علي أبوالخير
الإسلام السلطاني العثماني الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يجمع
كل آفات ما يُعرف بالإسلام السياسي، وهو الإسلام الذي يسخّر الدين للحاكم، ويعود
بمفردات عفَّى عليها الزمن والدين والأخلاق؛ مثل العودة إلى حدود جغرافية ماضية،
أو أستاذية العالم المنفرة المفقودة. حاول في سبيل ذلك رئيس الوزراء التركي الراحل
عدنان مندريس، إحياءها، ولكن فشل وتم إعدامه عام 1960، وطبعًا ندين الإعدام
السياسي بصورة عامة، ولكن في المقابل ندين فكرة التأسلم عمومًا، حاول عدنان مندريس
ونجم الدين أربكان، ثم يسعى اليوم رجب أردوغان، وهي فكرة سياسية بغطاء ديني.
وعمومًا يمثّل التاريخ، حديثًا أو قديمًا، بالنسبة إلى الرئيس التركي أداة
سياسية لا أكثر أو أقل، فلقد اعتمد العثمانيون الجدد في تركيا، منذ وصول أردوغان
إلى سدة الحكم، وتحالفه مع حركات الإسلام السياسي العربية، على سياسة دعائية تهدف
إلى تجميل الخلافة العثمانية في عيون الشباب العربي، على سبيل المثال، يقدم
العثمانيون الجدد تاريخ السلطان عبد الحميد الثاني، على أنه السلطان الذي رفض بيع
فلسطين للحركة الصهيونية، رغم أن التاريخ يؤكد على أن 35 مستوطنة صهيونية تم
تأسيسها في فلسطين في عهد عبد الحميد الثاني، كان آخرها تأسيس "تل أبيب"
عام 1908، كما صدرت فتوى عثمانية كفّرت أحمد عرابي، وهي الفتوى التي أخمدت الثورة
المصرية، وأدّت إلى الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، هذا بالإضافة إلى أن الدولة
العثمانية في المئة عام الأخير كانت دولة لا تملك من أمرها شيئًا، فصارت الرجل
الأوروبي المريض، حيث استقلت منها الدول الأوروبية في البلقان واليونان، ولم تنجح
دولة بني عثمان إلا في قتل عرب الشام والأكراد والأرمن في مذابح مشهورة معروفة،
ولا يمجّد السلطان عبد الحميد إلا المتأسلمون، الذين يقرؤون التاريخ بالورع الزائف
والإيمان المغشوش.
أردوغان يعيش ويسعى إلى تأصيل فكرة الخلافة، حتى لو سالت الدماء أنهارًا،
فمنذ أن تولى أردوغان الحكم في تركيا، والمنطقة العربية تشتعل فيها الصراعات،
وتتمدّد فيها المشاريع الانفصالية، فتدخلات تركيا في الشؤون الداخلية لكثير من
الدول العربية فاقت كل حد، ربما يعود هذا إلى طبيعة السلطان العثماني الذي يروج
نفسه على أنه خليفة المسلمين وأنه يسعى لإحياء إرث الدولة العثمانية، ومن ضمن تلك
المحاولات التدخل في الشأن العربي، في العراق وسوريا وليبيا والصومال وفي دول
الساحل الإفريقي، وكله تمدد سوف يعود على صاحبه بالهزائم، بعد أن استعدى عليه
المسلمين والغرب، وعادة ما يسقط الفاشيون الذين يريدون العودة بالزمن إلى الوراء
والتمدد خارج المجال الحيوي، لا ننسى موسوليني الذي أراد إحياء الإمبراطورية
الرومانية أو هتلر صاحب نظرية العودة للنقاء العرق الجرماني، ونهايتهما معروفة،
والمأساة في تمزق لدولهما، وأردوغان الفاشي يعود لتاريخ مشوش مزور، يروج له، ولكنه
لا يعلم أنه قد يكون فيها نهايته، نهاية درامية مثل من سبقه.
