبة بالاستقلال بينما
سمحت بعقد المؤتمر العام للإخوان·
ومن المهم ان نذكر ان
الجماعة آنذاك كانت مشهرة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية ولم تكن محظورة بل كانت
معلنة وشرعية وربما كان ذلك هو السبب في سماح الحكومة لمؤتمرها بالانعقاد لكن
المؤلف فهم الأمر بشكل آخر ويقول ان السبب غاية في البساطة ويرجع إلى طبيعة هذه
الجماعة الممالئة للاستعمار والخادعة لجماهير الشعب والمضللة لها بشتى الوسائل
والأساليب إذ لو كان قادة الإخوان يحاربون الاستعمار بجد وإخلاص لحاربهم المستعمر،
وألغت الحكومة اجتماعاتهم، وصادرتها كما فعلت مع باقي الهيئات·
ويأخذ على المرشد
المؤسس انه في حديثه عن المطالب الوطنية قال: التذكير بالحقوق الوطنية لوادي النيل
وللعالم الإسلامي ولم يتحدث عن مصر صراحة وضرورة طرد البريطانيين منها وهكذا·
وفي المشكلة
الفلسطينية وكانت مثارة وقتها تحدث حسن البنا قائلا: فصداقة المسلمين والعرب في
كفة ومطامع اليهود في الكفة الأخرى!!
ويأخذ عليه المؤلف
عدة أمور منها عدم التفرقة بين اليهود والصهاينة فالمشكلة ليست مع عموم اليهود،
لكنها مع الحركة الصهيونية والإسرائيلية، وعموما فان الكثيرين منا ليست لديهم هذه
التفرقة إلى اليوم·
ويأخذ عليه انه لم
يتحدث عن فلسطين صراحة والاستعمار الانجليزي بها الذي يمكن للصهاينة وقد مكن لهم
بالفعل وأقيمت دولة إسرائيل·
وفي هذه الفصول يشعر
القارئ بقدر من التعسف، خاصة حين راح المؤلف يقارن بين الإخوان والفاشية وبين
مؤسسي الجماعة وزعيم النازية الألماني هتلر ولعل هذا ما دفع وحيد عبدالمجيد إلى
القول: ان جماعة الإخوان لم تكن فاشية في أي وقت ولكن هذا لا ينفي أن بعض
ممارساتها لا تخلو من أساليب تستخدمها تنظيمات فاشية مثل المراتب التنظيمية في
العضوية أخ مساعد وأخ منتسب وأخ عامل والدور المميز للتدريبات الرياضية وفرق
الكشافة وما شابه من روح شبه ميلشاوية رأيناها عندما خرجت مجموعات من شباب الإخوان
إلى انتخابات 2005 البرلمانية وكأنهم خارجون للحرب وليس للتنافس السلمي·
استقالات
ويختتم المؤلف بنداء
مطول إلى شباب الإخوان بان يتركوا الجماعة ويحذرهم منها 'واعلموا ان ترككم للإخوان
ليس معناه ترك الدين بل على العكس فان جماعة الإخوان تستغل الدين، استغلالا سيئا،
فالدين يبرأ من هذه الجماعة وليس أدل على سوء استغلالهم للدين من تشبيه دولة صدقي
باشا بالنبي إسماعيل·· وضعوا نصب ادعينكم ان الدين لله والوطن للجميع'·
وكانت الجماعة قد أشادت بـ'إسماعيل صدقي باشا'،
واستشهدوا بالآية القرآنية الكريمة في نبي الله إسماعيل ووصف الله تعالى له بأنه
كان صدّيقا··
ويقول أيضا: ان وصول
هذه الهيئة إلى الحكم معناه تفريق صفوف الأمة أو ارتماء الأقليات في أحضان
المستعمر الذي يجد منهم الذريعة للتدخل في شؤوننا الداخلية، وقد اتضح من خلال
نصوصهم أنهم يضطهدون الأقليات بصراحة فينادون بعدم التعامل معهم، وقصر خيرات
البلاد واستثمار منابع ثرواتها على المسلمين·· أي في حفنة من كبار الملاك وأصحاب
الشركات·
ويضيف المؤلف ملحقا،
ضم نصوص مجموعة من الاستقالات داخل جماعة الإخوان في القاهرة وفي الإسماعيلية
ذاتها وفي غيرها بعضها احتجاج على سلوك الجماعة وبعضها احتجاج على المرشد ذاته،
كانت استقالات الإسماعيلية لسبب بسيط: عندما انحرفت الدعوة وأصبح القائمون بها
يعملون لحساب الحزبية والأحزاب السياسية تقدمنا باستقالاتنا، ولنفس السبب استقالت
لجنة الإخوان بالزقازيق: سرعان ما انكشف القناع وظهرت نواياكم الحزبية التي
اتقنتموها كل الاتقان بالأمس القريب كنتم تعلنون ان ليس لجمعيتكم أي دخل في
السياسة· أما شعبة الحلمية فقد حلت نفسها احتجاجا على المرشد: رأينا من اتجاه
سياسة الإخوان المسلمين انحرافا عما أفهموه للشعب من انها جمعية دينية تتوخى
تعاليم القرآن الكريم وان تلك المحاولات الجديدة الواضحة التي تقومون بها يا فضيلة
المرشد لتتعارض مع مبدأ الجمعية ودستورها فقد أخذتم من الدعوة وسيلة للظهور لا للإصلاح
الاجتماعي وأنكم لتقضون على مصالح الطلاب بتلك الاجتماعات التي تعقدونها معهم
لتلقنوهم مذاهبكم السياسية الملتوية التي لم تستقر مرة واحدة ولهذه الأسباب
ولغيرها قرر مجلس إدارة شعبة الحلمية للاخوان المسلمين الاستقالة وتكوين ناد رياضي
باسم 'نادي الحلمية الرياضي' وقد لا يعرف كثيرون ان هذا النادي قائم إلى اليوم،
يمارس نشاطه الرياضي·
0 تعليقات