عز الدين البغدادي
في يوم 17 من تموز سنة 1968 حدث انقلاب عسكري بقيادة حزب البعث العربي
الاشتراكي وبعض المتحالفين معه للسيطرة على الحكم في العراق، بعد أسبوعين من
الانقلاب ظهر أحمد حسن البكر يقرأ بيانا يعلن إتمام السيطرة على الحكم والتخلص من
بعض الحلفاء الذي التحقوا بهم على كراهة منهم، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ العراق.
وبعد 11 سنة، وفي ليلة 16-17 تموز 1979 قرأ البكر بيانا يعلن فيه تنازله عن
السلطة لصالحه نائبه المملوء نشاطا الشاب الوسيم والمشؤوم صدام حسين.
كنت طفلا صغيرا في السادس ابتدائي لكني كنت متابعا جيدا، وامتلك وعيا
سياسيا اكبر من سني بدون شك، وتذكرت في تلك الليلة عندما جاء خال أمي (رحمه الله) الى
البيت وقت الصلاة، توضأ وفرش سجادة الصلاة، فأسرعت إليه أمي وهي تقول له: خالي
البكر تنازل عن الحكم لصدام، قلت لهما: هذا ليس تنازلا اختياريا، بل إجباريا، هذا
انقلاب. الكل كانوا يعرفون أن صدام صار الرجل الأقوى في الدولة لا سيما بعد 1975
وما بعدها.
ينظر كثير الى مرحلة حكم البعث من 1968- 2003 على أنها مرحلة واحدة،
والحقيقة أنها ليس كذلك. فقد كانت هناك مرحلتان: الأولى هي مرحلة البكر او
الانقلاب الأول التي كانت رغم ما حصل فيها من أخطاء -ولا عمل بدون أخطاء- إلا أنها
كانت مرحلة ازدهار. في ذلك العصر تم تأميم النفط، ازدهر الاقتصاد وانطلقت الصناعة
بشكل متميز وسريع، وزادت القوة الشرائية للمواطنين وتحول العراق الى قوة اقتصادية
تحاول الدول الكبرى ان تكسب ودها، وكانت هناك حملة لتصفير الأمية في العراق، وتطور
النظام التعليمي والصحي ليس على مستوى الشرق الأوسط فقط، بل وربما على مستوى
العالم. وأجريت مشاريع كثيرة جدا في كل المجالات، وكان هناك عمل متميز جدا جدا
لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووصل الجيش العراقي إلى أوج قوته وهيبته. الروائي
العربي الكبير نجيب محفوظ قال وقتها: ان العراق يستعد للانطلاق لمغادرة العالم
الثالث.
أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة الانقلاب الناعم الذي قاده صدام على البكر
والذي تم بمسرحية (وصدام يحب هذه المسرحيات وهو ممثل حقيقي) وهذه هي مرحلة الخراب
والدمار والإعدامات والتنازلات والحروب والتي ابتدأت بمجزرة قاعة الخلد وانتهت
بتسليم العراق لقمة سهلة للاحتلال الأمريكي وعملائه. وجاءت هذه المرحلة للأسف بسبب
ضعف البكر أمام صدام، وعدم اتخاذه موقفا حاسما منه حتى عندما رأى أنه سحب معظم
خيوط السلطة منه.
اعتقد ان هناك مغالطة مقصودة لجعلها مرحلة واحدة، وأكثر من يعمل على ذلك هم
الفاشلون بعد 2003، فهم يحاولون جعلها مرحلة واحدة حتى يغطى على انجازات المرحلة
الأولى بأخطاء بل جرائم المرحلة الثانية، والمحصلة كي لا يظهر الفرق كبيرا بين
مرحلة الإسلاميين الفاشلة بامتياز وما قبلها.
0 تعليقات