عز الدين البغدادي
التقليد هو رجوع
الجاهل الى العالم بالأحكام الشرعية أو رجوع العامي إلى المجتهد، وهو في حقيقته
سيرة عقلائية يرجع بموجبها الناس الى اهل التخصص في أي علم أو فن. وفي السنوات الأخيرة
زاد الاهتمام جدا بموضوع التقليد، فهناك من يرى أنه واجب شرعي ومنهم من يرى أنه
أمر مبتدع لا أصل له، ويمكن تحديد الأقوال في الموضوع بما يأتي:
القول الأول: وهو رأي الإخباريين الذين يرون بأن التقليد
وأن الصحيح هو الرجوع مباشرة إلى الأئمة (ع) ورواياتهم. أي أنهم لا يحرمون سيرة
الرجوع الى أهل العلم، لكنهم يخصون ذلك بأئمة أهل البيت ع ، وهذا القول غير صحيح
لأن الروايات تختلف فيما بينها من حيث قيمتها ودلالتها فضلا عن التعارض بينها وغير
ذلك، وهو ما لا يمكن حله إلا بالرجوع إلى أهل العلم فرجعنا الى التقليد.
القول
الثاني: وهو رأي بعض
الحداثويين، ويرون بان التقليد فكرة قديمة، تجعل أشخاصا معينين يحتكرون المعرفة
ويسيرون أمور الناس ويحكمون وعيهم ووجودهم. إلا أن هذا غير دقيق لأن هذه المشاكل
وان كانت موجودة واقعا وهي تمثل فعلا انحرافا في أصل الفكرة إلا ان إلغاء التقليد
غير ممكن لأنه لا يختص بالأمور الشرعية فقط، بل هو سيرة عامة للبشر يرجع بمقتضاها
الجاهل الى العالم كما يرجع المريض الى الطبيب مثلا.
بقي
قولان هامان هما:
القول
الثالث: وهي نظرية الفقهاء، وهي
التي ترى بأن التقليد واجب شرعا وأنّه أي عمل دون تقليد باطل وإن طابق الواقع (على
المشهور) وأن كل مكلف غير مجتهد لا بد له أن يكون مقلدا إما لفقيه محدد أو على نحو
الاحتياط.
وهم يذكرون لذلك أحكاما كثيرة وشروطا مختلفة من
قبيل الحرية والذكورة وطهارة المولد والضبط والبصر والسمع والعدالة وشروطا أخرى
ناقشناها في الكتاب، وأهم مسألتين طرحتا في الشروط وأكثرها جدلا هما:
اشتراط الحياة فلا
يجوز تقليد الميت، واشتراط الأعلمية فلا يجوز تقليد غير الأعلم من المجتهدين.
كما احتجوا بروايات
مشهورة إلا أنها ضعيفة من قبيل "وإما من كان من الفقهاء صائنا لدينه…" وخبر
"وأما الحوادث الواقعة …..".
كما ذكروا أحكاما
كثيرة في الموضوع وأطنبوا فيها، وجعلوها أول باب في كتب الفقه رغم أنها لم تكن
تذكر إلا في باب القضاء في آخر كتب الفقه أو في خاتمة كتب أصول الفقه ويعبر عنها
عنها غالبا بالاستفتاء والمستفتى منه والمستفتي.
القول
الرابع: وهو الذي أراه وأذهب
إليه، وهو يرى أن دليل التقليد هو السيرة العقلائية كما اعترف كثيرون، وكل الأدلة
اللفظية التي ذكرت غير ذلك فهي مرتكزة على هذه السيرة وليست مؤسسة لحكم شرعي.
فالتقليد ليس أمرا شرعيا، بل هو أعمق من ذلك فهو
سيرة عقلائية.
ولما كان السيرة
العقلائية هي الدليل فإنه لا يثبت من التقليد إلا ما ثبت بهذه السيرة، وما زاد
عنها فلا اعتبار له.
وهذه السيرة لا تشترط
الذكورة ولا الحرية ولا الحياة ولا الاعلمية، ولا تشترط تقليد شخص بعينه بل يمكن
أن تسأل أي متخصص ثقة، أي إن هناك شرطين فقط هما: التخصص (اي الاجتهاد) وهو واضح،
والوثاقة. كما انه يجوز تقليد كثر من مجتهد بحسب الموضوع وهو ما يعبر عنه بالتبعيض
أو التلفيق.
كما ان التقليد لا
يكون في الضروريات، ولا في الموضوعات الخارجية، ولا فيما هو خارج تخصص الفقيه من
سياسة أو طب أو اقتصاد أو غير ذلك.
وإذا نظرت في روايات
أهل البيت ستجد أنها تدعم هذا الرأي بشكل واضح، فهي تؤكد على بناء الشخصية وعدم
التبعية إلا للكتاب والسنة، ولا تعطي قدسية للفقيه، ولا تمنع من سؤاله.
كما أنها تؤكد على
الشروط الأخلاقية لأهل العلم أكثر من اهتمامها بالجانب العلمي المحض، ولهذا حذرت
من فقهاء الخؤونة وغير ذلك، كما أنها تؤكد على مرجعية النص كما قال الإمام علي (ع):
من اخذ دينه من الرجال أضلته الرجال ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة تزول الجبال
ولا يزول.
فضلا عن التحذير من
المظاهر الخادعة عند البعض، ورفض التزام قول فقيه بعينه.
ومن يرغب بزيادة في
التفاصيل في التقليد وتعريفه، وأدلته وشروطه، وتاريخه، وأسبابه، ونتائجه (فوائده وأضراره)،
وغير ذلك فيمكن أن يرجع إلى الكتاب أدناه.
0 تعليقات