د. حازم الرفاعي
تغيرت الأسماء التي
يطلقها المصريون على أبنائهم وبناتهم عبر العقود والقرون مع تواكب الساسة والحكام
وتغيرات السياسة والزمان.
فنحن لا ندرك بحق حقيقة نطق الأسماء المصرية
القديمة التي تبدلت لأسماء أخرى تداخلت فيها ألفاظ اليونان والرومان والأتراك ثم
أخيرا أسماء أوربية شمالية حديثة.
تغيرت أسماء المصرين:
فمن ( ليلي) و(فتاح) و(أمين) ظنها مترجمو أوروبا (تيتي )و(بتاح) و(مينا)، تغيرت
الأسماء لبطرس وجرجس وجرس يحملون الـ (س) اليونانية ففيها ديمتري يصير ديمتريوس،
أو كرياكو يصير كرياكوس.
ثم نزلت على الوادي
ال (تاء) التركية لأسماء تواكب عصور الأتراك والعثمانيين؛ فها هو شوكت ومدحت وجودت.
يبقى وسط كل ذلك الفيضان من الأسماء أسم مصري ريفي بسيط هو (ست أبوها).
اسم غريب، لكنه بسيط
وصادق، يصف حالة وجدانية للأب ورؤيته لطفلته الصغيرة تقبل على الحياة. هذا الحب
الغريزي الذي يربط بين الأب وابنته هو حالة إنسانية عامة، لكن تطور المجتمعات
والزمان خلق سنن وعادات مشوهة. ومجتمعات أصابها المرض حول العالم.
والتمييز ضد المرأة
ليس خيالاً ذهنياً افتراضياً للمثقفين؛ فحتى يومنا هذا توجد مناطق من العالم
العربي - وربما مصر - لا تشارك فيها المرأة الرجل في مائدة الطعام، ولعل ثلاثية
نجيب محفوظ التي انتقلت إلى السينما تجسد النساء والأطفال يدخلون حجرة الطعام بعد
أن انتهى (سي السيد) من تناوله.
ولكن الأمر الذي لم
يتصوره نجيب محفوظ أو مخرج الثلاثية هو كيف استطاعت جماعة الأخوان المسلمين أن
تحول جسد المرأة إلى رمز لسطوتها حول العالم.
فالزي الإسلامي الذي
ابتكرته جماعة الإخوان صار رمزاً لسطوتهم وقوتهم، وصار رمزاً سياسياً. فلقد عرفت
شوارع القاهرة شعارات تؤكد أن الزي الإسلامي وحجابه هو فرض أسلامي.
وشهدت جامعات مصر
شباب الأخوان (الخارجين لتوهم من سنين المراهقه هم ذاتهم) يقفون علي أبواب
المدرجات وكأنهم علي أبواب مسرح وسينما يوجهون الذكور يسارا والإناث يمينا تأكيدا للعفة
والنبل وكأنما محراب الدرس ذاته عاجز عن هذا. وعرفت جدران القاهرة شعاراً مكتوباً غطاؤها
من أقصاها إلى أقصاها يحدد بحسم أن (الحجاب فرض كالصلاة) متجاهلاً ببساطة أن فروض
الإسلام التي عرفها المسلمين عبر العصور هم خمسة لا سادس لهم.
وهكذا صارت صور
النساء بلا حجاب في مدارس مصر (كالسنية الثانوية ) (والأميرة فوزية) أو في حفلات
أم كلثوم إرثاً من ماضٍ طواه النسيان أمام سطوة تنظيم الإخوان المسلمين. فصار غطاء
الرأس زيا قومياً ترتديه نساء الشرق بعد ابتزاز فكري أخلاقي وسياسي وثقافة ذكورية
تميز الأخ علي أخته في الشرق كله. وهكذا صارت نساء الشرق وعفتهم المفترضة رمزاً
يبتذله الساسة من إردوغان لأتباع الخميني. وصارت قطعة من قماش تغطي الرأس رمزاً
قوميا دينياً وأخلاقياً يجني أرباحه سياسيون.
