عز الدين
البغدادي
الإيمان
الأصلي والإيمان الفرعي
الإيمان ليس فعلا
اختياريا، بل هو فعل تلقائي يتحقٌق بتحقق مقتضياته، أي عندما تتحقق أسبابه فأنا
أؤمن عندما أجد أنّ هناك ما يدعوني للإيمان، فمثلا أنا أؤمن بالإسلام (والكلام هنا
عن الإيمان الابتدائي وليس الوراثي) عندما أجد فيه شيئا مقنعا، بغض النظر عن كون
قناعتي منطقية أو لا.. لكن بأي حال لا يكون الإيمان قهريا ولا جبرا على أي شخص. قد
تعترض: كيف تقول بأن الإيمان لا يكون اختياريا والله تعالى يقول: ( فمن شاء فليؤمن
ومن شاء فليكفر) والحقيقة أنّه هنا لا يريد إثبات الاختبار للإيمان بل يريد أن
يثبت عدم الجبر.
فالإيمان أمر قهري
لكنه ليس اجبارياـ، والفرق بينهما أن الأمر قهري يتحقق واقعا خارجيا بغض النظر عن إرادتنا
فأنا أقتنع عندما أجد هناك سببا للاقتناع، إيماني ليس باختياري لكن لأن السبب مقنع
رغما عني. أما الجبر فهو املاء خارجي، أي أن هناك قوة تفرض عليك: يجب أن تؤمن بكذا.
وهذا ما يبين لك خطأ
ما تجده في كتب علم الكلام والعقيدة من أنه يجب عليك أن تؤمن بالله أو بنبوة محمد (ص)،
والصحيح هو القول بأن الإيمان بالله أو بنبوة محمد (ص) لها أدلتها ومقتضياتها.
لكن، قد تقول بأنّ
هذا يتنافى مع الإيمان الّذي يبتني على التسليم، فإذا كان المرء لا يؤمن حتى
يتعقّل، فما معنى الإيمان؟ وما قيمته؟
وهذا إشكال صحيح، وفي
موضعه. والجواب هو أنّ الإيمان يمكن تقسيمه إلى أصلي وفرعي، أما الأصلي فهو أن
تؤمن بالله تعالى وهذا لا يكون إلا بالتعقل والاقتناع، فأنت ترى مظاهر الإبداع في
كل نواحي الخلق، وهو ما يدفعك نحو الإيمان والتسليم بوجود الله وحكمته مما تراه من
بديع صنعته وبليغ حكمته.
قد يتوقّف المرء عند
هذا الحد، كما هو مذهب الربوبيّة الذين يعتقدون بوجود الله، إلا أنهم لا يؤمنون
بالنبوة. وربّما يجد الإنسان مبررات للإيمان بالنبوة، قد تكون مبررّات حقيقية، وقد
يأخذها ممن يحيط به في المجتمع. لكن إذا آمن بالنبوة، فإنه يلزم من ذلك أن يؤمن
بما يخبر به النبيّ من إخبار عن الغيب، كالبعث والنشور والجنة والنار والجن
والملائكة وما إلى ذلك. وهذا الإيمان يتفرّع عن الإيمان الأصلي، ولهذا فهو إيمان
فرعي يعتمد التسليم وحسب.
0 تعليقات