بقلم / ناصر کنعانی
رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی القاهرة
یمر علینا یوم 27 من شهر یولیو/ تموز وهو یحمل فی طیاته ذکرى وفاة الشاه
الإیرانی الهارب محمد رضا بهلوی الذی مات ودُفن فی العاصمة المصریة القاهرة عام 1980م،
محمد رضا هو الشاه الثانی من العائلة البهلویة وآخر شاه إیرانی، یَدین بقدرته
وسلطته لبریطانیا وبجانبها أمریکا اللتان تمتلکان تاریخًا طویلًا من التدخلات الشریرة
فی الشأن الداخلی الإیرانی، وصل محمد رضا بهلوی إلى کرسی السلطة أول مرة بعد الدور
المباشر الذی لعبته قوى الحلفاء بعد احتلالهم لإیران إبان الحرب العالمیة الثانیة ١٦
سبتمبر ١٩٤١م، وعاد إلى السلطة مرة أخرى عبر الانقلاب الذی نفذه بتاریخ 19 أغسطس 1953م
والذی أدارته حکومتا کل من أمریکا وبریطانیا مباشرة ضد الحکومة الوطنیة بقیادة
الدکتور محمد مصدق، وفی نهایة الأمر کانت عاقبته أن هرب من إیران بعد الثورة الشعبیة
الإیرانیة بقیادة الإمام الخمینی رحمة الله علیه.
لیس الهدف من هذا المقال التطرق باختصار إلى تاریخ ظهور وسقوط محمد رضا
بهلوی، ولکن کتابات بعض الکتاب العرب وغیر العرب حول الذکرى الأربعین سنة لوفاته
ومجانبة بعض الکتاب الصواب والإنصاف فی کتاباتهم، مثلت دافعًا حتى أذکّر هذه الفئة
من الکتاب والمُخاطبین ببعض النقاط، للأسف رأینا ونرى أن بعض الکتاب قد جانبوا
أصول الإنصاف فی مقالاتهم أو أنهم قد وقعوا تحت تأثیر دعایة الشرکات الإخباریة
والدعائیة المعادیة لإیران التی لا ترید سوى تسلیط الضوء على السلبیات بل وتضخیمها
وتنحیة الإیجابیات تمامًا، وإبراز بعض النواقص والمشاکل بهدف إظهار صورة سوداویة
عن إیران وأیضًا من أجل قلب الحقائق وتقدیم إیران للمخاطب على أنها دولة متخلفة تسیر
نحو التراجع، اللافت هنا هو أن بعض الکتاب وأصحاب الرأی الآخرین ومعهم أصحاب
المناصب أیضًا یدّعون باستمرار أن إیران تتدخل فی شئون دول المنطقة، بل وینسبون إلیها
الکثیر من الأحداث والعملیات التی تحدث فی أی زاویة من دول المنطقة أو حتى الدول
الأبعد من المنطقة سواء بشکل مباشر أو غیر مباشر.
الحقیقة هی أن إیران لیست دولة تسیر على طریق الضعف والانهیار، کما أنها لیست
بالدولة المتدخلة التی تفرض نفسها على الدول الأخرى ولا هی دولة توسعیة التی تسعى
لتوسعة جغرافیاتها أو استعمار الدول الأخرى، لم تکن إیران طوال تاریخها لا
مستعمَرة ولا مستعمِرة، وقد قامت الثورة الإسلامیة فی إیران قبل أربعة عقود کثورة
شعبیة من أجل حفظ الاستقلال الوطنی ومعارضة التدخلات وسلطة القوى الأجنبیة مثل أمریکا
علیها.
تتمتع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بالاستقلالیة سواء فی سیاستها الداخلیة
أو الخارجیة، وهی تتبنى منهجًا یعارض السیطرة الأمریکیة والصهیونیة العالمیة على
تقریر مصیر شعبها ومعارضًا لوجود وتدخل القوى واللاعبین الأجانب عن المنطقة الباحثین
عن النفوذ وفرض السیطرة على الترتیبات السیاسیة والأمنیة فی المنطقة.
إیران دولة نامیة من الناحیة الاقتصادیة، وعلى الرغم من العقوبات والحظر
الأمریکی الأوروبی الظالم الذی لا زال قائمًا منذ أربعین سنة، استطاعت إیران أن
تضع نفسها ضمن أوائل دول العالم فی المجالات العلمیة والصناعیة والعسکریة والزراعیة
وتکنولوجیا المعلومات والمجالات النوویة والنانو تکنولوجی وبقیة التکنولوجیات
المتطورة، بل ووضعت نفسها فی مصاف الدول المتقدمة فی مجال إنتاج العلم والتکنولوجیا،
هذه لیست ادعاءاتی، بل یستطیع من یهمه الأمر أن یراجع الإحصائیات المعتبرة الخاصة
بالمراکز والمنظمات الدولیة المختصة.