وفي سابقة هي الأغرب في سلوك أردوغان هو إعادة فتح متحف "آيا صوفيا"
وتحويله من جديد إلى مسجد، في تحدي أخلاق للمسيحيين في العالم، لقد سقطت
القسطنطينية ومعها كنيسة آيا صوفيا عام 1453 على يد السلطان محمد خان الثاني بن
مراد المعروف بمحمد الفاتح، وبعد سقوط القسطنطينية المسيحية بأقل من أربعين عاما
عام 1492 سقطت غرناطة المسلمة ومعها قصر الحمراء، ولقد تحولت كنيسة آيا صوفيا إلى
مسجد حتى سقطت خلافة بني عثمان الدموية، فتحولت الكنيسة إلى متحف ثقافي علمي عام 1934
على يد كمال أتاتورك، كما تحول مسجد وقصر الحمراء في غرناطة إلى كنيسة اسمها سانت
ماريا، ولكنها مع الزمن تحول القصر إلى متحف ثقافي تلتقي فيه كل الحضارات التي
كانت شعلتها الحضارة الإسلامية، وفي سنة 2007، اخْتِير قصر الحمراء ضمن قائمة كنوز
إسبانيا الاثني عشر ، وكثرة هي المساجد التي تحولت لكنائس في أسبانيا، وكثرة هي
الكنائس التي تحولت لمساجد في دولة بني عثمان، رغم أن الأوائل من المسلمين تركوا
الكنائس والمعابد وحتى معبد زرادشت على حالهم، ولكنهم فقط الأتراك، الذين فعلوا
هذا السلوك الشائن، ونلاحظ أن الجنس التركي بصورة عامة لم يظهر منهم عالم أو فقيه
أو فيلسوف يُعتد به، وكل أمجادهم عبارة عن سلسلة الحروب، ومن رؤوس مقطوعة ودماء
مسفوكة، بتقوى سياسية مزيفة وإيمان مغشوش كما ذكرنا، وهو التدين المغشوش، للأسف له
أنصاره حتى اليوم.
ولنا أن نتساءل: ماذا لو قامت إسبانيا بإعادة قصر الحمراء إلى كنيسة، وماذا
تكون ردود أفعالنا، لقد حدث أن منعت سويسرا أذان المساجد من المآذن، هاج المسلمون
في كل البقاع، وهو احتجاج مشروع، كما أن رد فعل المسيحيين مشروع أيضا بخصوص "آيا
صوفيا"، وفي نفس السياق، يحق لنا أن نسأل بجدية ماذا لو قامت إسرائيل بتحويل
المسجد الأقصى أو كنيستي المهد والقيامة هيكلا ومعابد لصلاة اليهود، استنادًا إلى
المرجعية التركية لآيا صوفيا، فماذا تكون ردود أفعالنا المشروعة؟ الأمر فعلا خطير.
لقد خلق أردوغان لنفسه أعداءً جددًا، في القارات الخمس.. ملياران من البشر
مصدومون بقراره، ومعهم أيضًا ملايين من المسلمين، وجنود أردوغان منتشرون في بلاد
متعددة، ولذا الاقتصاد التركي منهك يتداعى، ويعتمد على التمويل القطري بصورة
مستمرة لا ينقطع، ولكن في النهاية لا يمكن لاقتصاد الدولة التركية أن يتحمل كل تلك
الأعباء العسكرية إلى ما لا نهاية، والمأساة أن كل طاغية يعتقد دائمًا أن ما حدث
لغيره لن يحدث له، ولأن لكل قضية ثمنًا، فسوف يدفع أردوغان ثمن حماقاته، ولكن
المؤلم أن الشعب التركي أيضًا سيدفع أثمانًا باهظة مثلما دفعت الشعوب العربية
أثمانًا دموية من أرواح أبنائها، تم سفكها على أيادي السلاطين القدامى والسلطان
الأخير المهزوم رجب أردوغان.
0 تعليقات