عز الدين البغدادي
الإنسان تحركه أفكار
أو قيم، اللص يعتقد بأن اللذة هي الهدف الاسمي له، وأن أموال الأخيرين ليس لها
حرمة، وأن القيم المعلنة عن الشرف والأمانة هي أكاذيب (وكلاوات) لذا فإنها لا تؤثر
عليه، وبالنتيجة فهو يتحرك نحو السرقة.
الموظف النزيه يعتقد
أنّ هناك مسؤولية يتحملها بعمله وأنه لا بد أن يخلص في أداء وظيفته ليستحقق أجره،
وأن هؤلاء المراجعين هم أشخاص محترمون يجب عليه أن يخدمهم.
النحو الأول لا يبني
شيئا بل ينتج أشخاصا يستولون على أموال ليست لهم لينفقوها بشكل غير صحيح مقابل أشخاص
يخسرون أموالهم وحقوقهم. والنحو الثاني ينتج أشخاصا يقومون بواجبهم، يأخذون
استحقاقا معقولا، ويحافظون على أموال الناس وحقوقهم، ويزرعون ثقة بالواقع وأملا
بمستقبل أفضل.
القيم بأي حال هي إفراز
المجتمع، ليس المجتمع بذاته دائما بل ربما بما يعرض عليه ويؤثر فيه.
القيم بهذين النحوين:
أي القيم التي تبني والقيم التي تهدم هي قيم مؤثرة لها نتاجها.
هناك نمط آخر من
القيم، وهذا النمط خطابي غير مؤثر يتحدث عن الزهد واثر صلاة الليل على نورانية
الوجه، أو فضل الصلاة على النبي (ص) وآله أو أن الشيخ الفلاني له كذا وكذا من
الكرامات فيساهم بذلك في زيادة تخدير المخدّرين.
هناك قيم خطيرة يتلبس
فيها اللا اخلاقي بلبوس الأخلاقي، عندما يجد اللص تبريرا فقهيا، مثلا يقول بأنّ أموال
الدولة ليس لها مالك فيأخذها ويخمسها وهو مطمئن وقلبه عامر بالإيمان.. أو عندما
يجد المرابي فتاوى تسمح له بالعمل، ولكي يبرئ ذمته تماما فإنه يصرف جزءاً من السحت
على مجلس حسيني يعقده في بيته حتى يقال عنه بأنه "خادم الحسين"، أو يوزع
بعض الحاجات الرخيصة على مخيم للنازحين، ورغم أن كل ما وزعه هو أقل من ثمن حذاءه
الايطالي، فانه يحصل بذلك على لقب المحامي عن أهل السنة مع دعم بعض الشخصيات
الدينية له.
إن القيم الحقيقية
التي تجعل الإنسان راقيا أخلاقيا وليس منحطا هي القيم المحركة للمجتمع، أي قيم
البناء التي يحتاجها الإنسان فردا ومجتمعا في بناء حياته، لذا سأقدر جدا من يتحدث
عن "قيمة التفكير" أو "حب الوطن" أو "أهمية الوقت" أو
"قدسية العمل" أو "رفض الظلم" أو "أهمية التعليم" أما
الذي لا زال يصر على الحديث عن "نساء كاسيات عاريات" و"التبرج"
و"أضرار الاختلاط" فأقول له: لكل مقام مقال، ومقالك لم يعد له مقام في
هذا الزمن.
تذكرت قبل أشهر حينما
حضرت صلاة جمعة، وكان الخطيب يتحدث عن أضرار السفور والاختلاط وعن شرب الخمر، وما
إلى ذلك. بعد أن انتهى من صلاته، قلت لأحد الأخوة: هل من المعقول أن كلّ الحوادث
التي نمرّ بها لم يجد صاحبنا فيها شيئا يدعو للحديث فيها؟
الفساد السياسي،
سرقات أموال الشعب، الإرهاب، الجوع والفقر، التخلف الفكري. أنا استمعت قبل قليل
لخطبة يمكن أن أجد مبررا لها قبل خمسين أو ستين أو سبعين سنة، لكن لا أجده مبررا
الآن.
وتذكرت يوم قال
الخطيب وهو يتحدث عن تدهور الأمور في البلد: "الله هو البديل" لم أفهم
ماذا يعني؟ وتمنيت أن لا يكون مقتنعا بما قال، وإلا فإن المشكلة ستكون أخطر.
0 تعليقات