نعم عندما قامت الثورة الإسلامیة وأثناء الحرب المفروضة التی مارسها نظام
صدام لمدة 8 أعوام ضد إیران، کانت إیران فی حاجة إلى استیراد أبسط الأدوات العسکریة
للدفاع عن نفسها مثل الأسلحة الخفیفة الفردیة وحتى الأسلاک الشائکة التی کانت
تُستخدم على الخطوط الحدودیة والنقاط العسکریة والدفاعیة، إلا أنه وفی الوقت الحالی
أصبحت صواریخها البالستیة الدقیقة ذات التصنیع المحلی تستهدف قواعد العدو المعتدی
والخارج عن القانون على بعد مئات الکیلومترات خارج حدودها الجغرافیة، وأصبحت
منظومة دفاعها الجوی تُسقط الطائرات المسیرة النوعیة التی یستخدمها العدو المعتدی،
أو تقوم بالسیطرة على الطائرة المسیرة عبر مناورة تکنولوجیة وإنزالها سالمة على
الأرض لتستخدمها فیما بعد أو تنتج مثیلاتها عبر تقنیات الهندسة العکسیة.
إن إیران الحالیة هی دولة قد وصلت إلى الاکتفاء الذاتی فی إنتاج الکثیر من
السلع الإستراتیجیة الزراعیة أو أنها قد أصبحت على أعتاب الاکتفاء الذاتی، کما
أنها حولت اقتصادها من اقتصاد یعتمد على النفط ومعظم صادراته نفطیة إلى زیادة حصة
الصادرات غیر النفطیة وهی على أعتاب تنفیذ میزانیة سنویة عامة لا تعتمد على النفط
بشکل أساسی أو لا تعتمد علیه بالکلیة.
إن الدولة التی کانت تستورد الدواء والأطباء لمرضاها فی عهد النظام السابق
وخلال السنوات الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامیة، أصبحت فی الوقت الحالی مصدرة
للکثیر من السلع الدوائیة والمعدات الطبیة لأسواق العالم، بل وأصبحت تستقبل الکثیر
من المرضى من دول الجوار ودول المنطقة بفضل امتلاکها لعدد کبیر من الأطباء
الاستشاریین والمراکز العلاجیة الحدیثة.
بالطبع لا أحاول بأی شکل من الأشکال فی هذا المقال إنکار وجود المشاکل وبعض
الاضطرابات والضغوط الاقتصادیة والمعیشیة على الشعب الإیرانی، وهی مشاکل الکثیر
منها (ولیس کلها بالتأکید) قد نشأ نتیجة العقوبات والضغوط الاقتصادیة الظالمة، وهی
العقوبات التی لم تفرض مثیلتها على أی دولة على مدار التاریخ وهذا باعتراف المسئولین
الأمریکان أنفسهم، إلا أنهم یعترفون أیضًا أن هذه العقوبات قد أظهرت فشلها ویحاولون
فی الوقت الحالی التفاوض مع إیران عبر طرق مختلفة.
إن من یحاولون فی الوقت الحالی عزل إیران إقلیمیًا ودولیًا قد فهموا أن إیران
لاعب قوی ومستقل ومقاوم ومبدع، إیران دولة تحافظ على استقلالها واستقلالیتها
بالاقتدار وبقوة الردع فی مواجهة أقسى العقوبات والتهدیدات، وتتحدث مع الأعداء من
موضع الند للند وموضع القوة والاقتدار.
إلا أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وبرغم اقتدارها لا تعتدی على الجیران
ولا على حقوق الآخرین، وتستخدم قدراتها الدفاعیة من أجل مواجهة المعتدین فقط
وتکرسها أیضًا لخدمة استقرار وأمن المنطقة.
سوف تتغلب إیران على الضغوط الاقتصادیة الناتجة عن العقوبات التجاریة
والمصرفیة والنقدیة الظالمة وستُسجل انتصارات أکبر، إیران تسعى لمنطقة قویة لأن
المنطقة القویة تمنع من تدخلات القوى الأجنبیة وعملیاتها المزعزعة للاستقرار، کما
أن ید إیران ممدودة دائمًا بتواضع وبعزة فی الوقت نفسه من أجل الصداقة مع الجیران
الحدودیین والإقلیمیین أیضًا.
0 تعليقات