ولكن حقوق ست أبوها
المهدرة تتجاوز السياسة لما هو أوسع، فكل ما يتعلق بالنساء يستدعي الخجل. وهكذا
فعندما يظهر سرطان الثدي يخجلون من ذكره ويقولون (جالها الخبيث في لا مؤاخذة) وكأنما
الثدي الذي أرضع كل البشرية سبةً تستدعي الخجل حتى في حضور الأطباء والمتعلمين. وها
هي بلادنا المنكوبة بانفجار سكاني لا تصنع أياً من حبوب منع الحمل، وتتعامل مع
الأمر كهبة قدرية. وها هي مئات الآلاف من حالات الحمل غير المرغوب تنتهي بأطفال
يقترشون غبار الشوارع ويلتحفون بسماء تزداد تباعداً. فالإجهاض وقوانينه يحاصره إرهاب
فكري يتجاهل مقولات كتلك للشيخ طنطاوي الذي قال فيها أن الإجهاض مباح قبل أن تدب
الروح في الجسد و أن علي المجتمع أن يحدد الحد الفاصل لتلك الأمور حتي لايمارس الأطباء
عملهم في الخفاء كمجرمين.
وها هو عالم الإسلام
والمسلمين يشهد فقه الإثنى عشرية أو الفقه الجعفري يراجع قوانين الإرث.
فقوانين الإرث كما نعرفها يجبر الأسر المصرية
على التوريث للأعمام والأخوال إذا لم يرزق الأب بولد صبي ذكر. فالمستقر أو
المتعارف عليه أن البنات يرثن نصف الأب أو ثلثيه أما الباقي فيذهب إلى الجد أو
الجدة، إذا كانوا أحياء. لم تحدد الآية ماذا يحدث إذا كان الجد والجدة قد ماتا
أحدهما أو كلاهما! ففي هذه الحالة يذهب ثلث ميراث الأب أو أكثر لأبناء عم ربما لم
يرهم أحد إلا لحظة توزيع الميراِث, ومن الطبيعي في تلك الحالات أن يدافع المستفيدون
عن تفسيرات دينية تخرج عن النص القرآني ذاته. وهكذا تجبر آلاف الأسر المصرية على
ممارسة الكذب أو البيع في حياة الأب أو ممارسة ما يطلق عليه حق الرقبة، إذا أنجبت
الأسرة فتيات ولم يكن ضمن المواليد ذكر. فالأب بغريزته يريد أن ترثه بناته لا
أشقاؤه أو نسل بعيد لا يكاد يتعرف عليه. فإذا بتفسير لنص ديني يجبر الأسر على أن
يرث الجدود وأبناء الأعمام وأحياناً أبناء أبناء العم إرثاً لرجل لم يروه متجاوزين
حقوق ست أبوها التي كانت ملء عيونه وكل همه.
لم ولن تغب عن
ضمائرنا كمصريين السبة التي تعرضت لها المرأة المصرية في حالات التحرش الجماعي
التي تعرضت لها الفتيات المصريات في الأعوام الماضية. فلقد جسدت تلك الظاهرة ما هو
ظاهر فقط بشأن التمييز ضد المرأة. في الأيام الماضية قيل إن هيئة علماء الأزهر قد
اعترضت على إشارة بشأن منع الطلاق الشفوي.
تداولت الصحف الأمر،
وكأنما هيئة علماء الأزهر إحدى هيئات الأمر والمنع الكنسية التي حكمت بعدم دوران
الأرض.
ترى هل يجب أن نسعى
لخلق قانون مدني للأحوال الشخصية أم يجب أن نراجع الدستور ذاته الذي صارت تناقضاته
ومواده عاجزة عن حماية حرية التعبير وحقوق الرجل و المرأة في أن يكون هناك في مصر
قانون مدني للأحوال الشخصية
0 تعليقات